دراسة الآثار في الهند تستهوي طلبة من الشرق الأوسط
الوسط – المحرر الدولي
من النادر أن نجد طالبا من الشرق الأوسط يدرس علم الآثار في الهند، حيث تحظى دراسة مجالات مثل الطب، والهندسة، وتكنولوجيا المعلومات، والعلوم الطبيعية، وإدارة الأعمال، والمحاسبة، والتجارة، ودراسات حقوق الإنسان، باهتمام الطلبة من مختلف أنحاء العالم. وعندما كشف جاد عابدين من مصر عن سعيه إلى الحصول على درجة الماجستير في تاريخ القرون الوسطى في الهند بمعهد الآثار بدلهي، كان الأمر يمثل مفاجأة سارة.
وتركز دراسات عابدين، بحسب صحيفة الشرق الأوسط، على العلاقة بين الحضارة المصرية القديمة والحضارة الهندية والصلة بين الديانة في كلتا الحضارتين. وقال: «تربط الحضارتان المصرية والهندية آلاف السنوات، وهناك الكثير من السجلات الموجودة في مصر القديمة تشير إلى عناصر موجودة في ثقافة الهند الآن. ونظرا لأني سأسعى إلى إجراء أبحاثي في هذا الأمر، كان من المهم دراسة الآثار في الهند».
كذلك أوضح جاد أن عشرات من الطلبة من أفريقيا، وتونس، والعراق، والمغرب، وعمان، وبعض الدول الأخرى، كانوا يشاركون في دورات تدريبية عن الآثار. لذا كان من المثير للاهتمام الكتابة عن الطلبة القادمين من غرب آسيا وشمال أفريقيا من المهتمين بالعمل في مجال الآثار، وتأمل المعاهد التعليمية الهندية التي تقدم برامج في علم الآثار.
* ما هو علم الآثار؟
كلمة آثار اللاتينية «أركيولوجي» (archaeology) تتكون من جزءين، جزء مشتق من الكلمة اليونانية «أركايوس» وتعني الأشياء القديمة، والآخر مشتق من «لوغوس» وتعني نظرية العلم. واستخدم رون هذا المصطلح للمرة الأولى في القرن الثامن عشر تقريبا. وعلم الآثار هو دراسة الجنس البشري من خلال استعادة التاريخ المتمثل في الأعمال الفنية، والأشياء البيولوجية، والمظاهر الثقافية، وغيرها. وبشكل مبسط، يمكن القول إن علم الآثار هو دراسة المجتمعات الإنسانية في الماضي من خلال الاستعانة بالبقايا والآثار المادية التي خلفوها وراءهم كأدلة. مثل المحققين في الجرائم، يجمع علماء الآثار الأشياء الصغيرة من أجل تكوين حجة وطرح تأويلي. وبصفته شكلا من أشكال العلوم، يساعدنا في فهم أين ومتى عاش الإنسان على الأرض، وأيضا لماذا وكيف عاش من خلال تفحص التغيرات، وأسباب التغيرات التي حدثت في ثقافات البشر بمرور الزمن وذلك بإجراء عمليات بحث ميداني، وتنقيب في المواقع الأثرية التاريخية. وتوجد في تلك المناطق آثار لثقافات سابقة في شكل أشياء قديمة مثل أوان من الفخار، وأسلحة، وحلي، ومواد للاستخدامات اليومية، ونباتات وحيوانات وآثار بشرية وغيرها، فضلا عن المعمار.
ويتم الاحتفاظ باكتشافات وأبحاث خبراء الآثار من أجل الدراسات المستقبلية وبغرض التعلم. وتشمل مهمة عالم الآثار الحفاظ على الآثار القديمة وترميمها باستخدام مواد بناء قديمة. ويمكن لعلم الآثار أن يخبرك بالكثير عن الإنسانية بوجه عام، مثل أصل الجنس البشري في أفريقيا. وإضافة إلى حضارة مصر القديمة، وبلاد ما بين النهرين، وهي العراق وسوريا حاليا، كانت حضارة وادي إندوس، التي تضم حاليا شمال شرقي أفغانستان، وباكستان، والهند، إحدى الحضارات الثلاث القديمة في العالم القديم. كان أكثر من 99 في المائة من تاريخ البشرية قبل اختراع الكتابة والتدوين، لذا تعد دراسة الآثار وسيلة أساسية لمعرفة هذه الحقبة الزمنية الطويلة وربطها بعصرنا.
بوجه عام، يعد العمل بشكل احترافي في مجال الآثار تحديًا، ومحفزا، وباعثا على الرضا. ويدرس إبراهيم كبير من العراق علم النقوش، وهو فرع من فروع علم الآثار هنا. وقال إبراهيم معبرا عن تألمه لما لحق بمدينة النمرود القديمة من دمار على أيدي تنظيم داعش: «لطالما كنت مهتما بالتاريخ. ويمكنني تذكر اطلاعي على الكتب المدرسية المصورة عن اليونان القديمة في مكتبة مدرستي وبنائي لأهرام من مكعبات السكر وأنا طفل صغير. لقد استمتعت بوجه خاص بحطام السفن وكنت أعيد تمثيل تحقيقات أندريا دوريا وتيتانيك التي كنت أراها على التلفزيون. وفي إحدى المرات شاهدت فيلما وثائقيا عن العراق القديمة، ثم قررت أن أصبح عالم آثار وكان اختياري للهند لإجراء دراسات يعود إلى تاريخ عائلتي التي كانت تقوم بالدراسات العليا في الهند. على المستوى الشخصي، أحب هذا المجال لأنه واحد من المهن التي تسمح لك بالتجول وتصور كيف كان الناس يعيشون في الماضي، وأين كانوا يعملون، وكيف كانوا يؤدون طقوس العبادة، وكيف ومع من كانوا يتعاملون. إنه أيضا مجال يجعلك تقوم فيه بتجميع أجزاء أحجية الماضي لتشعر أنك محقق في إحدى روايات أغاثا كريستي».
* تاريخ دراسة الآثار في الهند
في الهند، كان الجنرال ألكسندر كانينغهام، أول من لفت الانتباه إلى أهمية الحفاظ على الإرث الثقافي للأمة، والحاجة إلى ذلك، من خلال تأسيس الهيئة الهندية للمسح الأثري عام 1862 بهدف الحفاظ على المواقع الأثرية، والآثار الموجودة في الهند. أسس الأستاذ الراحل سانكاليا قسم الآثار، وهو أول مركز للتعليم والبحث في الآثار في جنوب آسيا، عام 1939. وكان هذا القسم رائدا في تطوير البحث في مجال آثار العصر الحجري، وآثار الحقبة بين حقبة ما قبل التاريخ، وبداية التاريخ، والآثار العلمية في الهند.
* الدورات التدريبية
تقدم أكثر الجامعات في الهند، التي بها قسم للآثار، فرصة دراسة هذا المبحث ضمن برامج الدراسات العليا. وكانت أول خطوة في الطريق نحو النجاح كعالم آثار هو التخرج. وينطبق ذلك على كل المناهج الدراسية. مع ذلك من المفضل الحصول على شهادة البكالوريوس في التاريخ، أو علم الاجتماع، أو علم الأنثروبولوجيا، من أجل فهم مفاهيم الآثار على نحو أفضل. مع ذلك، تقدم جامعات مثل مهراجا ساياجيراو، وجامعة بارودا، برنامج مدته ثلاث سنوات لدراسة التاريخ الهندي والحصول على شهادة بكالوريوس. بالمثل، تقدم جامعة باناراس هندو برنامجي تخرج في هذا المجال، أحدهما برنامج شرفي مدته ثلاث سنوات عن تاريخ الهند القديم، والآخر عن الثقافة والآثار. وهناك كذلك برنامج تدريب مهني مدته ثلاث سنوات عن علم المتاحف وعلم الآثار.
ويقدم معهد الآثار التابع الهيئة الهندية للمسح الأثري، بنيودلهي، دبلومة مدتها عامان في علم الآثار. ويمكن لطلبة يحملون درجة ماجستير في اللغات الكلاسيكية، أو الجيولوجيا، التقديم للالتحاق بهذا البرنامج. بعد التخرج، يمكن للمرشحين الالتحاق بالدراسات العليا.
* أفرع
الأفرع الأساسية لعلم الآثار هي علم دراسة بقايا النباتات من أجل معرفة طرق الزراعة في حقبة من الحقبات، وكذا العادات الغذائية للشعوب، والظروف المناخية، وعلم دراسة بقايا الحيوانات والأمور المتعلقة بها مثل صحتها، واستئناس الحيوان، والصيد، وما إلى ذلك. كذلك من الأفرع الأخرى آثار ميدان المعركة، وهو استكشاف ساحات المعارك الشهيرة، وعلم الآثار البيئية، والذي يعنى بتأثير البيئة على المجتمعات القديمة والعكس بالعكس، والآثار الجيولوجية الذي يعنى بفحص عينات التربة، والصخور، من أجل تحديد التغيرات الجيولوجية، والظروف المناخية، والآثار البحرية، الذي يعنى بفحص آثار السفن، ودراسة الثقافات التي نشأت على السواحل، وعلم دراسة أشكال الحياة التي كانت موجودة على الأرض قبل تقدم الإنسان المعاصر، وآثار ما قبل التاريخ، الذي يعنى بدراسة التقاليد البشرية التي تنتمي إلى حقبة ما قبل التاريخ المكتوب، وعلم الآثار الحضرية، الذي يهتم بدراسة المراكز الحضرية أو المدن.
فضلا عن ذلك، يمكن لعالم آثار أن يتخصص في دراسة حقبة تاريخية محددة، مثل الحقبة الإنجيلية، أو القرون الوسطى، وغيرها، أو بحسب الموقع الجغرافي مثل علم المصريات، علم دراسة التاريخ الصيني، وغيره. كذلك يستطيعون الحصول على خبرة في مجال بحث بعينه مثل ميادين المعركة، والآثار الغارقة، والجيولوجيا، والثقافة، وعلم الحياة النباتية. كذلك يمكن أن يعملوا كخبراء في العملات والنقوش. وعلم النقوش هو المبحث الذي يعنى بدراسة النقوش على الآثار القديمة، والمعابد، والأطباق النحاسية، والصخور، وغيرها، في حين يهتم فيه علم دراسة العملات بالعملات القديمة الورقية والمعدنية.
* أهم عشر كليات آثار في الهند
تقدم جامعة غورو غوبايند سينغ إندربراثا في دلهي برنامج ماجستير مدته عامان في علم الآثار وإدارة التراث. وتقدم جامعة باناراس هندي برنامج مدته عامين لدرجة الماجستير في الفنون والآثار. وتقدم جامعة بارودا برنامج دكتوراه مدته عام في علم الآثار، وماجستير مدته عامان في التاريخ الهندي، والثقافة، وعلم الآثار، وشهادة بكالوريوس تتطلب الدراسة لمدة 3 أعوام في التاريخ الهندي، والثقافة، وعلم الآثار. وتقدم جامعة كاراناتاكا برنامج ماجستير مدته عامان في التاريخ، وعلم الآثار، ودبلومة في علم الآثار، والمتاحف.
كما تقدم مهراجا ساياجيراو شهادة البكالوريوس في التاريخ الهندي، والثقافة، وعلم الآثار. وتقدم جامعة رانشي دراسة مدتها عامان لنيل درجة الماجستير في علم الآثار والمتاحف. وتقدم كلية يونيون كريستيان كوليدج دبلومة مدتها عام في علم الآثار. وتقدم جامعة أوتكال أوريسا برنامج دراسة مدته عام للدكتوراه في التاريخ الهندي القديم، والثقافة، وعلم الآثار.
وأيضا توفر جامعة ساغار في ماديا براديش برنامج مدته عامان للماجستير، وبرنامج مدته عام لدراسة التاريخ الهندي القديم، والثقافة، وعلم الآثار. ومن مؤهلات التقديم لبرنامج الماجستير هو شهادة تخرج وماجستير في مجال ذي صلة. وتقدم جامعة أواديش بارتاب سينغ في ريوا بولاية ماديا براديش برنامج ماجستير مدته عامان، وآخر للدكتوراه مدته عام واحد في التاريخ الهندي القديم، والثقافة، والآثار.
* فرص مهنية
هناك طلب دائم على علماء الآثار المؤهلين في مشروعات أثرية جديدة. وهناك طلب على المحاضرين الذين يتمتعون بخبرة، وأمناء المتاحف، والمرممين في مختلف أنحاء العالم. وهناك داخل فرق عمل التلفزيون في قناة «ديسكفري»، و«أنيمال بلانيت»، و«ناشونال غرافيك»، و«فوكس ترافيل»، و«بي بي سي»، وغيرها من القنوات علماء الآثار. وتعد كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من الدول الرائدة التي توفر فرص عمل في علم الآثار. كذلك هناك وظائف في الترميم في المتاحف، وقاعات العرض، وغيرها من المجالات.
* تحديات
يعد علم الآثار خيارًا مهنيًا مثاليا لك إذا كان اكتشاف الثقافة والتاريخ يشعرك بالرضا عن ذاتك. وتعد مهنة مثالية لمن يريد العمل في اكتشاف ألغاز الماضي. كثيرا ما يضع اكتشاف مهم عالم الآثار في مكانة مرموقة. إذا كنت عالم آثار سوف تحتاج إلى قضاء أيام طويلة في المعامل، ومواقع التنقيب عن الآثار، والعمل على مشروعات قد تستغرق شهورا أو سنوات. وتمثل الظروف المناخية القاسية، ومخاطر العمل، تحديا دائما أمام العاملين في هذا المجال. ومن بين الأخطار الأخرى احتمال مواجهة حيوانات ضارية، وقطاع طرق، وسارقين، وعصابات محلية، وقرويين منزعجين. سوف تحظى في هذا المجال بالشهرة أكثر مما ستجني من المال.
* تركيز دولي
يجب على علماء الآثار السفر كثيرا داخل الدولة والتنقل من موقع حفر وتنقيب إلى آخر. كذلك لديهم فرصة العمل على مشروعات تنقيب دولية عند الحاجة. ولديهم فرص للعمل في وظائف دائمة كمحاضرين أو أساتذة، أو مرممين، أو أمناء متاحف، في دول أجنبية لما يتمتعون به من خبرة وللمجال الذي تخصصوا فيه.