السلطات المغربية تعترف بجمعية حقوقية صحراوية
هيومن رايتس ووتش
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "لقد اتخذ المغرب خطوة إيجابية عبر الاعتراف بجمعية تنتقد انتهاكات الحكومة لحقوق الصحراويين. وعلى الحكومة المغربية الآن أن تنهي القيود التعسفية والسياسية على هذه الجمعية وعلى جميع الجمعيات غير الحكومية".
يسيطر المغرب على الصحراء الغربية منذ 1975، رغم أن المجتمع الدولي لا يعترف بضمه لها.
وكان انتهاك الحق في تكوين الجمعيات شكلا من أشكال القمع الذي يستهدف نشطاء يُعتبرون مؤيدين لتقرير مصير أو استقلال الإقليم. كما يشمل نمط القمع هذا حظرا منهجيا للاحتجاجات في الأماكن العمومية.
سُجن العديد من الصحراويين الذين يؤيدون حق تقرير المصير في السنوات الأخيرة بتهم جنائية بعد محاكمات غير عادلة، من بينهم عضوا الجمعية الصحراوية أحمد سباعي، الذي يقضي حكما بالسجن مدى الحياة، ومحمد التهليل، الذي يقضي حكما بـ 25 عاما في السجن.
يشترط قانون الجمعيات المغربي تسجيل أية جمعية جديدة، ولكن بدون شرط الحصول على الموافقة الرسمية للعمل.
يجب على المؤسسين تقديم وثائق عن أهداف الجمعية وأعضاء مكتبها وغيرها من المعلومات إلى السلطات المحلية، التي تصدر فورا وصل إيداع مؤقت.
وللسلطات 60 يوما لتقديم اعتراض بناء على المعايير المنصوص عليها في القانون. إذا لم يكن هناك أي اعتراض، يمكن للجمعية العمل بشكل قانونى، سواء حصلت على وصل الإيداع النهائي أم لا.
تمنع تلك المعايير أي جمعية تهدف إلى "المس بالدين الإسلامي، أو وحدة التراب الوطني، أو النظام الملكي، أو التي تدعو إلى التمييز". وتُفهم عبارة "المس بوحدة التراب الوطني" على أنها تشير لمعارضة مطالب المغرب بالصحراء الغربية.
في الممارسة، كثيرا ما تستخدم السلطات المغربية الحيل الإدارية لمنع تسجيل جمعيات لا تروقها أهدافها أو خطط عملها أو قياداتها، بما فيها جمعيات كثيرة لا صلة لها بالصحراء الغربية. فطيلة سنوات، حُرم العشرات، إن لم يكن المئات، من الجمعيات تعسفا من التسجيل.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على المغرب أن يحذف القيود من قانون الجمعيات لأنها تنتهك التزامات المغرب بموجب القانون الدولي لحقوق الانسان.
وتنص المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صدق عليه المغرب، على أنه "لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة "الحق في حرية تكوين الجمعيات" إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم".
وتتمثل المناورة الإدارية الأكثر شيوعا في منع تسجيل جمعية، برفض مسؤول محلي تسلم الوثائق التأسيسية لجمعية جديدة، أو تسلمها مع رفض إصدار وصل إيداع، رغم أن القانون لا يعطي للموظف هذه الصلاحية.
كما يحدث هذا عندما تقوم جمعية مسجلة بإخطار السلطات، امتثالا للقانون، بتغييرات في مكتبها التنفيذي أو قانونها الأساسي.
تعمل الجمعيات التي لم يتم تسجيلها في فراغ قانوني وتحت مجموعة من القيود. حيث لا يمكنها رفع دعاوى قضائية، أو تنظيم تجمعات عمومية بشكل قانوني، وتواجه عقبات في استئجار مقرات، وفتح حساب مصرفي، والمشاركة في الأنشطة التي ترعاها الحكومة.
ومن بين الجمعيات المتضررة، هناك جمعيات تدافع عن حقوق الصحراويين، والأمازيغ (البربر)، وعشرات الجمعيات المدنية التي يرأسها أعضاء من جماعة العدل و الإحسان، وهي أكبر حركة إسلامية معارضة في البلد.
وتفيد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن المسؤولين في 14 بلدة ومدينة قد رفضوا استلام الوثائف التي قدمتها فروع الجمعية. إن انتشار هذا الرفض، والتشابه بين ممارسات موظفي الإدارات المحلية عبر البلاد، يشيران إلى أن هذه الممارسات صادرة عن سياسة رفيعة المصدر لإضعاف جمعيات ترى السلطات أنها غير مرغوب فيها أو مشتبه بها.
الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي مقرها العيون، والتي أسسها سجناء سياسيون سابقون وضحايا للاختفاء القسري، هي جمعية لمراقبة حقوق الإنسان. عندما قدمت لأول مرة وثائقها التأسيسية في مايو/أيار 2005، رفض "الباشا"، وهو مسؤول محلي تابع لوزارة الداخلية، تسلمها، مما دفع الجمعية إلى رفع دعوى أمام المحكمة الإدارية فى مدينة أكادير.
في سبتمبر/أيلول 2006، قررت المحكمة أن الباشا قد تجاوز صلاحياته القانونية برفضه تسلم ملف الجمعية الصحراوية. استأنف الباشا القرار واستمر في رفض تسليم الوثائق. وتم رفض استئنافه فى ديسمبر/كانون الأول 2008 على أساس أنه جاء خارج الآجال القانونية.
وعلى الرغم من حكم المحكمة النهائي فقد استمرت الإدارة في رفض منح الجمعية الصحراوية وصل إيداع، وأوضحت أن التوجه السياسي المتصور للجمعية هو السبب. على سبيل المثال، في 2007، قال الوالي آنذاك لجهة العيون بوجدور الساقية الحمراء، محمد الضريف، لـ هيومن رايتس ووتش: "المشكلة هي أن قانونها الأساسي لا يحترم دستور المغرب ... يجب عليهم أولا التخلي عن خط جبهة البوليساريو"، في إشارة إلى حركة تحرير الصحراء الغربية.
ولكن في 10 مارس/آذار 2015، هاتف باشا مدينة العيون إبراهيم دحان، رئيس الجمعية الصحراوية، ليخبره أن وصل الإيداع المؤقت جاهز.
وفي نفس الوقت أعلنت السلطات أن 11 جمعية أخرى، بما فيها جمعية صحراوية أقل شهرة تدعى جمعية الغد لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية، سوف تحصل على وصل الإيداع.
ولكن دحان كان خارج الصحراء الغربية في ذلك الوقت وانتهى به الأمر في الخارج للعلاج. ولم تتسلم الجمعية الصحراوية وصل الإيداع المؤقت إلا في 22 يونيو/حزيران.
وإلى حدود 21 أغسطس/آب، انقضت فترة الـ 60 يوما لاعتراض الحكومة ولم تتوصل الجمعية الصحراوية بأي إخطار عن أي اعتراض، وبالتالي من المفترض أن تكون الآن مسجلة نهائيا.
وقالت هيومن رايتس ووتش، ينبغي على السلطات الآن إصدار وصل الإيداع النهائي للجمعية كما هو منصوص عليه في الفصل 5 من القانون. رغم أن الوصل النهائي ليس ضروريا لكي تصبح الجمعية مسجلة قانونا، لكن عدم التوفر عليه يخلق عمليا عوائق للجمعية عند تعاملها مع المسؤولين والقطاع الخاص.
وفي نفس الفترة، منعت السلطات عددا من المنظمات التي مقرها في الصحراء الغربية من التسجيل، بما فيها الرابطة الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان وحماية الثروات الطبيعية، وفرع السمارة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وفرع العيون للهيأة المغربية لحقوق الإنسان.
وعلى حد معرفة هيومن رايتس ووتش، فإن المسؤولين المغاربة لم يفسروا علنا التغيير في سياستهم تجاه الجمعية الصحراوية. ومع ذلك قال مسؤولو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو هيأة تابعة للدولة تقدم تقاريرها للملك، (قالوا) لـ هيومن رايتس ووتش إنهم طالبوا السلطات بتسجيل الجمعيات التي احترمت الإجراءات القانونية. بالإضافة إلى ذلك، حث بعض حلفاء البلد، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، المغرب على تسجيل منظمات حقوق الإنسان في العيون.
قالت سارة ليا ويتسن: "كسر المغرب طابوها قديما عبر الاعتراف قانونا بجمعية يشير اسمها إلى انتهاكات جسيمة ارتكبتها الدولة المغربية بحق الصحراويين. لكن الدليل على التغيير هو ما إذا كانت هذه الجمعية - وعشرات الجمعيات التي لا تزال في فراغ قانوني ستتمتع بحرية أكبر في مواصلة أنشطتها السلمية دون قيود".