الإمارات: المدن الحديثة تجاور الصحارى الذهبية وتجذب الانتاجات الكبيرة
الوسط – محرر المنوعات
في منتصف الشهر الماضي قامت شركة يونيفرسال بما لم تقم به من قبل: إيفاد مجموعة من ممثلي وصانعي فيلم «سريع وغاضب 7» إلى مدينة أبوظبي، حيث تم تصوير بعض مشاهد الفيلم قبل أقل من عام، لإقامة مؤتمر صحافي يستمر أربعة أيام، حسبما أفادت صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر أمس الجمعة (31 يوليو/ تموز 2015).
العادة جرت أن تتم هذه المؤتمرات واللقاءات الصحافية (التي تُـسمّـى Press Junkets) في الدول الغربية وبعض الدول الآسيوية البعيدة. في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا (أحيانًا) وفي طوكيو والصين وتايلاند (أحيانًا أخرى).
لم تقم سابقًا في مصر ولا في لبنان ولا في تونس، وحسب علمنا ربما أقيمت مرّة واحدة في الدار البيضاء. هذه ليس لها علاقة بالمهرجانات المقامة في تلك الدول أو سواها، بل هي جهد منفصل تقرره الشركة المنتجة وتشرف عليه منفصلاً عن أي نشاط آخر سوى الترويج للفيلم.
كذلك لم يقع هذا اللقاء المرتّـب ترتيبًا جيّـدًا في أي دولة خليجية من قبل بما فيها دولة الإمارات إلا من خلال مهرجانات سابقة خصوصًا دبي وأبوظبي. إليه دعيت الصحافة العربية والعالمية وأمّـه ممثلون من محطات تلفزيونية وصحف ومجلات مطبوعة ومواقع إلكترونية من كندا إلى الهند ومن الولايات المتحدة إلى دولة الإمارات ذاتها.
مؤسسة «توفور 54»، التي أشرفت على الاستضافات وتهيئة الأجواء التي تقودها الناشطة نورا الكعبي كرئيس مجلس إدارة، أدركت منذ البداية ما يعنيه تصوير «سريع وغاضب 7» في الإمارة من حسنات. طبعًا يعني الكثير من التحديات في مجال توفير الخدمات وحسن سير الإدارات المتصلة، لكنه يعني أن أبوظبي من ناحية ودولة الإمارات من ناحية أعم، ستصبح محط ثقة الاستوديوهات الأميركية إذا ما نجحت تجربة التصوير فيها. ليس فقط أن التجربة نجحت ميدانيًا ومن دون مشاكل كان يمكن لها أن تقع في أي بلد غير مستعد إذا ما تم التصوير فيه، بل أثرى ملامح الفيلم على الشاشة. منحته مشاهد لم ير المشاهد الغربي مثلها تمزج ما بين ناطحات سحب عصرية وصحراء عربية تعيش في تعاضد ينسف ما سبق من تلك الصور التي أساءت للصحراء العربية في سالف العصور أيام كانت هوليوود تستوحي من حكايات الخيال بيئات تصوّرها بدائية وغير حضارية.
* فائدة متبادلة
* الأمر ذاته كان فيلم «المهمة: مستحيلة 4» أوحى به. في العام 2011 قامت شركة باراماونت بالموافقة على تصوير جزء كبير من مشاهد الفيلم الجاسوسي المعروف في مدينة دبي واحتفت، هي والمدينة ومهرجان دبي معًا، بتلك المشاهد الخاصّـة التي تدلّـى فيها توم كروز من أحد الطوابق العليا في أعلى مبنى في العالم، وهو برج خليفة، تبعًا لأحداث الفيلم.
هو أيضًا لم يكن الفيلم الأميركي الأول الذي استعان بدولة الإمارات لإنجاز مشاهده. قبله، على سبيل المثال: «سيريانا» (2005) الذي كان من الممكن تصويره في صحراء أريزونا أو في بعض صحارى المغرب لو أرادوا وكما فعلوا في غالبية ما صوّروه من أفلام تتضمن حكايات صحراوية.
لكن السؤال، في هذا النطاق، هو ما هي فوائد تصوير الأفلام الأجنبية في أي دولة عربية؟ ما الذي يجنيه البلد خصوصًا إذا ما كان ذا اقتصاد مزدهر ومستقر كما الحال في دولة الإمارات؟
إنه سؤال سهل الإجابة في بعض جوانبه وصعب في جوانب أخرى.
التصوير في بلد عربي يعني، كبداية، ثقة التمويل بأن صرف جزء من الميزانية (قد يكبر ليشمل معظم الميزانية أو يبقى محدودًا حسب حجم التصوير الخارجي المطلوب) ليس مضيعة للمال أو للوقت (والوقت هو أيضًا مال). لا يوجد منتج على سطح الكرة يريد أن يختار بلدًا يصوّر فيه، ولا حتى موقعًا يقصده في بلده هو، ليكتشف أن هناك معيقات، ولو أن ذلك ما يزال يحدث من حين لآخر كما ورد هنا في الأسبوع الماضي حول فيلم أليخاندرو غونزاليز إيناريتو الجديد «المنبعث».
بتحقيق البلد متطلّـبات الضيافة والتصوير من حيث آلياته والاستعدادات اللوجستيكية والإدارية المختلفة ومن حيث توفير أسباب الراحة والأمن (وهي متوفرة دومًا في دولة الإمارات) يستطيع أن يبرز هويّـته بين هويّـات الدول القادرة على تنفيذ خطط عمل بحجم مئات ملايين الدولارات. هذا مبرهن في مجالات غير سينمائية وفنية، لكن السينما، وباقي الفنون، هي بمثابة الحلوى على المائدة. إذا ما اعتمدتها شركات الإنتاج الأميركية على الأخص (كونها الأكبر حجمًا والأوسع انتشارا) فإن البلد صار موطنًا لحركة متواصلة من الأعمال وتبادل الخبرات يستفيد السينمائي المحلي بسببها في الوقت الذي ينجز الأجنبي ما جاء للبلد من أجله.
* تاريخ طويل
* قبل أقل من عشر سنوات قامت حكومة دبي بتأسيس «استوديوهات دبي» والغاية هي تمامًا ما تم إنجازه ولا يزال: استقبال كل أنواع وأعمال التصوير التلفزيوني والسينمائي في إمارة دبي. وهي سريعًا ما انتبهت ضرورة حصر كل المعاملات في إدارة واحدة، عوض توزّعها على عدة إدارات وقطاعات مما ينتج عنه تأخير العمل وسهولة سقوطه في عراقيل مفاجئة. ما نتج عن تلك التسهيلات أن تدفقت على دبي مشاريع تصوير مختلفة ولو أن قلّـة منها هي التي تشبه «المهمّـة: مستحيلة 4» أو «سريع وغاضب 7» حجمًا وأهمية.
السبب في ذلك هو أنه ليس من السهل على هوليوود ذاتها البحث عن مشاريع سينمائية تفرض على أصحابها التصوير في دولة معيّـنة. قليلة ومتباعدة هي الأفلام الأميركية التي تصور في البرازيل أو في النرويج أو في تشاد أو في مصر أو في سواها مثلاً. إن لم يكن هناك داع مرتبط بالحكاية ذاتها ومواقعها، وإذا لم يكن من الصعب استيحاء الموقع والثقافات والهويات الاجتماعية وفبركتها داخل هوليوود أو - على الأبعد - كندا، فلم القيام بالتصوير الخارجي الذي سيضيف عبئًا على الميزانية؟
السبب الوحيد هو أن يكون البلد المقترح متطوّعًا للإنفاق على الفيلم بدوره. وهذا له شأن آخر يمر بفلترات كثيرة من بينها أن السياسة السينمائية لبعض الدول، وعن صواب، هي جذب الشركات الكبرى للتصوير فيها من دون أن تسهم في تسديد الفاتورة نقدًا. في المقابل، ستتيح لها، عبر مرافقها الحكومية المختلفة، كل المساعدات اللوجستيكية الممكنة وكل المتطلبات الإدارية المتاحة وعلى أفضل وجه وتعفيها من الكثير من النفقات التي كانت ستتكلّـفها وكلها عناصر جذب مهمّـة في حال توفر النص المناسب طبعًا.
تاريخ التصوير في البلاد العربية يذهب بعيدًا ليصل إلى مطلع تاريخ التصوير ذاته. الأخوان لوميير، بينما كانا لا يزالان يرتابان بمستقبل السينما، على حد ما صرّح به أحدهما على الأقل، أوفدا مصوّرين كثيرين إلى كل منطقة في العالم ومن بينها فلسطين ومصر والمغرب والجزائر وسوريا، وذلك منذ السنوات العشر الأولى من القرن الماضي.
عندما باتت الأفلام قصصًا تُـروى، تم تصوير عشرات الأفلام الأميركية والأوروبية في صحارى ومدن عربية من مراكش إلى مصر ومن الجزائر إلى العراق ولبنان.
الإنتاجات العصرية فيما بعد توزّعت بين مصر لحين ثم اعتمدت لبنان في الستينات. من لجأ إلى مصر للإنتاج اكتشف التعقيد الروتيني. جرّب ولم يعد وما لبث أن روّج أن التصوير هناك معقد. لبنان كان هيّـنًا. استقبل أفلامًا كثيرة صوّرت في جباله ومدنه وإن كان من بينها ما صوّرها، في الستينات، كعاصمة جواسيس عالمية. سواء أكان ذلك صحيحًا حينها أم لم يكن، فإن الحرب الأهلية اللبنانية قضت على البلد كمحطة جذب سينمائي ولم تنجح الأفلام القليلة التي صوّرت هناك، على نحو لبناني - غير لبناني مشترك في ترميم هذه الصورة بعد الحرب (واليوم لا إمكانية لترميمها مطلقًا).
الدولة العربية الأكثر استقبالاً للإنتاجات العالمية (أميركية وأوروبية) هي المغرب بالطبع. عدد الأفلام العالمية الكبيرة التي صوّرت جزئيًا أو كليًا في المغرب من العام 2000 إلى اليوم يتجاوز 35 فيلما وهو العدد الموازي تقريبًا لما تم تصويره في المغرب منذ أيام السينما الصامتة وحتى العام المذكور.
آخر الإنتاجات الأميركية التي تم تصويرها هناك «قناص أميركي» لكلينت ايستوود و«الإنجيل يستمر» وهو فيلم تاريخي كشأن الكثير من الأفلام التاريخية التي اعتمدت المغرب كموقع مناسب لمثل هذه الأعمال. أيضًا «المهمّـة: مستحيلة 5» الذي سيفتتح قريبًا حول العالم إذ اختار المغرب بعدما كان اختار الإمارات للجزء الرابع.