العدد 4746 بتاريخ 04-09-2015م تسجيل الدخول


الرئيسيةمحليات
شارك:


الغريفي: «تفجير كرانة» أمرٌ شائن... ومن يمارس هذه الأعمال لا يريد خيراً لهذا الوطن

القفول - محرر الشئون المحلية

الغريفي: لابد أن تعالج أسباب الأزمات معالجة حقيقية

قال السيدعبدالله الغريفي في خطبته مساء أمس الأول (الخميس)، بجامع الإمام الصادق (ع) في القفول: «إنَّ ما حدث في قرية كرانة من تفجير أمرٌ شائن جدًا، ندينُهُ، ونستنكرُهُ، فللأرواحِ والدماءِ حرمتُها، فالاعتداء عليها انتهاك لهذه الحرمة، وتجاوز لأحكام الدِّين والشرع، إنَّ مَنْ يمارس هذه الأعمال لا يريد خيرًا لهذا الوطن، ولا يريد أمنًا لهذا الشعب».

وأضاف أنَّ «الاستنكاراتِ والإدانات لأعمال العنف والإرهاب والتطرُّف مطلوبة وبشدَّة، وتشكِّل ضرورة، إلَّا أنَّ التصدِّي الحقيقي لهذه الأعمالِ الضَّارة بالأوطان أن تعالج أسباب الأزمات معالجة حقيقية، وأن يؤسَّس لمشروعاتٍ قادرة أن تنقذ البلدان من أوضاعها المعقَّدة».

وتحت عنوان «الخطابُ الدِّينيُّ ومقاربةُ الشَّأن السِّياسي»، قال الغريفي: «طرحت في حديث الجمعة الماضية هذا السؤال: هل يحقُّ للخطاب الدِّينيّ أنْ يقاربَ الشأنَ السِّياسي؟، هنا ثلاثة اتجاهات في الإجابةِ عن هذا السؤال: الاتجاه الأول: يحظر حظرًا تامًا على الخطاب الديني أن يقتحم السَّاحةَ السِّياسيةَ وأنْ يُقارِبَ شئونها، وينطلق هذا الاتجاه من أحد منطلقين: الأول: المنطلق السِّياسي البحت، فالسِّياساتُ الحاكمة لها أهدافُها وأغراضُها، وفي سياقِ هذه الأهدافِ والأغراض يأتي إصرارُ الأنظمة على عزل الخطاب الدِّيني عن مساراتِ السِّياسة، ربَّما بدافع الهيمنة على توجيه الخطاب، وربَّما لقناعاتٍ أخرى، ودوافع أخرى، النتيجة أنَّ هذا الحظر هو حظر سياسيٌّ بحت، لا أتحدث هنا عن صحة أو خطأ هذا المنطلق، الثاني: المنطلق الفكري ويعتمد هذا المنطلق مجموعة مبرِّرات: المبرِّرُ الأولُ: إنَّ المساحةَ السِّياسية لا تدخلُ ضمن وظائف الخطاب الدِّيني، هذه الوظائف التي تتمركز حول معالجة الشأن الدِّيني، فيما هي العلاقة بين الإنسان وخالقه، وفيما هي عباداته، وأخلاقه، وشئونه الأسرية والاجتماعية والاقتصادية، وأمَّا الشأنُ السِّياسيّ بكلِّ متغيراته الزمانية والمكانية فهو متروك للعقل البشري المتجدِّد، ولحاجاتِ الإنسان المتطورة، ولا علاقة للدِّين بها، المبرِّرُ الثاني: إنَّ المقارباتِ السِّياسية في حاجةٍ إلى مؤهلاتٍ كفوءةٍ قادرة، وهي مفقودةٌ لدى المتصدِّين للشأنِ الدِّيني، كونهم متخصِّصين في هذا الشأنِ، وأمَّا الشأن السِّياسي فله رجالُهُ، وكفاءاتُه، وقدراته، فكما لا يحقُّ لمن هم خارج التخصُّص الدِّيني أنْ يقتحموا المساحةَ الدِّينية، كذلك لا يحقُّ لمن هم خارج التخصُّص السِّياسي أنْ يقتحموا المساحةَ السِّياسية ويربكوا أوضاعها، ما داموا لا يملكون خبرة هذه السَّاحة، فليتركوا السَّاحة لرجالها، المبرِّر الثالث: إنَّ السَّاحةَ السِّياسيةَ تزدحم بالكثير من التلوثاتِ وبما تحتضنه من ألاعيبَ وأكاذيبَ ودجلٍ ونفاقٍ، وهذا يتنافى مع المكانةِ القدسيةِ لحملةِ الدِّين، هذه المكانة التي تفرض مواصفاتٍ روحيةً وأخلاقيةً تأبى الانزلاق في عالم السِّياسة المملوء بكلِّ الأوباء والمفاسد والمصالح والتناقضات والتجاذبات والخلافات، فمن أجل أنْ يحتفظ علماءُ الفقه وحملةُ الدِّين بنظافتهم وطهرهم ونقائهم يجب أن يبتعدوا عن هذه السَّاحة الملوثة والموبوءة والمشحونة بالمنزلقاتِ الخطيرة، ويجب أن لا يضحُّوا بقيمهم ومثلهم من خلال الولوج في أجواء شديدة التلوث الروحي والأخلاقي».

وأشار إلى أن «هذه المبرِّرات الثلاثة قد تبدو لأول وهلةٍ أنَّها مبرِّرات علمية ومنطقية، إلَّا أنَّها ليست كذلك، وفيها الكثير من المغالطات، ولا تتسع الكلمةُ هنا للتفصيل في المناقشة والمحاسبة، وأكتفي ببعض ملاحظات سريعة: المبرِّر الأول (الشأن السِّياسي خارج وظائف الخطاب الدِّيني)، ونلاحظ عليه: أولًا: إنَّ الدِّين ينتظم كلَّ علاقاتِ الإنسان الفردية والاجتماعية والاقتصادية والسِّياسية، فخطاب الدِّين يجب أن يتسع لكلِّ هذه العلاقات، وإنَّ أيّ محاولةٍ لاجتزاء هذا الخطاب تعبِّر عن فهمٍ مغلوط للدِّين، وتعبِّر عن رؤية تحاول إقصاء الدِّين عن مواقع الحياة، ثانيًا: حينما نتحدَّثُ عن خطابٍ دينيّ يقارب شأنًا سياسيًا لا نريد أنْ نحوِّل المنبرَ الدِّينيَّ إلى أحد متاريس السِّياسة في مواجهاتِها ومعاركِها وصداماتِها وانشغالاتها، ممَّا يجعل الخطاب الدِّينيّ منحازًا عن أهدافه في الدَّعوة والتبليغ، والمناصحةِ والتوجيهِ، وترشيدِ أوضاعِ السَّاحةِ، وملامسةِ قضايا النَّاس وهمومهم، والتعبيرِ عن رؤى الشرع وأحكامِهِ، وعن مفاهيمِ الدِّين، ومبادئِه، وقيمهِ، وأخلاقِهِ، فهذه المساحةُ هي من صميم مسئوليات المنبر الدِّيني، والتخلِّي عنها يشكِّل تخلِّيًا عن الوظيفة الشرعية والتكليف الإلهي، فحينما نتحدَّث عن مساحة المسئوليات فهي تتسع باتساع مساحة الدِّين، وامتداداته، إلَّا أنَّ الخطابَ في تعاطيهِ مع هذه المساحةِ، وهذه الامتداداتِ يجب أنْ تحكمه شروطٌ موضوعية، وإلَّا وقع الخطابُ الدِّيني في منزلقاتٍ خطيرة».

وأضاف «أمام الخطاب محذوران صعبان: المحذور الأول: التفريط في المسئوليات كما حدَّدها الدِّين، وكما هي مساحاتُه الروحية والأخلاقية والعقيدية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، المحذور الثاني: الإفراط في تجاوز الشروط الموضوعية، والتي تعطي للمسئولياتِ مساراتها كمًا وكيفًا، فالمحذور الأول أنتج خطابًا دينيًا مُتقاعسًا، مُتخاذلًا، مُفرطًا، صمتَ حيث يجبُ النطقُ، وضعُفَ حيثُ تجبُ الشجاعةُ، وهربَ حيثُ يجبُ الثباتُ، وداهَنَ حيث تجبُ المصارحة، وساوَمَ حيث تجبُ المكاشفة، والمحذور الثاني أنتج خطابًا دينيًّا منفعلًا متشدِّدًا مرتبكًا مرتجلًا مفرطًا خاسرًا منزلقًا».

وخلص الغريفي إلى أنَّ «تعاطي الخطاب الدِّيني مع الشَّأن السِّياسي -إذا كان وفق الضوابط- هو من صميم مسئولياتِه، وسَمِّ هذا التعاطي ما شئتَ؛ سمِّه دينيًا، سياسيًا، ثقافيًا، حقوقيًا، وإذا كانت التسمية هي المشكلة، فلنعطها أي اسم إلَّا السياسة ما دام هذا العنوان ينتج حساسيةً مفرطةً، المهم أنْ يبقى الخطاب الدِّنيي يمارسُ مسئولياتِه كما حدَّدها التكليف الشرعي، رغم أن عنوان (التكليف الشرعي) باتَ يشكِّل عقدةً لدى البعض».



أضف تعليق