فرصة عمل حرّ مقرها «المطبخ» ومركزها الرئيسي الشبكة العنكبوتية
صحيفة الحياة (20 يوليو 2015)
النسب المئوية المفزعة لن تتحسن، والأرقام المدوية لن تتغير، ومشاهد المقاهي العامرة بروادها من خيرة الشباب المصريين وأكثرهم قدرة على الإنتاج على مدى ساعات الليل والنهار لن تتعدل إلا بإعادة هيكلة تامة وسريعة للفكر السائد حول فرصة عمل أو مجال الحصول على وظيفة.
فالأوضاع السياسية والأمنية الساخنة وما نجم عنها من أحوال اقتصادية بائسة لن تعدل حال ملايين الشباب الباحث نظرياً عن فرصة عمل سواء الجالس في مقهى لشرب الشاي والقهوة، أو الواقف على ناصية وله خبرة في التحرش، أو المنضم إلى جماعة متشددة أو مجموعة متطرفة حيث الجذب المالي والترويع الديني.
لكن أشد أنواع الترهيب هو الترهيب الاجتماعي الذي لم يعد يكتفي بالتلويح بأخطار مجتمعية واقتصادية وسياسية حقيقية، بل بدأ يترجمها إرهاباً وفوضى وتطرفاً. وعلى رغم اتفاق الغالبية قبل عقود طويلة على أن تصحيح المسار يكمن في إصلاح النظام التعليمي المتحلل مع جعله مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بسوق العمل بدلاً من تخريج ملايين من الجامعات في تخصصات غير مطلوبة أو خبرات غير مجدية، ناهيك بمستوى التعليم الجامعي الذي لا يوفر أغلبه سوى شهادة تؤول إلى جدار غرفة الصالون، إلا أن الوضع الحالي يحتاج إلى تدخل سريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من جيوش الشباب المتعطلين من على أن يبدأ العمل فوراً في إصلاح التعليم وربطه بالواقع. وبحسب إحصاءات البنك الدولي، فإن نحو 39 في المئة من الشباب المصري في سن العمل يعانون البطالة، وهي نسبة آخذة في الارتفاع بعد ما كانت 26 في المئة في عام 2010.
ولا شك في ان أوضح أطواق النجاة المتاحة حالياً وأكثرها واقعية في مد يد العون لأولئك الشباب هي فرص جديدة للعمل الحر تمكنهم بدورهم من مد يدهم للبلاد بأكملها. وهذا ما أدى إلى «قمة للعمل الحر» أو «قمة الفريلانس» نظمها كل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع شركة «مايكروسوفت» ووزارة الشباب والرياضة قبل نحو اسبوع في القاهرة. المبادرة تنموية اجتماعية مقرها شبكة الإنترنت، وهدفها تطوير مهارات الشباب المصري وخبراتهم، وخلق فرص جديدة للعمل الحر، وتعزيز المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة الى ربط الشباب بالشركات على المستوى الوطني من خلال موقع مجاني على الانترنت.
المدير القُطري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أغناسيو آرتذا يقول إن الشباب تحت سن 29 سنة يمثلون نحو 62 في المئة من السكان. ويملك هؤلاء إمكانات هائلة بالإضافة إلى امتلاكهم مفتاح تحقيق التمكين. ويعتبر آرتذا مبادرة العمل الحر الجديدة جزءاً من الحل المبتكر الذي يعالج مشكلة البطالة بين الشباب والتى تقف حاجزاً رئيسياً فى طريق تمكين الشباب، مضيفاً أن «هذه المنصة على الانترنت هى البوابة التي تربط الشباب بآلاف الفرص المتاحة والشركات».
وبدلاً من آلاف الإعلانات الوهمية وجرائم النصب على صفحات الجرائد حيث «فرصة عمل براتب مجز أتصل الآن» أو «نوفر لك دورة تدريبية بخمسة آلاف جنيه وبعدها فرصة عمل بدخل شهري عشرة آلاف جنيه» وغيرها الكثير، يقول نص الإعلان عن المبادرة مخاطباً أصحاب الأعمال والباحثين عن عمل في آن: «وظف أصحاب المهن الحرة وابحث عن فرصة عمل حر على الإنترنت: طريقك لكسب المال من البيت».
ومن البيت، وتحديداً من المطبخ يجلس شابان أمام شاشتي كومبيوتر حيث يباشران عملهما الحر الجديد. ومن مقر المبادرة حيث الشبكة العنكبوتية،
www.freelanceme.net
يبحث المتقدم عن وظيفة. يختار بين «سعر ثابت» و»سعر بالساعة»، ثم يحدد الفئة التي يود العمل فيها: دعم إداري، خدمة عملاء، هندسة، موارد بشرية، تكنولوجيا واتصالات، وسائط متعددة، مالية ومحاسبة، تسويق وتواصل، تصميم، كتابة وترجمة. ثم يحدد النطاق السعري ويضغط «إبحث».
مديرة مشروعات تنمية المجتمع في شركة «مايكروسوفت»- مصر غادة خليفة تقول إن تجمع مبادرة العمل الحر هو الأول من نوعه في ضوء مبادرات الشركة الداعية والمساهمة في تأهيل الشباب في مجالات تخصصهم، بالإضافة إلى مجالات الإدارة والتسويق والبيع والاتصال والتعامل مع العملاء بشكل يؤهلهم لتحقيق أهدافهم في مجالات العمل المختلفة. وتوضح: «هدفنا رفع وعي الشباب بكيفية الحصول على العمل الحر من خلال تدريب الكوادر البشرية على على المهارات الأساسية في هذا الصدد وعرض قصص النجاح والتجارب المتميزة التي سبقتهم ونفذت أعمالها وقدمت خدمات للسوق افادت المجتمع و صاحب العمل».
المبادرة ليست حكراً على فئة عمرية دون غيرها، أو مجال عمل أكثر من غيره، فهي تستهدف كل شرائح الشباب بمختلف تخصصاتهم وأعمارهم ومستوياتهم الثقافية. وقد بدا ذلك واضحاً في الحضور الشبابي لأعمال القمة حيث تجمع ما يزيد على 18 شاباً وشابة من الباحثين والباحثات عن فرصة عمل حر حيث استمعوا إلى خبارت شابة سبقتهم، وتبادلوا المعرفة والخبرات وعملوا على تشبيك هذه النواة عنكبوتياً. «توعية إلهام تمكين» كلمات ثلاث عنونت القمة ومن شأنها أن تعنون المستقبل العملي لأولئك الشباب بدلاً من المقاهي والنواصي وجماعات التشدد.