الغريفي: ندافع عن خطابٍ ديني يحمل قضايا الشعوب ويحتضن هموم الأوطان
القفول - محرر الشئون المحلية
قال السيد عبدالله الغريفي في كلمته بعد صلاة العشاءين بجامع الإمام الصادق (ع) بالقفول مساء أمس الأول (الخميس): «إننا ندافع عن خطابٍ ديني يحملُ قضايا الشُعوب، وهُمومها، ووحدتَها، ويحتضنُ همومَ الأوطان، ومصالحَها، ويحمي أمنها واستقرارها».
وتحت عنوان: «الخِطابُ الدّينيُّ ومقاربة الشّأن السّياسيّ»، قال الغريفي: «في معالجةِ هذا العنوانِ برزتْ ثلاثةُ اتجاهات: اتجاهٌ يحظرُ على الخطاب الدّينيُّ مقاربة الشأنِ السّياسيّ، اتجاهٌ يُعطي الخطابَ الدّيني مطلق الحقّ في مقاربة هذا الشأن، اتجاهٌ وسطيّ يوازنُ بين الحظر المطلق والسّماح المطلق، وبدأنا الحديثَ عن الاتجاه الأول وفيما هي منطلقاتُه، الاتجاهُ الأولُ ينطلق من منطلقين: المنطلقُ السّياسي والمتمثل في فرضِ وصايةٍ رسمية على الخِطاب الدّيني، ورُبَّما يبررّ ذلك بالخشيةِ من انفلاتِ الخطاب وجنوحِهِ نحو التطرّفِ وإنتاجِ العُنفِ والإرهابِ، وكذا الخشية من تكريسِ الكراهيةِ والفتنةِ والطائفيةِ مما يسيء إلى أمنِ الأوطانِ وإلى وحدةِ مكوناتِها، ويدفعُ إلى تأزيمِ أوضاعها.
إنّنا لا ندافعُ عن خطابٍ من هذا الطِراز؛ كونَهُ خطابًًا لا ينتمي إلى الهوية الدّينية، ولا يعبّر عن أصالةِ الانتماء إلى الأوطان، ولا يعتمد الأدواتِ المشروعة، إنّما ندافعُ عن خطابٍ يعبّر عن قيم الدّينِ ونقائِهِ، وأهدافِهِ، وثوابتِهِ، ومُسلمّاتِهِ، وضروراتهِ، إنّما نُدافعُ عن خطابٍ يحملُ قضايا الشُعوب، وهُمومها، ووحدتَها، ويحتضنُ همومَ الأوطان، ومصالحَها، ويحمي أمنها واستقرارها، إنّما ندافعُ عن خطابٍ لا تنفلتُ أدواتُهُ ووسائلُه ولغتُهُ وكلماته».
وتساءل الغريفي «فما الخشيةُ من خطابٍ هذه هويتُهُ، وصبغُتُه، وأهدافُهُ، وأدواتُه؟، ولماذا الإصرارُ على إخضاعِهِ لقرارِ المؤسّساتِ الوضعية، ورغبةِ الأنظمةِ الرسمية؟».
وأوضح الغريفي أن «المنطلق الفكري اعتمد ثلاثةَ مبرّرات لا تصمدُ أمام النقدِ والمحاسبة، فالمبرّرُ الأول يعتبرُ الشّأنَ السّياسيّ خارجًا عن وظيفةِ الخِطابِ الدّيني، وفي هذا تحجيمٌ خطيرٌ لدورِ الدّين، ولوظيفة الخِطابِ الدّينيّ، فيما تفرضُه هذه الوظيفةُ من الدّفاع ِ عن قضايا الشعوب، والتعبيرِ عن هموِمها والآمِها ومُعاناتِها، وفيما تفرضُهُ من اعتمادِ الكلِمة فقط، وهذه الكلمةُ التي تحملُ الحكمةَ، والموعظةَ الحسنة، والمجادلةَ بالتي هي أحسن، وهذه محدّدات الخِطاب الدّينيّ والتي لا يجوزُ الانفلاتُ منها مهما تكن المبرّراتُ، وسواءً أكانت المعالجاتُ عقيديةً أم فكريةً أم فقهيةً، أم كانتْ روحيةً وأخلاقيةً وسلوكيةً أم كانت اجتماعيةً واقتصاديةً وسياسيةً، فمادام الخطابُ مُحصّنًا بهذه المحدّداتِ فلا مُشكلة في أنْ يقاربَ أيَّ شأنٍ من شئونِ الحياةِ».
وأضاف الغريفي «أمّا المبرّرُ الثاني، والذي يعتبر الخِطابَ الدّينيّ غير مؤهلٍ لمعالجةِ شئونِ السّياسةِ، فهو مبرّرٌ ساقطٌ، لا يملك قيمةً علميةً، لا نُريد أنْ ندّعي أنَّ كلَّ المنابرِ الدّينيةِ تملك رشدًا سياسيًّا، هذه دعوى باطلةٌ قطعًا، لكن أنْ يُدّعي أنَّ كلَّ هذه المنابَرِ مُفلِسةً سياسيًّا، ولا تملك أيَّ رُشدٍ في هذه الشأن، هذه الدعوى تحمل جهلًا فاضحًا، فهلْ يمكنُ لكفاءاتٍ علميةٍ تخصّصتْ في أعقدِ المسائلِ الفقهيةِ والدّينية أنْ تكونُ عاجزةً عن أنْ تفهمَ شيئًا من شئونِ السّياسة، وأفكارِ السّياسة، هذه الشئون التي أصبحت مفتوحةً أمامَ الرأي العام، وأمامَ كلِّ المستويات، لا أريدُ أنْ استهينَ بقيمةِ الوعي السّياسي، ولا أريدُ أنْ أقول إنّه لا يوجد خبراء في الشأنِ السّياسي، ولا أريدُ أنْ أقول إنَّ من حقَّ أيّ إنسانٍ أنْ يكون مُنّظرًًا سياسيًّا وإن كان لا يفهم (ألف باء) السّياسة، ما أريدُ أنْ أقولَهُ إنَّ تجريدَ كلَّ أصحابِ الخطابِ الدّيني من كفاءاتِ السّياسة وقدراتِها أمرٌ لا يستندُ إلى مصداقيةٍ واقعيةٍ، ففي السّاحةِ علماءُ فقهٍ وشريعة، وقُدراتُ دين يملكونَ من كفاءاتِ السّياسةِ ما يعترف به منظّرو السّياسة في هذا العصر».
وبين الغريفي «وما لا نشكُ فيه أنَّ التعاطي مع الشأنِ السّياسي في مساراتِه النظريةِ والعمليةِ يفترضُ التوافرَ على القدراتِ والكفاءاتِ، وإلاّ شكّلَ هذا التعاطي إرباكًا لمساراتَ السّياسة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المتصدّي عالمَ دينٍ أو غيرَه».
وأوضح الغريفي أن «ثالث المبرّراتِ التي يطرحُها أصحابُ الاتجاهَ الأول والذي يحظرُ على المنبرِ الدّيني أن يتعاطى مع الشأنِ السّياسي، هو الشفقة على حملةِ الدّين من التلوثات السّياسية، وهذه كلمةُ حقٍّ يرادُ بها باطل، كما قال أمير المؤمنين (ع) حينما طرح الخوارجُ شعار لا حكم إلاّ لله، قد يبدو هذا المبرّرُ وجيهًا لدى البعضِ لسببين: الأولُ: كون السّياسة في واقِعها المتحرك مشحونةً بالكذبِ والزيفِ والدّجل، الثاني: الرغبةُ في الحفاظِ على المكانةِ الرّوحيةِ النقيّة لعلماءِ الدّين، إلاّ أنّنا لا نُسلّم بصحةِ هذا المبرّر؛ لتعطيل دور المنابرِ الدّينية في التصدّي لهموم الناسِ وقضاياهم على كلِّ المستوياتِ الرّوحية والاجتماعية والثقافية والسّياسية».
واستدرك قائلاً: «نعم نوكّدُ اعتماد القيم والمعايير النظيفة في التعاطي مع الشأنِ السّياسي، وهل مأساةُ السّياسةِ في هذا العصرِ و كلّ عصر إلا غياب هذه القيم والمعايير، إنّ النظافَة السّياسية من العناوين الكبيرة التي يجب العمل من أجل تحقيقها، وفي هذا حماية للأوطانِ وصلاحٌ للشعوب، ومن أهم الوسائِل لإنتاج النظافةِ السّياسية، أنْ يكون القيّمون على شئون السّياسة والمتصدّون لها يملكون درجاتٍ عالية من النظافة، وبقدر ما تتوافر هذه النظافةِ تتصحّح مساراتُ السّياسة، وتنجح مشروعاتُ الإصلاحِ والتغيير والبناءِ، وتتعزّزُ الثقةُ في النفوسِ».
وفي موضوع آخر، قال الغريفي: «إنّنا مع كلَّ النداءاتِ التي تطالبُ بالإفراج عن أبنائنا الموقوفين، ليعودوا إلى مدارسهم، فموقِعُهم أنْ يكونوا على مقاعدِ الدِراسةِ وليس خَلف القُضبانِ، موقعهم أن يكونوا في المدارس وليس في السُجون، أمر مؤلمٌ أنْ تبقى عيونُ هؤلاءِ الأبناءِ مشدودةً إلى الأطفال أفواجًا أفواجًا يزحفون إلى المدارس وهم يقبعونَ في السّجون، ما ينتظر هؤلاء من مستقبل؟، إنّه مستقبلٌ بلا دراسة، بلا علم، من حقّهم أنْ يدرسوا، أنْ يتعلموا لا أنْ يكونوا رهن التوقيف، قد يُقال: إنّها مسئولية مَنْ زج بهؤلاءِ الأطفال إلى الشوارعِ، وإلى أجواءِ السّياسة، لا نُريد أنْ نُحاسب الأسبابَ التي تدفع الناس إلى أنْ يكونوا في الشارع، وأن يكونوا معارضين، ولا نريد أنْ نُبرّر لأيّ عملٍ يحدثُ في الشارع، إلاّ أنَّ الهُمومَ الثقيلة التي يعيشها الناسُ، تدفع بهم أنْ يقولوا كلمةً، أنْ يعلنوا رفضًا، أنْ يكونوا في مسيرة، ولا فرق في ذلك بين كبير وصغير، ولا بين رجلٍ وامرأة، لكن حينما تتحرك الحِكمةُ تصحح الأوضاع، إنَّ زجَّ الأطفال في مراكز التوقيف أمرٌ في غاية السّوء، يجب أنْ تعالج قضايا هؤلاء بأساليب غير السّجون».