في كلمته بعد صلاة العشاءين مساء الخميس الماضي
الغريفي: إذا تنازل الخطاب الديني عن دوره الروحي والشرعي سيسقط في مستنقعات السياسة
القفول - محرر الشئون المحلية
قال السيدعبدالله الغريفي - في كلمته بعد صلاة العشاءين بجامع الإمام الصادق (ع) بالقفول مساء الخميس الماضي (17 سبتمبر/ أيلول 2015) – «إن الخطاب الديني يجبُ أنْ يُحافظ على دورهِ الرّوحيّ والأخلاقيّ والشرعي والإيماني، حتى وإنْ قاربَ أوضاعَ السياسةِ، أما إذا تنازل عن هذا الدّور فسيسقط في مستنقعاتِ السّياسة».
وفي خطبته بعنوان: «الخطاب الديني ومقاربة الشأنِ السياسي»، قال الغريفي: «تقدمَ الكلامُ عن الاتجاه الأولِ الذّي حاولَ أنْ يُبرّر لمشروع الحظرِ على الخطابِ الدّينيّ أنْ يُقارب الشأنَ السّياسيَّ، وتقدّمتْ بعضُ ملاحظات على ذلك الاتجاه، وهُنا تتناولُ الكلمةُ الاتجاهين الثانيَ والثالثَ».
وذكر أن «الاتجاه الثاني: يُعطي للخطاب الدّيني مطلقَ الحريةِ في أنْ يقتحمَ السَّاحة السّياسيةّ من كلِّ أبوابها، وأنْ يتعاطى كلّ شُئونِها، وشُجُونِها، ومعتركاتِها، ويبرر هذا الاتجاه قناعتَه بأنّ ذلك التعاطي المُطلق هو حثٌّّ مشروعٌ للمنبرِ الدّيني، لا يجوزُ مصادرتهُ أو الحجرُ عليه، أو تقييده، فالتعاطي السياسي مسموحٌ لكُل إنسانٍ يملكُ القُدرةَ أنْ يقُول الكلمةَ، وأنْ يُحاسب الأوضاع، مادام ذلك ضِمن الضوابطِ والمعاييرِ السليمةِ. فلماذا تُوضعُ القيودُ غيرُ المشروعةِ على الخطابِ الديّني، ولماذا لا يُرادُ له الظهور في السّاحةِ السّياسيةِ، إنّ في ذلك اعتداءً صارِخًا على حقِّ التعبير، ومُصادرةً لدورِ الكلمةِ، ثُمّ إنّ المُبرّراتِ التي يطرحُها أصحابُ الاتجاه الأول هي مُبرّراتٌ مرفوضةٌ، ولا تقوم على أُسسٍ علميةٍ، ودعاوى فاقدةٌ للمصداقية».
وخلص الغريفي إلى أنه «وفق الاتجاه الثاني، أنّه لا يصُحُّ إطلاقًا تقييدُ الخطابِ الدّينيّ ومُحاصرتُهُ في تعاطِيهِ مع الشأنِ السّياسيّ، مهما يكن شكلُ مستوى ومساحة هذا التعاطي؛ لأنّ في هذا التقييدِ والمُحاصَرةِ تجاوزًا على حُرية الرأي المكفولة بحسب الأنظمةِ والقوانينِ».
وأوضح الغريفي «يمكن أنْ يلاحظ على هذا الاتجاه، أولاً: أنّ الاستغراقَ في الشأنِ السياسي ربما أدّى إلى التفريط بالكثير من مسئولياتِ الخطابِ الديني الروحيةِ والأخلاقيةِ، والعقيديةِ، والثقافيةِ، والفقهيةِ، والاجتماعيةِ، والتربويةِ، فإذا كانَ من حقِّ الخطابِ الديني أنْ يُقارِبَ المسألةَ السياسية، فهذا يجِبُ ألا يكونَ على حِساب بقيّة المسئولياتِ والتي تُشكلُ المفاصل الأساس في هذا الخِطاب، وإذا كان الشأن السياسي يملك درجةً عاليةً من الأهميةِ، فالمفاصل الأخرى كذلك تملك كل الأهمية وبدرجةٍ أكبر، صحيح أنَّ تحديات السياسة تفرض أنْ يكون للمنبر الديني حضورهُ وكلمتهُ، إلا أنّ تحديات العقيدة والفكر والأخلاق والاجتماع والسلوك في كل امتداداته هي الأخطر».
وأضاف «ثانيًا: إنّ التأصيل العقيدي والفكري والفقهي والأخلاقي هو ضرورةٌ لتسييجِ وترشيدِ وتحصين مسارات السياسة، وإلاّ انفلتت هذه المسارات، وانحرفتْ آلياتُها، وطاشتْ أدواتُها، وما نُشاهدهُ في عالم السياسةِ من انفلاتاتٍ، وانحرافات، وانزلاقاتٍ نحو العنف، والتطرفِ والإرهابِ، سواءً أكان على مستوى أداءات الأنظمة، أم ممارسات الشعوب هو نتيجة غياب المحصنات الروحية والأخلاقية، ربما يقال في شئون السياسة هو الذي أنتج الكثير من الصراعات، والخلافات، والتجاذبات، وكلّ المآلات المتشددة، والمتطرفة، فمن صالح الأوضاع السياسيةِ أنْ تكون في منأى عن خلافات الدين، وصراعاتِ المذاهب، وجدليات الفقه، هذا الكلامُ صحيحٌ تمامًا، إلا أننا حينما نتحدث عن مُحصنات روحية وأخلاقية إنّما نتحدث عن ثوابت ومسلمات وضرورات لا جدل ولا خلاف فيها، فلا جدل ولا خلاف في أنَّ الظلم السياسي مرفوض، وأنّ الفساد السياسي مرفوض، وأن النفاق السياسي مرفوض، وأنّ الكذب السياسي مرفوض، وأنّ العنف مرفوض، وأن التطرف السياسي مرفوض، وفي هذا السياق تنتظم كلُّ الانحرافات السياسي بكل أشكالِها، وألوانِها، ومساراتِها».
وأضاف «قد يُقال: إنّ هذه من الثوابت السياسية التي أقرتها الدساتير والقوانين، فما الضرورةُ لاعتمادِ الخطابِ الديني؟، واهمٌ كلَّ الوهم مَنْ يعتقد أنّ الدساتير والقوانين الوضعية قادرةٌ على أنْ تصنع ضميرا سياسيا نظيفا، فها هو الواقع السياسي يضجُّ بانتهاكات الدساتير والقوانين وبالتحايل عليها، وإخضاعها للأهواء والمصالح، لا يحمي المسار السياسي إلا ضميرٌ سياسي نظيفٌ، ولا يضع الضمير السياسي النظيف إلا قيم روحية نظيفة، ولا ينتج هذه القيم إلاّ الخشية من الله، تصورّوا سياسيًّا يعيشُ الخشيةَ كلَّ الخشيةِ من الله، هل يمكن أن يظلمَ، أنْ يعتدي، أنْ يُفْسِدَ، أنْ يُنافقَ، أنْ يكذبَ، أنْ يخونَ، أنْ يتآمرَ، أنْ يبطشَ، أنْ يعنِفَ، أنْ يُفرطَ في شيءٍ من مسئولياتِهِ؟».
وفي موضوع آخر عن «اليوم العالمي للديمقراطية»، قال الغريفي: «احتفل العالم في هذا الأسبوع باليوم العالمي للديمقراطية، فهلْ يمكن اعتبارُ هذه المناسبةِ فرصةً لمُراجعاتٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ وحقوقيةٍ في كل البلدانِ التي تعيشُ أزماتٍ وتوتراتٍ واحتقاناتٍ بسبب غياب الديمقراطية وغياب الإصلاحات، والسؤالُ المطروحُ هُنَا: مَنْ المسئولُ عن هذه المراجعات: هلْ هي أنظمة الحكم، أم القوى السياسية والحقوقية المعارضة، أم حراكاتُ الشعوب الغاضبة؟، بكل تأكيدٍ يأتي على رأس القائمة أنظمةُ الحُكم، كونُها تملكُ كُلَّ القدراتِ لإصلاحِ الواقع السياسي والأمني والحقوقي، فما لم تُمارسْ هذه الأنظمةُ مراجعاتٍ جادّةٍ وخطو خطوات حقيقية في اتجاه التغيير والإصلاحِ فإنّ الأوضاعَ لا يُمكن أنْ تُصحح، بل ستتجهُ نحو الأسوأ، والأعقدِ، والأخطرِ، وهذا لا يعني أنَّ بقيةَ المُكونات من معارضين سياسيين، وناشطين حقوقيين، وقوى شعبية... لا تتحمل مسئوليةَ المراجعة والمُحاسبةِ، بل هي تتحملُ درجاتٍ عاليةً من المسئولية، فربما كان في أداؤاتِها بعضُ أخطاءٍ أو بعضُ فَشلٍ أو بعضُ تعقيداتٍ، فمطلوب أنْ تتكامل الجهودُ في مراجعات جادّةٍ وصادقةٍ، وصريحةٍ، وجريئةٍ، ورشيدةٍ، ومُنصفةٍ، وهكذا يُمكنُ أنْ يتحول اليومُ العالميُ للديمقراطية إلى فرصة كبيرة لتغييراتٍ حقيقيةٍ في تصحيحِ الأوضاع وإنهاءِ الأزماتِ».