العالم الإلكتروني يفاقم "غش الامتحانات".. وتربويون يلومون السلوك والأنظمة التعليمية
الوسط - محرر المنوعات
مع دخول موسم الامتحانات في معظم الدول العربية، تتوالى الأخبار بشكل شبه يومي على المواقع الإخبارية متناولة تفشي ظاهرة الغش، سواء المباشر منها أو الإلكتروني. لتفتح الظاهرة بابا من التساؤل حول أسبابها ودوافعها، إضافة إلى محاولات التصدي لها في الوطن العربي.
وحسبما أفادت صحيفة الشرق الأوسط، فإنه وقائع في مصر عن تسرب أسئلة الامتحانات إلى الجزائر، شهدت ضجة مماثلة خلال الأسبوع الماضي، وصولا إلى صورة جرى تداولها كالنار في الهشيم على مواقع التواصل في لبنان لفتيات يتبادلن «شيئا ما» خلف ظهر وزير التعليم إلياس بوصعب، الذي سرعان ما نفى أن تكون الفتاتين تبادلتا ورقة للغش، إلا أن الظاهرة أصبحت واقعا نعيشه في عالمنا العربي بشكل يومي في مواسم الامتحانات.
ويقول تربويون مصريون لـ«الشرق الأوسط» إن ظاهرة الغش في الامتحانات، خصوصا في الدول العربية، تعود إلى عدة أسباب.. وفي حين أن السلوك الشخصي السيئ للطلاب هو جزء أساسي من المشكلة، كما أن ربط مصير الطالب بنتيجة امتحان واحد، يضع على كاهل الطالب أعباء لا يمكن تخيلها، مما يدفعه أحيانا لسلوك دروب غير محمودة من أجل الحفاظ على مستقبله.. إلا أنه لا يمكن إغفال حقائق أخرى، من بينها أساليب ومنهجية التعليم الخاطئة التي تعتمد على الحفظ لا الفهم، إلى جانب تشعب المناهج والمحتوى بما يفوق قدرة الطالب على الفهم أو الإدراك في بعض الأحيان.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية كثيرا من الصفحات التي تنشر صراحة مواد متعلقة بالاختبارات والأسئلة المسربة.. بينما تحاول الحكومات كبح جماح الظاهرة، في مطاردة تشبه القط والفأر، لكنها في النهاية تظل محاولات لمحاربة أشباح على فضاء إلكتروني يتبدل كل لحظة.
وقد شهدت الأيام الأولى لاختبارات الثانوية العامة في مصر واقعة تسرب أسئلة الامتحانات بعد دقائق فقط من توزيع أوراق الأسئلة، ثم نشر الإجابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أسفر عن دهشة واسعة من «سرعة التسرب»، وتبعه فتح تحقيقات واسعة في الواقعة من أجل التصدي لها في الأيام الباقية للامتحانات.. كما حدث الأمر ذاته مع اختبارات الشهادة الثانوية الأزهرية، ولا تزال التحقيقات جارية.
وقالت مصادر بالتعليم المصري إن وزير التعليم الدكتور محب الرافعي، تابع القضية شخصيا، حيث كانت هناك اتهامات بتسرب الأسئلة من داخل الوزارة نفسها. إلا أن محمد سعد رئيس الامتحانات في مصر، أكد لاحقا أنه تم ضبط عدد من الطلاب المتورطين في الواقعة بعد تعقب خط سير التسريبات إلكترونيا.
أيضا، أوردت تقارير إخبارية جزائرية أجواء مشابهة، تسببت في ضجة كبرى وصلت إلى حد فتح تحقيقات عن تسريب الامتحانات. حيث سجلت محاولات غش جماعي واسعة النطاق في اليوم الأول لامتحانات «البكالوريا»، حين أرسل طلاب الأسئلة مصورة عبر الإنترنت إلى مجهولين، قاموا بنشرها مع الأجوبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأعلنت وزيرة التربية الجزائرية نورية بن غبريط في مؤتمر صحافي أن «تسرب مواضيع الاختبارات عبر الإنترنت يعد سابقة خطيرة، وقد تم تحديد هوية شخصين كانا وراء العملية، كما تم تحديد هوية أصحاب الصفحات على موقع (فيسبوك)، الذين نشروا هذه المواضيع، وستتخذ الإجراءات اللازمة بحقهم».
وفي السياق ذاته، تأهبت وزارة التربية التونسية لمواجهة الظاهرة مبكرا، حيث قامت باستخدام أجهزة للتشويش الإلكتروني على مراكز الامتحانات، ومراقبتها عبر الدوائر التلفزيونية، في محاولة للتغلب على عدم التزام الطلاب بإدخال الأجهزة الإلكترونية إلى اللجان، رغم العقوبات المشددة المقررة على المخالفين.
وتثير «مغامرة الطلاب» بما قد يسفر عن عقوبات تعرقل مستقبلهم تساؤلات مشروعة من قبل القائمين على التعليم، لكن كثيرًا من خبراء علوم النفس يقولون إن «الضغوط النفسية الشديدة التي يتعرض لها الطالب، تجعله عرضة لتحدي القانون ذاته من أجل النجاح.. للأسف، فإن أساليب التعليم نفسها هي التي تجعلنا ننشئ مواطنًا قائمًا على الغش، بدلا من التقويم وتأسيس جيل من المحافظين على القيم».
وتتعدد الدعوات المنهجية في العالم العربي لتغيير النظرة النمطية للتعليم والتنشئة، وذلك بالاتجاه أكثر على غرار الغرب نحو المناهج التي تقيس درجة الإدراك وتقيم الفهم وليس الحفظ، والتي أثبتت فشلها عبر عصور. كما أن ربط دخول الجامعات بدرجات شهادة الثانوية العامة وحده، دون اختبارات للقدرات الشخصية للطالب، يتسبب كثيرا في دخول الطلاب إلى كليات لا تلاءم قدراتهم، سواء نتيجة الانتشاء بمجموع مرتفع، أو نتيجة الاضطرار في حالة المجاميع المنخفضة، بحسب الخبراء.