تحذيرات من تجاهل حالات الانتحار والاكتئاب المفاجئ
«الصحة العالمية»: مليون منتحر سنوياً على مستوى العالم
الوسط – المحرر الدولي
تتلقى الطبيبة النفسية، نوال الهوساوي، استفسارات شبه يومية حول الانتحار، لذا تعتبره ظاهرة وتحذِّر من تجاهله، بدعوى أنه لا يتجاوز حالات فردية ، وذلك وفق ما نقل موقع صحيفة "الشرق" السعودية اليوم الخميس (10 سبتمبر / أيلول 2015).
ومن بين المراجِعات لعيادة الهوساوي سيدة خمسينية تفكِّر في إنهاء حياتها بسبب آلام أنهكتها، وأخرى عشرينية تريد الأمر ذاته بدعوى اضطهادها في محيطها العائلي. وتلاحظ صاحبة العيادة أن جميع أفراد الأسرة باتوا معرضين للإقدام على الانتحار، لأسبابٍ عدة «ما يُثبت أن المشكلة قائمة على مستوى المجتمع ولا تقتصر على حالات فردية». وتعتبر الهوساوي الإقدام على الانتحار مرضاً نفسياً، لا يختلف كثيراً عن نظيره العضوي، ويحتاج إلى تدخلٍ علاجي دون الاكتفاء بما سمَّته «العلاج بالدين»، كون الشرع أمر ببذل الأسباب، محذرةً من اتهام المُقدِم على إنهاء حياته في دينه «فقد يعيش الملحد وينتحر المؤمن». وتتبادر صفة «كافر» إلى الأذهان عندما عند سماع نبأ انتحار شخص، لكن الكثير من المصادر الطبية تتناول الإقدام على إنهاء الحياة بصفته مرضاً نفسياً يحتاج إلى تدخلٍ سريع، ويستدعي من الأسرة الانتباه لمؤشراته. وقدَّرت منظمة الصحة العالمية في تقريرٍ أخير عدد المنتحرين على مستوى العالم بمليون شخص سنوياً، واعتبرت الانتحار واحداً من 20 سبباً للوفاة على الصعيد العالمي ولجميع الأعمار.
وحثَّت المنظمة على تقييد الوصول إلى وسائل إنهاء الحياة كالمواد السامة والأسلحة النارية، داعيةً في الوقت نفسه إلى اكتشاف الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية، وإلى الالتزام بالمسؤولية عند نشر أخبار حوادث الانتحار. وعزا استشاري علم النفس السريري والعصبي، الدكتور سعيد وهاس، زيادة أعداد المنتحرين إلى تطور الاكتئاب الكلاسيكي، ليتخذ شكلاً جديداً في الوقت الحالي «فنسمع أن فلاناً أنهى حياته دون مقدمات».
ويعرَّف وهاس الاكتئاب الكلاسيكي على أنه «تدرُّج في الحالة المزاجية، يبدأ عادةً بتعكُّر المزاج وعدم الاستقرار النفسي، ويستمر في التطور حتى يتمنى الشخص الموت دون اللجوء إلى ذلك، ثم تتفاقم الحالة وصولاً إلى أفكار انتحارية يقاومها المريض بشدَّة، قبل أن يدخل في المرحلة الأخيرة وهي الإقدام على الانتحار فعلياً». ويلاحظ وهاس أنه لا يوجد تنظير علمي كافٍ للإقدام المفاجئ على إنهاء الحياة، دون المرور بمراحل تغيُّر الحالة المزاجية، وهو يربط ذلك بتزايد الضغوط الحياتية بما لا يسمح بـ «التدرج الكلاسيكي»، علاوةً على الاستماع اليومي لأخبار الانتحار عبر وسائل الإعلام مع ضعف الوازع الديني. لكنه يرى أن الميول الانتحارية لا تُعالَج بتقوية الوازع الديني فحسب، «بل ينبغي اشتمال العلاج على جوانب معرفية وسلوكية وتعاطي مضادات اكتئاب»، مشدِّداً على أهمية تنبُّه الأهل لمؤشرات مثل تقلبات المزاج والبكاء دون سبب.
ويشير وهاس إلى بدء السلطات الصحية في الولايات المتحدة في حماية الأصحاء من الاكتئاب، قبل الإصابة به من خلال تطوير مهارات تجنب الإصابة. وتعتقد الدكتور نوال الهوساوي، وهي مستشارة نفسية ومختصة في علاج الإدمان والمشكلات الأسرية، أن موضوع الانتحار لا يحظى بالأهمية ذاتها داخل المملكة «رغم حدوثه بصفة يومية لمواطن أو مقيم، خصوصاً من فئة العمالة المنزلية والسائقين»، داعيةً إلى وضع خطط للتعامل مع هذه الحوادث المتكررة. وترجح الهوساوي ارتباط انتحار مقيمين يعملون كسائقين وعمال منزليين، بسوء المعاملة من قِبَل ربّ الأسرة، وتقول «لو تمت مساءلة الأخير لوجدناه المتسبب في إقدام العامل على إنهاء حياته، ربما لفرض الأول قيوداً على الثاني وإهماله الرعاية والحقوق المالية»، مشيرةً إلى انتحار نزيلة دار رعاية مؤخراً، باعتباره مؤشراً على وصول المشكلة إلى مؤسسات حكومية مكلَّفةً أصلاً بجوانب الرعاية. وترفض الهوساوي ربط كل واقعة انتحار بضعف الوازع الديني، واعتبار الرقية العلاج الوحيد، «لأن الإقدام على إنهاء الحياة مرض نفسي لا يختلف عن نظيره العضوي كالسكري أو السرطان، لذا ينبغي التدخل العلاجي وعدم الاكتفاء بقراءة القرآن، لأن الشرع أمرنا بالأخذ بالأسباب».
و«الانتحار جريمةٌ شرعاً لكن المقدِم عليه لا يُعاقَب بالسجن، لأنه قد يحاول تكرار فعلته داخل مقر احتجازه من خلال شنق نفسه أو إيذائها بأي طريقة أخرى»، بحسب المحامي عبدالرحمن عبداللطيف.
وبدلاً عن ذلك؛ يشدد عبداللطيف على وجوب إيداع المقدِم على إنهاء حياته في المشفى، كإجراء احترازي يحول دون إزهاق روحه بطريقة أو بأخرى.
شرطة الشرقية: أغلب مُحاوِلي الانتحار ذكور أجانب
أفادت شرطة الشرقية بأن أغلب المنتحرين أو محاوِلي الانتحار في المنطقة ذكورٌ أجانب، عازيةً كثيرا من حالات الإقدام على إنهاء الحياة إلى ضعف الوازع الديني وتدني الوعي والتعرض لأمراض نفسية.
وأوضحت شرطة المنطقة لـ «الشرق» أنها تباشر قضايا الانتحار ومحاولة الانتحار أسوةً بالقضايا الجنائية الأخرى عند الكشف والإبلاغ عنها، وذلك من خلال إجراءات الضبط والإثبات الجنائي.
وبعد استيفاء الإجراءات اللازمة في الواقعة؛ يتم إحالتها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام.