نجل القارئ عبد الباسط عبد الصمد: لقب «صوت مكة» الأحب لوالدي
الوسط – المحرر الدولي
قال نجل القارئ الراحل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، إن والده كان يحب لقب «صوت مكة» الذي أطلقه عليه السعوديون عندما قام بتسجيل عدة تلاوات للمملكة أشهرها التي سجلت بالحرم المكي والمسجد النبوي الشريف في أول زيارة له للمملكة عام 1952 لأداء فريضة الحج بصحبة والده ، وذلك وفق ما نقلت صحيفة الشرق الأوسط أمس الأحد (21 يونيو / حزيران 2015).
وروي الشيخ طارق عبد الباسط عبد الصمد، سر ارتداء والده البدلة في فرنسا، قائلاً: «عندما سافر والدي لفرنسا عام 1952 لإحياء ليالي رمضان بالمركز الإسلامي بفرنسا، وفي أثناء سيره في الشارع ليتنزه وكان مرتديًا الزى الأزهري (ويتألف هذا الزى من غطاء للرأس هو العمامة وثياب للجسم تتمثل في الكاكولة والجبة)، لاحظ أن جميع الفرنسيين ينظرون إليه ويشيرون إلى ملابسه ولعمامته، لأن الزى الأزهري لم يكن منتشرًا في أوروبا في ذلك الوقت، فأحس بأن هذا الأمر يلفت الأنظار إليه فذهب إلى صديق كان يقيم معه وبالفعل قام بشراء بدلة، وهي التي كان يرتديها والدي كلما سافر إلى أي دولة أوروبية خاصة إذا أراد أن ينزل إلى الشارع، ليظهر للناس سماحة الإسلام، وأنه دين واسع ومرن ومرح ولم يفرض على المسلمين زيًا معينًا وهو تقليد إسلامي وليس عبادة».
وعن استفادته كقارئ من شهرة والده، قال الشيخ طارق الذي التقته «الشرق الأوسط» في منزله بالقاهرة: «نعم استفدت من والدي، فعندما كان يستمع الناس أن القارئ هو طارق عبد الباسط عبد الصمد يجذب انتباهم للوهلة الأولى اسم الوالد، فهذا يكون له تأثير في وجدان الناس وأسماعهم»، مضيفًا: «كانت بداياتي مع القرآن الكريم منذ الصغر، حينما تعلقت بصوت والدي وكنت أستمع إليه وأقلده في جميع الأوقات وأصاحبه في جميع الاحتفالات والليالي القرآنية التي كان يحييها، ومنذ ذلك الحين تربيت على القرآن وأحببت سماعه وحفظه، وعندما وجد والدي أن لدي رغبة في حفظ القرآن وتلاوته، أحضر لي ولإخوتي شيخ يدعى (عطا) بالمنزل ليحفظنا القرآن مثلما كان يفعل جدي معه»، مضيفًا: «حرص والدي على تعليمنا وتحفيظنا القرآن، فنظرًا لكثرة سفره خارج مصر وانشغاله بالقرآن الكريم عهد إلى أحد المشايخ ليعلمنا القرآن الكريم. وكان هذا لا يمنع أن يجلس والدنا ليستمع إلينا ويوجه إلينا النصائح، فحفظت أنا وأشقائي العشرة القرآن الكريم، واتجهت أنا وشقيقي الشيخ ياسر، لعالم التلاوة».
وعن ذكرياته لأول قراءة للقرآن بحضور والده، قال طارق: «كان والدي يصطحبني معه في كل حفلاته ومشاركاته الداخلية والخارجية، وفي ذات مرة كان يحيي حفلاً دينيًا في محافظة قنا (جنوب مصر) وكنت وقتها في المرحلة الثانوية، وبعد أن انتهى من الاحتفال، وكان من عادات أهل الصعيد، أن تكون جلسة المقرئ في مكان مرتفع وبعد أن انتهى من التلاوة، طلب منه الحاضرون أن يقرأ أحد أبنائه، فقدمني لتلاوة القرآن أمام جمع كبير من الناس، فتملكني الرعب في البداية، خصوصًا أنني كنت سأقرأ أمام هذا المشهد لأول مرة، وكان يجلس أمامي وقتها ما يقرب من ثلاثة أو أربعة آلاف مستمع؛ لكنني قرأت القرآن وقتها وكانت لوالدي بعض الملاحظات على قراءتي أدركتها فيما بعد؛ إلا أنه سعد بتلاوتي ووجدت تشجيعًا وترحيبًا من المستمعين وقتها».
وولد الشيخ الراحل عبد الباسط عبد الصمد عام 1927 في قرية المراعزة مركز أرمنت بمحافظة قنا بصعيد البلاد، وحفظ القرآن على يد الشيخ محمد الأمير شيخ كتاب قريته.
وعمل كقارئ في الإذاعة المصرية عام 1951، وتم تعيينه قارئًا لجامع الإمام الشافعي عام 1952، وبعدها لجامع الإمام الحسين بحي الأزهر في القاهرة عام 1985.. ترك للإذاعة ثروة من التسجيلات إلى جانب المصحفين؛ المرتل والمجود، ومصاحف مرتلة لبلدان عربية وإسلامية.. جاب بلاد العالم سفيرًا لكتاب الله، وكان أول نقيب لقراء مصر عام 1984 وتوفي في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1988.
وحول وجود تشابه بين صوته وصوت والده، أكد نجل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، أنه لا شك أن عامل الوراثة له دور كبير ومهم في عملية الجينات الوراثية في الشكل كرقم واحد، ثم الصوت والملامح والحركات نفسها، فهذا شيء طبيعي دون تكلف.
وحصل طارق على ليسانس الحقوق في جامعة عين شمس، ودبلوم العلوم العسكرية من أكاديمية الشرطة والتحق بمعهد القراءات في الأزهر ودرست فيه لمدة سنتين وحصل على الإجازة في التجويد.
وعن سرّ عشق المسلمين لصوت والده، قال طارق، السر في القرآن الكريم نفسه وهذا سرّ من بركة القرآن فوالدي، رحمه الله، أخلص في تلاوة القرآن الكريم فأنعم الله عليه بصوت عذب جميل مختلف عن كل أصوات قارئي القرآن، فمثلا عندما كان في زيارة لفرنسا لإحياء ليالي رمضان في المركز الإسلامي هناك فقرأ في مسرح «كونجري» واستمع إليه أكثر من أربعة آلاف من الناس فوصفته الصحف الفرنسية بالصوت الأسطوري، وكذلك عندما كان في زيارة لدولة إندونيسيا فاحتشد المسجد بالناس كذلك خارج المسجد لمسافة امتدت كيلومترًا فامتلأ الميدان بأكثر من ربع مليون مسلم يستمعون إليه، وفي الهند حضر احتفالاً دينيًا كبيرًا وفوجئ بجميع الحاضرين يخلعون الأحذية ويقفون على الأرض وقد حنوا رؤوسهم إلى أسفل ينظرون محل السجود وأعينهم تفيض من الدمع يبكون إلى أن انتهى من التلاوة.
وعن مدرسة والده في تلاوة القرآن، حدثنا الشيخ طارق، قائلاً: «هي مدرسة السهل الممتنع وهي صعبة قليلاً؛ لكن عندما تستمع للشيخ عبد الباسط عبد الصمد يجذبك في القراءة، فكان له أسلوب متفرد فكان يبدأ قراءة القرآن بالصوت العريض ثم يصعد إلى المستوى الأعلى وبعده القرار ويطلع من القرار للجواب وبعده إلى جواب الجواب فيجذب المستمع معه فيأخذه في بحر من النشوة، بالإضافة إلى أن هناك آيات ترهيب وآيات ترغيب، فكان يقوم بعمل تمثيل نغمي للآيات القرآنية بحيث يرى المستمع حال أهل الجنة فيشتاق إليها، ويرى حال أهل النار فيستعيذ منها فكان يقوم بعمل تصوير نغمي للآيات».
وعن ذكريات الشيخ عبد الصمد في رمضان، قال نجله: «كان والدي يقضي شهر رمضان خارج مصر في مختلف دول العالم لإحياء ليالي رمضان في تلك الدول. وكان نادرًا ما يظل في مصر معنا، وإذا لم يسافر وقضى شهر رمضان معنا، فإنه كان يختلي بنفسه في تلاوة القرآن الكريم ويقرأ التفاسير وأحكام القرآن وعلومه ونحن نحرص على تلاوة القرآن ومدارسته ونتزاور فيما بيننا في رمضان»، لافتًا إلى أن «شهر رمضان بالنسبة لوالدي في بداية مشواره كان من أهم شهور العام، فكان يحيي لياليه في دواوين قريته ولا يرد أحدًا يطلب منه أن يقرأ له بضع آيات من القرآن، وكان يتنقل بين محافظات مصر، وفي إحدى المرات قرأ في مجلس المقرئين بمسجد الحسين بالقاهرة، وكان من نصيبه ربع من سورة النحل، وأعجب به الناس حتى أن المشايخ كانوا يلوحون بعمائمهم وكان يستوقفه المستمعون من حين لآخر ليعيد لهم ما قرأه من شدة الإعجاب».
وأضاف الشيخ طارق: «والدي كانت له مكانة كبيرة عند كثير من الملوك والأمراء في العالم»، لافتًا إلى أن العاهل المغربي الراحل الملك محمد الخامس كان يعشق سماع صوت والدي وعرض عليه أكثر من مرة أن يعيش في المغرب، وأن توفر له كل مقومات المعيشة الكريمة؛ لكنه رفض لحبه لمصر. وكان الملك المغربي يحضر إلى مصر خصيصًا ويذهب إلى مسجد السيدة نفيسة (جنوب القاهرة) ليستمع منه إلى قراءة القرآن الكريم، وكانا يجلسان بمسجد السيدة نفيسة حتى الفجر، وفي آخر زيارة للملك محمد الخامس بالقاهرة عرض على والدي أن يترك القاهرة ويذهب معه إلى المغرب ليستقر هناك وعرض عليه أحد القصور والجنسية المغربية فاعتذر له الشيخ ووعده بزيارة المغرب، وكان الرئيس الباكستاني يقدر والدي لدرجة أنه عندما كان يسافر إلى باكستان كان يستقبله في المطار بنفسه ويأخذه من يده من سلم الطائرة وحتى القصر الرئاسي».