إمساك نظام الأسد بالدولة السورية
مركز كارنيغي للشرق الأوسط
منذ الأيام الأولى للانتفاضة السورية في العام 2011، وضع الرئيس بشار الأسد ضمن أولوياته الحفاظ على سير عمل مؤسسات الدولة، ماسمح له بالادّعاء أن النظام لاغنى عنه لتوفير الخدمات الأساسية.
من شأن وضع حدٍّ لاحتكار النظام لهذه الخدمات العامة والسماح للمعارضة المعتدلة بأن تصبح مصدراً بديلاً لتوفير الخدمات، أن يُضعِف النظام، وأن يمنع تنظيم الدولة الإسلامية الجهادي المتطرّف من ملء فراغ السلطة في البلاد.
كيف أحكم النظام قبضته
يعتمد السوريّون بشكلٍ كبير على الدولة للحصول على الدخل والسلع والخدمات الأساسية والوثائق الإدارية. وحين رُجِّح بقاؤه مهدَّداً، كثّف النظام جهوده للارتباط بمؤسسات الدولة التي توفّر هذه الخدمات الضرورية.
تمّ توطيد السلطات البيروقراطية التي كانت أصلاً مترامية الأطراف، لتصبح مراكز حضرية يمكن الدفاع عنها بقوة وخاضعة إلى سيطرة النظام.
دمّر النظام الهياكل البديلة التي أنشأتها المعارضة في المناطق المحرّرة للحفاظ على احتكاره توفير الخدمات الأساسية.
عزّز صعود تنظيم الدولة الإسلامية – الذي قمع بشكلٍ وحشي السكان في المناطق الواقعة تحت سيطرته – باعتباره الكيان الآخر الوحيد القادر على توفير قدرٍ من الإدارة العامة، سرديّةَ النظام السوري القائلة بأنه هو الخيار الواقعي الوحيد المُتاح أمام السوريين للحصول على الخدمات الأساسية.
مايمكن للقوى الدولية فعله لوقف احتكار الأسد
النظر أبعد من الاستراتيجية العسكرية. ينبغي على الدول الغربية والإقليمية الداعمة للمعارضة – ولاسيما تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر – أن تقوم بأكثر من مجرّد تقديم المساعدات العسكرية إلى فصائل المعارضة، وأن تدعم أيضاً عملية إعادة هيكلة الفصائل المتمرّدة المسلحة والمعارضة السياسية لتُشكِّل كياناً موحّداً ومتماسكاً أكثر من شأنه الاضطلاع بأدوار جديدة في سورية.
تمكين سلطة بديلة. في المناطق الخاضعة عسكريّاً إلى سيطرة المعارضة المعتدلة، ينبغي تشجيع مجموعات المعارضة على أداء مهامّ الدولة السورية، كما ينبغي دعمها في هذا المجهود.
حماية مؤسسات الدولة. ينبغي منع النظام من تدمير هذه المؤسسات – ومن تدمير قدرة المعارضة على إدارتها – بعد انسحاب قواته العسكرية من هذه المناطق. لتحقيق ذلك، يتعيّن على الولايات المتحدة وحلفائها توفير الحماية الجوية من هجمات النظام بعد انسحاب القوات التابعة للأسد.
مقدّمة
في أواخر 2011، تكهّن قادة عالميون ومحللون إقليميون بثقةٍ بأن نظام الرئيس بشار الأسد سيتداعى ويسقط في غضون أسابيع.1 لكنه كان حتى أواسط العام 2015 لايزال يقاتل، على الرغم من أنه فَقَدَ السيطرة على أكثر من نصف أراضي سورية ويجهد الآن لإبقاء قبضته على المناطق المتبقية.
من الواضح أن المساعدة العسكرية والاقتصادية من إيران وروسيا كانت عاملاً حاسماً في مساعدة النظام على التشبّث بالسلطة. لكن ثمة عامل آخر يُفسِّر قدرة النظام على البقاء، هو قدرته على الاّدعاء بأن الدولة السورية، في ظل الأسد، بقيت مُزوِّداً لاغنى عنه للخدمات العامة، حتى للسوريين الذين يقطنون مناطق خارج سيطرة النظام. وقد ساعد بروز تنظيم الدولة الإسلامية، ككيان آخر يمتلك القدرة على توفير بعض الخدمات الرئيسة، النظام على تسليط الضوء على عجز المعارضة السورية المعتدلة عن القيام بهذا الدور، ماعزّز زعمه بأن بقاءه حيوي وضروري للحياة اليومية للسوريين.
مع تحوّل الانتفاضة الشعبية إلى نزاع مسلّح في الفترة بين العامَين 2011 و2012، جعل النظام السوري من أولى أولوياته إبقاء الإدارات التابعة للدولة قيد العمل. وهو بهذا جعل السوريين معتمدين على حكمه. معروف أن المواطنين السورييين كانوا يعتمدون بكثافة على الدولة قبل اندلاع الانتفاضة، والعديد منهم اضطرّ إلى مواصلة هذا الاعتماد، وحتى بدرجة أكبر، خلال النزاع. وهكذا، كانت الدولة السورية، ولاتزال، الموفّر الأكبر للوظائف في البلاد، فيما تُعتبَر الإدارات الرسمية هي المُزوِّد الرئيس لسلع أساسية مثل الخبز، والوقود المدعوم، والرعاية الصحية، والتعليم. ثم أن الخدمات الإدارية التي تديرها الدولة، هي وحدها القادرة على إصدار الوثائق التي تسمح للسوريين بالزواج، وتسجيل صكوك الملكية، والسفر إلى خارج سورية.
في سبيل ضمان استمرار تلقّي السوريين لهذه الخدمات التي تشتد الحاجة إليها، جرى تعزيز إدارات وهيئات الدولة التي كانت أصلاً واسعة الانتشار، عبر تحويلها إلى مراكز سلطة مدينية يمكن الدفاع عنها، تحت سيطرة الوحدات العسكرية الموالية للأسد. وبالتالي، باتت السُكنى في المناطق التي يسيطر عليها النظام حاجةً وضرورةً للعديد من السوريين.
لكن الأهم من كل ذلك أن الجيش السوري استهدف ودمّر بلا هوادة كل المحاولات الوليدة التي بذلتها المعارضة السياسية المعتدلة، (أي المجموعات التي تسعى إلى قلب نظام الحكم مع الحفاظ على تماسك الدولة- الأمة، سواء كديمقراطية علمانية أو كدولة يلعب فيها الإسلام دوراً أكبر في السياسة العامة)، لإقامة بديلها الخاص القابل للحياة الذي يجب أن يحلّ مكان توفير النظام للوظائف الأساسية للدولة.