الجزيرة العربية كانت جنة خضراء من الغابات
الوسط - محرر المنوعات
عندما يفكّر أكثرنا في الجزيرة العربية؛ فإن أول ما يخطر ببالنا: الكثبان الرملية، والشمس الملتهبة، ونُدرة المياه؛ لكن في الماضي القريب كانت الجزيرة العربية مروجاً خضراء، وغابات تُروى بأمطار غزيرة.. ولعل هذا الاكتشاف يساعد على معرفة متى وكيف غادر البشر الأولون قارة إفريقيا؛ حيث تَطَوّر الجنس البشري؛ فإذا كانت الجزيرة العربية خصبة وخضراء؛ فمعنى ذلك أنها كانت المكان الملائم الذي هاجر إليه الإنسان؛ بحسب موقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
دراسة جامعة أوكسفورد
يقول آش بارتون، الأستاذ بجامعة أوكسفورد البريطانية: "كانت هناك فُرَص أمام البشر ليغادروا إفريقيا أكثر مما كان يُعتقد في السابق".
ويضيف "بارتون" أنه "لم يكن باستطاعة أسلافنا -الذي كانوا يعيشون على حِرفة الصيد- أن يعيشوا في أماكن مختلفة من الجزيرة العربية، لو كانت كما هي الآن".
وحالياً يمتد المحيط الهندي على الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، ويسود مناخ الأمطار الموسمية هناك؛ بينما بقية شبه الجزيرة مجرد صحراء؛ مع وجود بعض الواحات.
موسم مطير كل 23 ألف سنة
ويعتقد فريق بحثي تحت إشراف "بارتون" أن الموسم المطير يصل إلى شبه جزيرة العرب كل 23 ألف سنة؛ وذلك لإتاحة المجال للحياة النباتية والحيوانية لكي تزدهر.
وقد نشر الفريق تلك النتائج التي خلُص إليها في مجلة "ذا جورنال أوف جيولوجي".
نشأ الإنسان الحديث في إفريقيا قبل حوالى 200 ألف عام. وبعد ذلك غادر بعض البشر إلى أوروبا، وآسيا.. ومن هناك انتشروا في بقية أرجاء العالم.
لكن ليس معروفاً متى غادر الإنسان إفريقيا على وجه التحديد، وأي سبيل سلكها عند خروجه منها؟
الهجرات المبكرة من إفريقيا
الفكرة الأكثر قبولاً؛ هي أن هؤلاء البشر غادروا إفريقيا قبل نحو 60 ألف سنة، واتخذوا طريقهم عبر ساحل شبه الجزيرة العربية، ومن هناك إلى آسيا.
وهذا يعني أنهم مكثوا في إفريقيا حوالى 140 ألف سنة. ويعتقد عدد آخر من علماء الآثار أن أول هجرة بشرية من إفريقيا كانت قبل 130 ألف سنة.
ويقول "باترون": "لدينا دليل على أن البشر تمكّنوا من الانتشار خارج إفريقيا إلى الشرق الأوسط قبل 130 ألف عام؛ لكن كثيراً من الناس كانوا يعتقدون أن هذا التمدد توقف بسبب صحراء الجزيرة العربية".
ويقول "باترون": إنه توصل هو وزملاؤه إلى أن جزيرة العرب مرّت بفترات مختلفة من العصور المطيرة؛ مما أدى إلى ظهور نباتات طويلة، وغابات كثيفة، وهو ما جعلها مكاناً مقبولاً للعيش؛ مما يؤيد فكرة حدوث الهجرة في وقت مبكر.
أنهار جزيرة العرب
ودرس "باترون" مجاري الأنهار الجافة جنوب شرقي الجزيرة العربية، وعثر على آثار طين وحجارة من قاع النهر تعود إلى 160 ألف عام.
وقد عثر علماء الجيولوجيا على دلائل بوجود خمس فترات مطيرة مرّت بها تلك المنطقة، والتي تدفقت خلالها الأنهار وجرفت معها هذه الحجارة والحصى؛ بينما استقرت هذه الحجارة عندما جفت الأنهار وانحسرت مياهها.
وقد كانت أولى هذه المراحل المطيرة في الفترة ما بين 160 ألف و150 ألف سنة مضت، وأحدثها كان قبل نحو 55 ألف سنة مضت. وكانت كل مرحلة مطيرة تمثّل فرصة انتقل خلالها البشر من إفريقيا إلى آسيا.
حركة الهجرة عبر الجزيرة
وكانت دراسات سابقة قد بيّنت أن هطول الأمطار ازداد خلال هذه الفترات؛ لكن لم توضح هذه الدراسات كم كانت كميات الأمطار في تلك الفترات.
ففي صحراء ملتهبة، قليل من المطر لا يصنع فرقاً يُذكر؛ لكن الدراسة الجديدة تُظهر أن زيادة كميات المطر كانت كبيرة لدرجة تجعلها تُحدث تغييراً في الطبيعة.
ويقول "باترون": "السجل البيئي الذي لديّ، يتطابق تماماً مع سجل الآثار الموجودة بالفعل. وهذه السجلات تشير إلى وجود حركات نزوح وهجرة بشرية إلى شبه الجزيرة العربية"