في ذكراها الثانية: هل أخطأ الإخوان في رابعة؟
الوسط - المحرر السياسي
قال تقرير نشره موقع الـ "بي بي سي" إن الصراع بات يتنامى بين جيلي الشيوخ والشباب داخل جماعة الإخوان المسلمين في الشهور الأخيرة، إذ زادت الاتهامات بالتحريض وفشل الإدارة وغياب الرؤية ضد قادة ومديري الاعتصام الذي دام لشهر ونصف قبل أن تفضه قوات الأمن المصرية بالقوة.
ومع حلول الذكرى الثانية لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في مصر لاتزال المطالبات تتواصل بضرورة محاسبة المسئولين عما وصفته منظمات حقوقية دولية بـ "القتل الجماعي" للمعتصمين.
من بين الشباب الذين شاركوا في اعتصام رابعة وتعرضوا للتعقب من قبل أجهزة الأمن، شاب يدعى أحمد ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
ويرى أحمد أنه كان الممكن تفادي النهاية المأساوية لاعتصامي رابعة والنهضة لو كانت هناك "رؤية واضحة لدى قادة الاعتصام".
وقال أحمد إن "هناك أخطاء ارتكبها قادة الاعتصام.. أخطاء كبيرة.. كانت هناك أسئلة عديدة على لسان ثوار كثيرين في الميدان ولم تكن لها اجابات... منها ماذا بعد الاعتصام؟".
وأوضح أحمد قائلا "ربما لو سلك قادة الاعتصام مسلك التفاوض.. أو قبل الرئيس مرسي بالاستفتاء على استمراره في السلطة كما كان مقترحا..لتبدل الوضع".
لا يزال أحمد مختفيا عن الأنظار فهو يقول إن "قوات الأمن لا تزال تطارده بعد اعتقاله عدة مرات لاستمرار مشاركته في تظاهرات جماعة الإخوان متعللا بأن له أصدقاء كثيرين لا يزالون في الحبس للسبب ذاته وهو بذلك يؤازرهم".
"مأساة رابعة مزدوجة"
في حي "شعبي" مزدحم بمدينة الاسكندرية الساحلية المصرية، وفي إحدى الشقق الصغيرة ببناية سكنية متعددة الطوابق، يمارس الطبيب ناجح ابراهيم، أحد القيادات السابقة البارزة بالجماعة الإسلامية في مصر، عمله إلى جانب تأليفه لعدد من الكتب في الشأن الإسلامي وغيره.
وكانت تلك الجماعة قد حملت السلاح ضد الدولة في تسعينيات القرن الماضي قبل أن تعلن عن مراجعات في موقفها لصالح السلمية وتجنح نحو العمل السياسي.
ويحمل إبراهيم بشدة على قيادات "منصة" اعتصام رابعة قائلا إن "خطابها كان حربيا، تكفيريا، استعلائيا، ينفر ولا يبشر وفيه استدعاء للبلاء والحرب دون قدرة عليها، وخلط بين المقدس والدنيوي... وكأن الناس في غزوة او معركة حربية من أجل الدين".
ويضيف إبراهيم، الذي قضى سنوات طويلة من عمره خلف القضبان كسجين جنائي وسياسي، إن هذا الخطاب "ما كان ليليق بأكبر جماعة إسلامية في العالم العربي".
وانتقد ما اعتبره تسامحا من قبل قادة الاعتصام مع "وجود سلاح مع مجموعات بعينها على أطراف الاعتصام، ربما كان بعض القيادات الأخرى لا تعلم عنه شيئا".
ولام عليهم أيضا "المبالغة في الآمال والطموحات التي لا تضع الواقع أو موازين القوى على الأرض في الاعتبار..ودعوة النساء والاطفال إلى اعتصام احتمالات الصدام فيه معروفة... إضافة إلى التحالف مع جماعات تكفيرية وجماعات مسلحة".
وحمّل إبراهيم في الوقت نفسه السلطات المصرية، التي فضت اعتصام رابعة، مسؤولية سقوط العديد الكبير من الضحايا.
وقال إن الفض " لم يكن رحيما ولا حكيما ولا تدريجيا واستخدمت فيه القوة المفرطة...كما أن الدولة مسؤولة عن سلامة أبنائها جميعا حتى لو كانوا مخالفين لها فكريا او سياسيا وعليها أن تلتزم بالقانون تجاهم".
"أخطاء لا تبرر القتل"
وأقر طارق الزمر رئيس حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية في مصر وأحد قادة الجماعة البارزين، بوقوع أخطاء على منصبة رابعة.
وقال الزمر الذي يقيم بالعاصمة القطرية الدوحة هربا من ملاحقة السلطات المصرية " لاشك أن تعدد الخطاب وتعدد القادة وكثرة التيارات على هذه المنصة جعلت بعض الخطابات تنحو إلى ما يفهم على أنه تحريض".
وأضاف الزمر العضو بما يسمى "تحالف دعم الشرعية" الذي نشأ في ميدان رابعة في الأيام الأولى للاعتصام "ربما كان أفضل لو ركز (الخطاب) على الضغط على مفاصل السلطة الحاكمة" مضيفا أنه كان "من المفترض أن يوجه الخطاب ليس فقط للسلطة في مصر ولكن للعالم أجمع باعتبار أن المنصة كانت مسموعة ومرئية عالميا".
لكن الزمر الذي يحاكم غيابيا في مصر قال إنه حتى "لو افترضنا أن هناك تحريضا فهذا لا يبرر القتل وإقدام السلطات على هذه الخطوة كان خطأ فادحا".
وأضاف قائلا "من يرتكب هذه الجريمة لايقدر دولة القانون... القرار بالفض هو تواطئ مع مراكز قرار أخرى وتطمينا لقوى اقليمية كانت تريد إنهاء هذا الحراك".
"غياب الرؤية وتفويت الفرصة"
هيثم أبو خليل ناشط حقوقي وكان عضوا بارزا في جماعة الاخوان المسلمين لمدة 22 عاما قبل أن يتركها منذ 4 سنوات.
يقول أبو خليل إن "خطاب منصة رابعة كان منكفئا على ذاته، يخاطب فقط انصار الرئيس مرسي... دون أن يتحدث عن تجربة ديمقراطية تم اجهاضها أو يحاول استقطاب اطراف اخرى من المصريين بخلاف مؤيدي الرئيس".
وأضاف أبو خليل، المتعاطف مع الجماعة رغم انتقاداته لأدائها، أن "التنوع على منصة رابعة ثبت بالتجربة أنه كان غير واقعي كما ضم وجوها لم تكن محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين سابقا ولم تكن تؤمن بالعمل السياسي من الأساس".
لكن أبو خليل، الذي يعيش الآن في تركيا، شأنه شأن الزمر وكذلك ناجي إبراهيم يؤكد أن كل هذه الأخطاء لا تبرر القتل كما لا يبرره هو شخصيا.
ويستنكر أبو خليل أن يكون وجود السلاح في اعتصام رابعة مبررا لفضه بالقوة مشيرا إلى أن الداخلية المصرية "أعلنت رسميا أنها لم تعثر سوى على 37 قطعة سلاح بعد فض الاعتصام".
وقال "جماعة كجماعة الاخوان اذا أرادت ان تحمل فعلا سلاحا في اعتصام تم حرقه وفضه بهذه الطريقة لكان المئات سقطوا من الشرطة."
"إدارة لم تكن فاشلة"
أما جمال عبد الستار العضو البارز بجماعة الإخوان المسلمين الموجود في تركيا فيرفض القول إن إدارة الاعتصام وقعت في أخطاء.
وأوضح عبد الستار المطلوب قضائيا في مصر "كانت هناك إدارة متميزة، لو أننا فشلنا لخرجت هذه الحشود وأحدثت دمارا في مصر، ولحدثت اغتصابات واعتداءات أو تم الاعتداء على مؤسسات أو حقوق الناس...وهذا لم يحدث ودل ذلك على ان الادارة كانت منضبطة كما الثوار".
وتزامنا مع الذكرى الثانية لفض اعتصامي رابعة والنهضة، دعا تحالف دعم الشرعية، المحظور في مصر وتقوده جماعة الاخوان المسلمين، أنصاره إلى الخروج في مسيرات تحت شعار "رابعة..الأرض لا تشرب الدم".
وتوعدت السلطات المصرية بمواجهة صارمة وحاسمة مع أي خروج على القانون والنظام لاسيما قانون التظاهر في تلك المناسبة واتخذت لذلك إجراءات أمنية مشددة.
وكانت السلطات المصرية فضت بالقوة، بعد تحذيرات، اعتصامي أنصار ومؤيدي الجماعة في محيط مسجد رابعة العدوية وكذا أمام جامعة القاهرة بالعاصمة المصرية في الرابع عشر من اغسطس/ آب عام 2013 وبعد شهر ونصف الشهر من بدأ الاعتصام.
وقدرت منظمات حقوقية دولية عدد القتلى في عملية الفض بما يزيد على ألف شخص بينما قدرت لجنة تحقيق مصرية عدد القتلى بزهاء ستمائة شخص ومئات المصابين.
واعتبرت الحكومة والقضاء في مصر جماعة الإخوان المسلمين "تنظيما إرهابيا" وصادرت ممتلكاتها واعتقلت الكثيرين من قياداتها وتحاكم آخرين من بينهم الرئيس المعزول محمد مرسي احد رموز الجماعة.
كما تتهم السلطات الجماعة بالضلوع في أعمال عنف ضد مؤسسات الدولة ومرافق عامة واعتداءات على أفراد من الجيش والشرطة والقضاء، وهو ما تنفيه الجماعة.
واتخذت الحكومة المصرية قرارا بتغيير اسم ميدان رابعة إلى ميدان المستشار هشام بركات النائب العام المصري الذي قتل في تفجير سيارة مفخخة منذ نحو شهر ونصف.