الغريفي: لا يملك ولاءً صادقاً للأوطان من لا يريد لها أن تتجاوز أزمتها
القفول - محرر الشئون المحلية
قال السيدعبدالله الغريفي - خلال كلمة له عقب صلاة العشاءين بجامع الإمام الصادق (ع) في القفول مساء أمس الأول (الخميس)، «لا يملك ولاءً صادقاً للأوطان من لا يريد لها أن تتجاوز أزمتها، فالإخلاص كل الإخلاص للأوطان أن نخلصها من كل أوضاعها السيئة والمتأزمة، والفاسدة، هذا هو معيار الولاء والحب والإخلاص، وهذا هو معيار الرشد والقدرة والنجاح».
وتحت عنوان «خيارات الأنظمة وإرادات الشعوب»، تساءل الغريفي «ماذا نعني بخيارات الأنظمة؟ ما تتبناه الأنظمة من سياسات على كل المستويات، بغض النظر عن صحة أو خطأ هذه السياسات. ماذا نعني بإرادات الشعوب؟ ما تتبناه الشعوب من مطالب على كل المستويات، بغض النظر عن صحة أو خطأ هذه المطالب، وحينما تتقابل خيارات الأنظمة - يعني سياسات الأنظمة - مع إرادات الشعوب - يعني مطالب الشعوب - تتشكل عدة حالات أو عدة صيغ للعلاقة بين الأنظمة والشعوب، الصيغة الأولى أن تكون خيارات الأنظمة - سياساتها - عادلةً وصحيحة، وأن تكون إرادات الشعوب - مطالبها - عادلةً وصحيحة، وهنا تتوافق خيارات الأنظمة مع إرادات الشعوب، وهي الصيغة الأمثل، ومن خلالها يتوفر للأوطان الأمن والأمان والإستقرار، وتتشكل العلاقات السليمة بين الأنظمة والشعوب، فلا سياسات تصادر مطالب الشعوب وإراداتها، ولا إرادات ومطالب شعوب تواجه سياسات وخيارات الأنظمة».
وأضاف «ربما يقال إن هذه الصيغة تمثل نموذجاً مثالياً خيالياً طوبائياً يصعب أن يتشكل في الواقع الخارجي، نعم على مستوى الأمنيات والرغبات والطموحات يمكن أن نتحدث عن توافقات كاملة بين أنظمة وشعوب، ولكن على مستوى الواقع فهذا أمرٌ عسيرٌ إن لم يكن مستحيلاً، هذه المقولة تستمد مبرراتها من خلال سياقات تاريخية، ومنتجات موضوعية، إلا أن هذه المبررات رغم وجاهتها فإنها لا يصح أن تشكل معوقات في طريق إنتاج التوافقات النموذجية بين الأنظمة العادلة والشعوب المحقة، مادامت المعايير الموضوعية لصلاح الأوطان موجودةً، وبالإمكان أن تتوافق الأنظمة والشعوب عليها متى ما خلصت النوايا وتوفر الرشد وتآزرت الجهود».
وبخصوص الصيغة الثانية، ذكر الغريفي أنها تتمثل في «أن تتناقض خيارات الأنظمة مع إرادات الشعوب تناقضاً كاملاً، أي تتنافى سياسات الأنظمة مع مطالب الشعوب، وهذه الصيغة هي الأسوأ في العلاقات، وهي تؤزم أوضاع الأوطان وأمنها، واستقرارها، وهنا يطرح هذا السؤال: من الذي يتحمل مسئولية هذا التأزيم، الأنظمة أم الشعوب؟ إذا فرض أن مطالب الشعوب محقةٌ، وأن سياسات الأنظمة غير عادلة، فإن الأنظمة هي التي تتحمل كل المسئولية في هذا التأزيم، وإذا كان العكس، فالشعوب هي التي تتحمل كل المسئولية، إلا أنه وفق السياقات المنطقية، لا يمكن أن نتصور أن تكون سياسات الأنظمة عادلةً وصالحةً ومنصفةً وتبقى الشعوب رافضةً، إلا أن تكون هذه الشعوب فاقدةً لكل الرشد، أو تكون منسلخةً كل الانسلاخ عن انتمائها الوطني، أما العكس فواردٌ جداً، كما تؤكد الشواهد التاريخية والحاضرة، فمن الممكن جداً أن تكون مطالب الشعوب عادلةً ومحقةً ومنصفةً، وتبقى الأنظمة رافضةً ومصرةً على مواقفها وسياساتها المنافية لإرادات الشعوب».
أما الصيغة الثالثة، فأوضح الغريفي أنها تقضي بأن «تتوافق خيارات الأنظمة مع إرادات الشعوب في مساحات وتتناقض معها في مساحات أخرى، فإن كانت مساحات الاتفاق أكبر، فمعالجة الموقف أسهل، وإن كانت مساحات التناقض أكبر، فالمعالجة أصعب وأكثر تعقيداً، وهنا حيث يستحكم التناقض والاختلاف بين خيارات الأنظمة وإرادات الشعوب تتشكل عدة مواقف، الموقف الأول: أن تمارس الأنظمة نهجاً متشدداً ضد الشعوب، وأن تمارس الشعوب الموقف نفسه، وهكذا تبقى الأوضاع مأزومةً، ومتوترةً، ومرتبكةً ورغم أن الأنظمة هي التي تملك كل أدوات القوة فإن الشعوب تبقى غاضبةً رافضةً، الموقف الثاني: أن تجنح الأنظمة إلى اعتماد كل أدوات التشدد والقسوة، وتنزع الشعوب إلى الصبر والتحمل، وهنا تبقى الشعوب تختزن في داخالها الغضب والرفض، والاستعداد للمطالبة بالحقوق، ما يجعل الأوضاع في حالات من التوتر الدائم، والترشح للانفجار والتأزم، ونادراً ما يحدث العكس أن تمارس الأنظمة اللين والتسامح، وتجنح الشعوب نحو التشدد والقسوة، الموقف الثالث: أن تتفق الأنظمة والشعوب على معالجة مساحات الاختلاف بالأساليب الجادة والقادرة على إنقاذ الأوطان من المآزق والأزمات، وهذا هو النهج الأسلم والأصلح، حيث تتطابق خيارات الأنظمة مع إرادات الشعوب في العمل المشترك من أجل تحقيق العدالة الحقة، والمساوة، والحرية، والكرامة، والأمن، والوحدة، والتلاحم، والمحبة، والتسامح والخير، والازدهار، وهكذا تبقى الشعوب تمارس إرادتها، وحضورها، وكل حقوقها، وتبقى الأنظمة محتفظةً بهيبتها، وقوتها، وسلطتها وكل صلاحياتها، وماعدا ذلك فكل الرهانات صعبةٌ ومكلفةٌ، فبقاء المساحات المتنافية بلا حل واستمرار الاختلاف قد يقود العلاقات إلى مرحلة المفاصلة، وهي مرحلةٌ في غاية الخطورة والصعوبة، وتدفع نحو الاستنفارات المتضادة وكم هي كلفة ذلك على الأوطان، وكم هي الأثمان باهظة ومرهقة، فالخير كل الخير أن تعالج الأوضاع المأزومة بكل صدقية، وإنصاف، ومحبة، وتسامح، وتعاون، وتآزر».
وذكر الغريفي «لا يملك ولاءً صادقاً للأوطان من لا يريد لها أن تتجاوز أزمتها، فالإخلاص كل الإخلاص للأوطان أن نخلصها من كل أوضاعها السيئة والمتأزمة، والفاسدة، هذا هو معيار الولاء والحب والإخلاص وهذا هو معيار الرشد والقدرة والنجاح».
وختم الغريفي حديثه بالقول إن توقيف الشيخ حسين عيسى «يشكل دافعاً في اتجاه التأزيم والتصعيد، ما يضر بمصلحة هذا الوطن وأمنه واستقراره في مرحلة تحمل الكثير من التعقيدات والتحديات، وتفرض مزيداً من التلاحم والانصهار في البحث عن حلول جادة لمعالجة كل الأزمات التي تحاصر أوضاع المنطقة، إننا نعبر عن القلق الشديد لهذا الاعتقال، ونطالب بإطلاق سراح سماحة الشيخ، وبمعالجة قضايا المعتقلين والسجناء بما يخدم مصالح هذا الوطن وتطلعات أبنائه».