أكد أنه "من المبكر اعتبار إيران شريكاً دولياً في مكافحة الإرهاب"
السفير البريطاني في لبنان: الرئاسة ممكنة قبل التسوية السورية.. وندعم سلام
الوسط – المحرر الدولي
غزا الشيب شعر سفير المملكة المتّحدة لدى بيروت طوم فلتشر بعد أن أمضى 4 أعوام في لبنان، ويعزو الدبلوماسي الذي لم يتجاوز السنة الأولى من العقد الرابع الأمر إلى صعوبة التعامل مع السّاسة اللبنانيين، حسبما أفاد في مقابلة أجرتها معه صحيفة "السفير" اللبنانية.
يقول فلتشر ممازحاً بأنّه سيأخذ قسطاً من الراحة لمدة سنة سيمضيه أستاذاً زائراً لجامعة نيويورك في أبوظبي، محاولاً «الشفاء من لبنان»، ويستدرك قائلاً لـ «السفير» «أغادر لبنان أكثر تفاؤلاً، بسبب الطاقات البشرية التي يتمتع بها هذا البلد».
اعتاد فلتشر طيلة سنوات خدمته في بيروت على قول الأمور الصعبة، وبالرغم من تفاؤله، يتوقع «مرحلة انتقالية صعبة سيمرّ بها لبنان وستتيح له الإمساك بزمام المبادرة».
المرحلة الانتقالية الأخيرة التي مرّ بها لبنان بدأت قبل عشر سنوات بعد خروج الجيش السوري، لكنّ لبنان لم يملأ بعد الفراغ الذي تركه السوريون، من هنا يتوقع فلتشر «مرحلة سياسية صعبة ستشهد تبديلاً في الطاقم السياسي عبر جيل سياسيّ جديد».
يبدي فلتشر تعجّبه الدائم من «خمول لبناني» حيال القضايا الحيوية، «الشعب اللبناني وبالرغم من تمتعه بطاقات هائلة علمياً وثقافياً فإنه يحاول دوماً اجتراح حلول فرديّة للمشاكل المتراكمة بعيداً من الحراك الجماعي. فأزمة النفايات الأخيرة مثلاً كانت لتطيح الحكومة البريطانية كما حصل فعلياً في سبعينيات القرن الفائت حين قررت النقابات العمالية العمل لثلاثة أيام في الأسبوع، ما أدى الى تراكم النفايات في شوارع لندن، وهذا ما ولّد سخطاً شعبياً عارماً وتظاهرات أسقطت الحكومة آنذاك». ويلاحظ فلتشر أنّ الشعب اللبناني «مستاء من الأخطاء الموجودة وهو لا يكفّ عن التذمّر والشكوى، لكنّه لا يتحرّك لتبديل مجريات الأمور. وهذا أمر محزن».
لعلّ الإيجابية اليتيمة هي احترام عمّال النظافة، هؤلاء العمال وأولئك الذين يعملون في المنازل نالوا قسطاً وافراً من تغريدات فلتشر واهتمامه، فهذا الديبلوماسي الحريص على عدم التدخّل في الشؤون الداخلية لأي بلد، ينتقد تعامل اللبنانيين مع العمّال الأجانب، ولقد قرّر يوماً تبادل الأدوار مع عاملة منزل إثيوبية، فدعاها الى السفارة البريطانية، حيث ساعدته في تنظيم مواعيده، ولم يتوانَ عن اصطحابها في زيارة رسمية الى وزير الداخلية نهاد المشنوق، ثمّ رافقها الى منزلها، حيث ساعدها في إعداد الغداء.
يصعب فهم لبنان
مبادرات استثنائية عدّة قام بها فلتشر منها على سبيل المثال تشجيعه السياسيين اللبنانيين على استخدام «تويتر» للتواصل أكثر لردم الهوّة بينهم وبين المواطنين. وهو أول ديبلوماسي يروّج للديبلوماسية الرقمية تشجيعاً للتواصل: «أسهم «تويتر» في تغيير طريقة عملي كديبلوماسي، صرت أقرب الى الناس ويمكنني فهم طريقة تفكيرهم ولم يتح لي ذلك في الاحتفالات البروتوكولية».
يقرّ فلتشر أنه استمتع بوقته مع السياسيين اللبنانيين، لكنّه يمتنع عن ذكر أسماء «أهضم» 3 سياسيين لبنانيين. ولدى سؤاله عن النصيحة التي يقدّمها لخلفه، يبتسم ويقول: «أذكر نصيحة صديق ديبلوماسي أوروبي عمل سابقاً في بيروت أوصاني حين تسلّمت مهمته بأمرين: انتبه من النساء اللبنانيات لأنهنّ جميلات.. ولا تثق بأحد في لبنان».
يعلّق بديبلوماسية حين تستفسره إن لمس صحّة هذه النصيحة، قائلا: «يجب على المرأة اللبنانية أن تنخرط أكثر في الحياة السياسية اللبنانية التي كانت لتكون أفضل بكثير في حال وجود النساء!».
أما النصيحة الثالثة التي يقدّمها شخصياً لخلفه فهي أنه لن يمكنه البتّة أن يفهم لبنان جيداً أو أن يصلح فيه شيئاً: «ما يمكن أن يقوم به السفير هو الإصغاء الى جميع الفرقاء اللبنانيين وأن يحاول تضييق المسافات بينهم عبر تقريب وجهات النّظر وأن يبذل جهداً لمساعدة المؤسسات اللبنانية، فقد زادت المساعدات البريطانية للجيش اللبناني في الأعوام الأخيرة قرابة 10 أضعاف، وزادت إسهامات بريطانيا بشكل كثيف في حقل التربية، وحظي لبنان بمبالغ ضخمة لمصلحة النازحين السوريين الموجودين على أراضيه».
يضيف فلتشر بأنّ بريطانيا صرفت أموالاً طائلة لتمويل مساعدة النازحين السوريين بلغت المليار باوند حظي منها لبنان بمبلغ 215 مليون باوند تقريباً، وهذه تعدّ أكبر مساهمة إنسانية تقدّمها المملكة المتّحدة في أي بلد في العالم».
يغادر فلتشر لبنان والشغور الرئاسي في أوجه، يقول بمرارة: «أتحنا فرصة للبنان لكي يختار رئيسه بنفسه، حاولنا قدر المستطاع إبعاد شبح أي تدخل خارجي لإبقاء زمام المبادرة بين أيدي اللبنانيين لكن لم نصل الى أية نتيجة. هذا الأمر محبط ويدفعنا الى التفكير إن كنّا أحسنّا التصرّف. الناس في لبنان لا تدرك مدى هشاشة الوضع، وكم أن وجود رئيس يعزّز قوّة البلد ويمنع خرقه من قبل من يريد التلاعب بمصيره ويساعد الدول التي تريد دعم مؤسساته على تقديم مساعدتها».
وهل سيكون رئيس للبنان قبل التسوية السورية؟ يسأل فلتشر: «لم لا؟ فلبنان دولة لها دستورها، لا يجب أن تؤثر الحوادث السورية على عملية انتخاب رئيس للبنان. حتى لو ذهب (الرئيس) بشار الأسد فلن يكون أي تأثير لأية حكومة تخلفه على لبنان ومن الخطر أن ينتظر لبنان استحقاقات سوريا بل عليه أن يغتنم الفرصة ويملأ الفراغ الرئاسي».
لا «نبوءات» حول سوريا
امتنع السفير فلتشر عن التنبّؤ بما سيحدث في سوريا منذ قرابة الـ3 أعوام بعدما اكتشف أن جميع التوقعات بسقوط الرئيس الأسد باءت بالفشل. بنى فلتشر توقعاته على مقارنة بين سقوط بعض الأنظمة إبان بدء ما أسمي بـ «الربيع العربي»، كما حصل في تونس وليبيا ومصر، لكنّ تبيّن له في ما بعد أنّ أي تغيير في سوريا لا يمكن توقعه. لا يزال موقف بريطانيا هو نفسه من نظام الأسد: «بريطانيا تؤيّد حلاً سياسياً وفترة انتقالية للحكم في سوريا يكون للشعب السوري الكلمة الفصل فيها».
ينفي فلتشر وجود أيّة قنوات سياسية أو استخبارية مفتوحة مع النظام السوري ويرى بأنّه يحلو للنظام السوري تصوّر وجود قنوات سياسية أو استخبارية أوروبيّة مفتوحة معه... لكنّ الأمر غير صحيح». عبارة واحدة من فلتشر تبدّد أية لغط حول الموقف البريطاني: «ما دام الأسد موجوداً فإنّ «داعش» سيقوى». الديبلوماسيون الإنكليز في سفارة دمشق انتقلوا قبل أكثر من 3 سنوات الى سفارتي بيروت واسطنبول «ولا يمكن توقّع عودتهم في المدى المنظور».
يجادل فلتشر في الفكرة القائلة بأنّ بديل الأسد هو «داعش» وأن الفترة الانتقالية هي ترف ديموقراطي غربي. يقول: «ليست الديموقراطيّة فكرة أوروبية بل هي تصلح للدّول العربيّة أيضاً. ومقاومة التنظيمات الإرهابية لا تكون إلا عبر حكومات ديموقراطية قويّة تعمل مع الأطراف الغربية التي تدعمها ضدّ هذه التنظيمات وثمة نماذج ناجحة للتعاون مع الحكومات منها في العراق ولبنان».
«اليوم التالي» لسيناريو إسقاط النظام في سوريا، وفق النظرة الإنكليزية يتمثل بـ «تشكيل حكومة تشمل مكوّنات سوريا كلها، لكنّ الأسد ليس شريكنا ولن يكون، إنّه يخدم الإرهاب ويعمل ضدّ شعبه».
لا موقف سلبياً لبريطانيا حيال مبادرات روسيا الحثيثة لإيجاد حلّ سياسي في سوريا عبر محاولة توحيد أجنحة المعارضة السورية تمهيداً لمؤتمر «جنيف 3»، «الروس جادّون في محاولاتهم لإحياء العملية السياسية في جنيف، ونتمنّى أن تلعب إيران دوراً أفضل في جنيف المقبل».
في المقابل، يستفيض الديبلوماسي البريطاني في الحديث عن التواصل مع الإيرانيين في لبنان وهو توطّد بعد ان قدّم فلتشر التعازي للسفير الإيراني السابق غضنفر ركن أبادي بالتفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف مقر السفارة في بئر حسن منذ قرابة عامين، وأدى واجب التعزية بمن استشهدوا فيه وتبرّع بالدّم للجرحى.أعقب ذلك لقاءان مع ركن أبادي، واستمرّ التواصل مع السفير الحالي محمّد فتحعلي.
إيران ومكافحة الإرهاب
وهل ستكون إيران هذه المرّة شريكاً مقبولاً في مكافحة الإرهاب؟
يقول فلتشر: «من المبكر التنبؤ بذلك. ما لدينا اليوم هو اتفاق نووي صرف وهو مهمّ جدّاً وإتمامه أعاد إيران شريكاً في المجتمع الدولي يتمّ التواصل معه باحترام، وسنرى إن كانت إيران ستكون شريكاً في مكافحة الإرهاب إذ لا تزال لدينا مخاوف حيال هذا الموضوع».
لكنّ إيران هي شريك واقعي؟ يجيب فلتشر: «لا شيء اسمه أسود أو أبيض في منطقة الشرق الأوسط، فعدوّ عدوّي ليس حكماً صديقي».
وهل سينعكس الاتفاق النووي على ملفات لبنان والمنطقة؟ يقول فلتشر بأنّ «الاتفاق النووي لم يتطرق الى ملفات المنطقة لكن لا أحد في المنطقة يصدّق ذلك، لكن هذا هو الواقع».
يضيف: «أتمنى أن يكون الحوار أسهل مع إيران، خصوصاً حول لبنان، لأن الخلافات أكبر حول سوريا».