الغريفي: مطالب الشعب العادلة لا يجوز المساومة عليها وخياراته السّلمية لا يجوزُ التفريط فيها
القفول - محرر الشئون المحلية
أكد السيد عبدالله الغريفي في خطبته بجامع الإمام الصادق (ع) في القفول مساء الخميس الماضي، على أن «مطالبَ الشعبِ العادلةَ لا يجوز المساومةُ عليها وأنّ حقوقَهُ المشروعةَ لا يجوز التنازلُ عنها، وأنّ خياراتِهِ السّلميةَ لا يجوزُ التفريطُ فيها، وأنّ وحدةَ مكوّناتِهِ لا يجوز العبثُ بها».
وتحت عنوان «لا نُريدُ لهذا الوطنِ أنْ يبقى مأزومًا»، بدأ الغريفي حديثه بالقول: «قبل أنْ أُقارِبَ هذا العنوانَ أودُّ أنْ أُمَهِدَّ ببعض كلمات، ما أتمناهُ على كلِّ مَنْ يسمعُ حديثي أو يقرأهُ أنْ لا يستعجل الفهمَ، فرُبّما أوقعهُ هذا الإستعجالُ في التباساتٍ خاطئةٍ، كما أتمنى على مَنْ فهِم الحديثَ جيداً، واخلتف مَعهُ أن يحترم الرأي الأخر، وله كلُّ الحقِّ أنْ يُناقِشَ، ويُحاسِبَ، وينتقدَ، ويرفضَ، ولكن ليس مِن حقّهِ أنْ يمارسَ قذفًا، وسبًّاً، وإتهاماً، وإساءةً، هكذا أدبّنا اسلامُنا ودينُنا وقرآنُنا حتى مع الذيّن نختلف معهم عقيديًا ودينياً».
وأضاف «إننيّ لا أضيقُ بأيّ نقدٍ أو محاسبةٍ، فلا أدّعي لنفسي العصمةَ، فرُبّما أصبتُ، وربّما أخطأتُ، فإنّ أصبتُ فبتوفيقِهِ تعالى وتسديده وإنْ أخطأتُ فبسوء فهمي وتقديري، وأؤكّد هنا أننّي فيما أطرحُ أُحاولُ أنْ اعتمد منطلقين، الأول: القناعة الشرعية، والثاني: الرؤية الموضوعية، وليس بالضرورة أننيّ أصيبُ في هذين المنطلقين، فالحاجةُ ماسةٌُ لي ولغيري أنْ يستشيرَ ويسترشدَ بمن يثق بدينِهِ وببصيرتِهِ، خصوصاً في القضايا التي تمثلُ شأناً عاماً لكلّ النّاسِ، وليست شأناً خاصاً».
وفي معرض حديثه، قال الغريفي: «ما أحوَجَ المرحلةَ بكلّ تحدّياتِِها الصعبة ومُنزلقاتِها الخطيرة إلى أنْ تتقاربَ الرؤى لمعالجةِ الأوضاعِ المأزومةِ، بعيدًا عن الإنفعالاتِ، والتجاذُباتِ، والصراعاتِ، قد لا تتوحّدُ القناعاتُ، ولكنَّ المطلوبَ أنْ لا تتصادم، وأنْ لا تتحارب، لأن التحديات لا تسمح بهذه التجاذباتِ المدمرّة والمربكة، وأكررُ أنَّ اختلاف الرؤى أمرٌ مشروعٌ، مادام هذا الإختلافُ محكومًا لعقلٍ ورشدٍ وتقوى، وليس إلى غبشٍ، وطيشٍ، ونزقٍ، وعصبيةٍ، وهوى، علمّنا اسلامُنا أن نقول الأحسنَ حينما نُجادل مَنْ يختلفُ معنا عقيديًا أو ثقافيًا أو سياسيًا».
وتساءل الغريفي «مِن أينَ يبدأ الحلُّ لإنقاذِ الوطنِ من أزماتِهِ؟، هلْ يبدأُ الحلُّ أمنياً؟، هلْ يبدأُ حقوقياً؟، هلْ يبدأُ سياسياً؟، وقبل الإجابة عن هذا السؤالِ نوكّد على أنَّ الأمنَ ضرورةٌ للأوطانِ، وأنّ الحقوقَ أساسُ التعايش في داخل الأوطانِ، وأنّ السّياسةَ الصّالحة هي عنوانُ الخلاصِ للأوطان، وحينما نتحدّثُ عن أمنِ الأوطانِ نتحدثُ عن أمنِِ الناسِ كُلِّ الناسِ، أمنِ الأرواح والأعراضِ والأموالِ، أمنٍ يتناغمُ مع منظومةٍ حقوقيةٍ عادلةٍ، ومع مساراتٍ سياسيةٍ صالحة، وحينما نتحدثُ عن مسارٍ حقوقي نتحدّث عن تشريعاتٍ توفّر الحريةَ والكرامةَ وتحترم الإنسان، نتحدّث عن تشريعاتٍ أقرّتها المواثيقُ الدولية وكلُّ الدساتير والقوانين العادِلة، وحينما نتحدث عن مسارٍ سياسيّ نتحدّث عن مشروعاتٍ ناجحةٍ قادرةٍ على إنقاذِ الأوطانِ من الأزماتِ والتوتراتِ والإحتقاناتِ، وتعبّر عن إراداتِ الشعوب وخياراتِها».
وأضاف الغريفي «للإجابة عن السؤالِ المطروحِ: من أينَ يبدأ الحلّ؟ هنا ثلاثةُ اتجاهات: الاتجاه الأولُ: يُؤكّد أنّ الحلَّ يجبُ أنْ يبدأ أمنياً بالمبرّرِ أنّ ترسيمَ الحقوق، وتحريكَ المشروع السّياسي في حاجةٍ إلى بيئةٍ أمنيةٍ مستقرةٍ، وتتبنّى هذا الإتجاه – في الغالب – أنظمة الحكم، وضمن المعاييرِ الأمنيةِ التي تهندسُها هذه الأنظمة. الإتجاهُ الثاني: يُؤكّد أنّ الحلَّ يجبُ أنْ يبدأ حقوقياً، فمن خلال التأسيسِ الحقوقيّ العادلِ يترسّخُ الأمن وينجح المشروع السّياسي، ويبتنّى هذا الإتجاه – في الغالب – ناشطون حقوقيون، الإتجاه الثالث: يُؤكّد أنّ الحلَّ يجبُ أنْ يبدأ سياسيًا، فغيابُ المشروعِ السّياسيّ الصَّالحِ يُربكُ الأوضاعَ الحقوقية، ويدفعُ نحو التأزماتِ الأمنية، وهذا الإتجاه يتبنّاه – في الغالب – ناشطونَ سياسيون، وهو إتجاه له صدقيةٌ واقعيةٌ، فلا يُحصنُّ أمنَ الأوطانِ، ولا يسيّجُ حقوقَ الشعوب إلاّ المشروعات السّياسية الحقيقية التي تعبّرُ عن إراداتِ الشعوب، وعن خياراتِها الصالحة، وهذا لا يلغي ضرور أنْ تتزاوجَ المساراتُ السياسيةُ والأمنيةُ والحقوقيةُ لإنتاجِ الحلولِ الحقيقيةِ القادرةِ على إنقاذ الأوطانِ من أزمتِها المزمنةِ، ومن أوضاعِها المحتقنة، ولا بدَّ من التفاهم في البحث عن الحلولِ لأزماتِ الأوطان والتفاهم لا يعني لقاءاتٍ شكليةً استهلاكيةً، هناك شروطٌ موضوعية، وهناك مناخات سليمة يجب أنْ تتوفّر».
وتابع الغريفي «ربّما تتجهُ بعضُ القناعات إلى أنّ حديثَ الحوارِ والتفاهم هو حديثُ وَهْمٍ وخرافة، ويُمثلُّ ضعفاً وانكساراً، فإدمانُ الكلامِ فيه هو استهلاكٌ لمشاعرِ النّاس، وتخديرٌ لإراداتِهم، وإضاعةٌ للوقتِ بلا جَدْوى، وإعطاءُ الفرصةِ لمشروعاتِ الهيمنةِ أنْ تستحكم، ما الذي أعَطى لهذهِ القناعاتِ بعضَ مبّرراتها؟، لعلَّ الكثيرَ من سياساتِ التعاطي مع إراداتِ الشعوب، وخياراتِها، ورغباتِها الجادّةِ في البحثِ عن الحلول هو الذي وفرَّ الفرصةَ لتحرك هذه القناعاتِ الرافضة، وهذا يفرضُ على الأنظمةِ أنْ تُعيدَ إنتاجِ الصّياغاتِ والمناخات السَّليمة في التعاطي مع إراداتِ الشعوبِ وخياراتِها، وكلمّا كانتْ المساراتُ جادّةً وصادقةً في إتجاهِ المشروعاتِ السّياسيةِ الصّالحةِ فهي القادرة على معالجةِ كلِّ الإشكالاتِ، وتجاوز كلِّ المعوّقات، وتغيير كلِّ القناعاتِ الرافضة».