العدد 4511 بتاريخ 12-01-2015م تسجيل الدخول


الرئيسيةالأعمدة
شارك:


شارلي إيبدو... قراءة متأنية

منذ بدأ الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الأسبوع الماضي، نشرت آلاف المقالات والتقارير والصور عن ذلك الحادث، كما تلقت الرئاسة الفرنسية العديد من الاتصالات التي تستنكر الحادث وتقدم التعازي للدولة الفرنسية ولذوي الضحايا. وهذا أمر طبيعي، فالحادث كبير وهو يستحق كل ذلك الاهتمام، لكن عدداً محدوداً من الكتاب - وهم من كبار الكتاب - سبحوا ضد التيار، محاولين إيجاد تبرير لما حدث، ومن خلال قراءة الحدث نفسه، ولكنهم هوجموا كثيراً على آرائهم وحذفت بعض فقرات من مقالاتهم، وتناسى المهاجمون مبدأ حرية الصحافة التي ينادون بها دائماً!

الكاتب الفرنسي الشهير رئيس تحرير دورية «لوموند ديبلوماتيك» آلان غريس، تحدّث عن ذلك الهجوم فقال إن الإعلام سيسارع إلى اتهام الإسلام بالإرهاب كالعادة! وأكد أن من أسباب الهجوم هو إساءة المجلة للإسلام ورموزه، وأيضاً تدخل فرنسا ضد «الدولة الإسلامية»، والتدخل العسكري في أفريقيا وهذا أوجد أعداء لفرنسا. ومثله كتب طوني باربر مقالاً في صحيفة «الفايننشال تايمز» البريطانية - وهي معروفة بمهنيتها الكبيرة - قال فيه: «إن الصحف التي تنشر صوراً مسيئةً للرسول مثل الصحف الدنماركية وصحيفة شارلي إيبدو غبية، لأنها تستفز مشاعر المسلمين وهي توجّه ضربة للحرية». وأضاف: «إن لصحيفة شارلي إيبدو سجلاً حافلاً بالسخرية وإغضاب المسلمين واستثارتهم». أما الكاتب الفرنسي جورج فيدو (وهو ناشط يساري) فكتب: «علينا أن نكون عادلين، فإذا كنا ضد الإرهاب ولسنا ضد الإسلام فما معنى السخرية والاستهزاء من نبي الله محمد؟ ووجّه خطابه لمحرّري الصحيفة قائلاً: «هل كان النبي محمد إرهابياً»؟ ثم وجه سؤالاً للرئيس الفرنسي: من بدأ؟ ألسنا نحن من بدأناهم إعلامياً وعسكرياً؟ نشرنا صوراً مسيئة لنبيهم وأرسلنا طائرات لقتل أبنائهم في العراق.

هذه الصحيفة لم تتوقف عند حد السخرية بالاسلام ونبيه على صفحاتها، ولكنها أرادت أن تفعل أكثر من ذلك، حيث أعلنت أنها ستصدر رواية الروائي الفرنسي ميشال ويليبك «استسلام»، التي تتحدث عن مستقبل الإسلام في فرنسا، وقد تخيّل الكاتب أن المسلمين سيحكمون فرنسا العام 2022، وسيحولون حينها جامعة السوربون إلى جامعة إسلامية، وسوف يجبرون الفرنسيات على لبس الحجاب كما سيبيحون تعدد الزوجات، وسيدرسون القرآن في المدارس والجامعات. وذكر أشياء أخرى هدفها ترويع الفرنسيين والأوروبيين من الإسلام والإساءة للمسلمين في أوروبا كلها!

بطبيعة الحال هناك آخرون عبروا عن مواقف مشابهة رأوا فيها أن الصحيفة هي التي أعطت مبررات كثيرة لأولئك الذين هجموا عليها وألقوا باللوم على الحكومة الفرنسية التي سكتت عن تلك الإساءات المتكرّرة لنبي المسلمين، وهذه الإساءات المتكررة هي التي جعلت بعض الكتاب المسلمين وبعض المغردين يطالبون بعدم الاعتذار عن ذلك الهجوم لأنه ردة فعل طبيعي على تلك الاساءات الكبيرة التي لا يمكن تبريرها أو السكوت عنها. إذاً هناك من حاول إيجاد دوافع لذلك الفعل، وهذه المحاولات لا تعني قبوله للحدث، وإنّما تحاول تفسير الحدث ودوافعه.

إساءات الصحيفة للإسلام تكررت مراراً، كما أن المسلمين في فرنسا لم يسكتوا عن تلك الإساءات، ولكن كل محاولاتهم لمنعها ذهبت سدى، وحجة الحكومة الفرنسية أن فرنسا تكفل الحرية للجميع، وما قامت به الصحيفة يندرج تحت باب الحرية الذي تقدّسه فرنسا، ولكن واقع فرنسا يشهد بشيء آخر مخالف تماماً لما يقال. فالعالم الفرنسي المشهور روجيه جارودي الحائز على جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، ألّف كتاب «الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل»، وقد حوكم بسببه لأنه انتقد وبطريقة علمية بعض المعتقدات السياسية اليهودية، كما حوكم على موقفه من المحرقة اليهودية، مع أنه لم ينكرها وإنما شكّك في أرقامها. وحوكم أيضاً لأنه انتقد «إسرائيل» على جرائمها في لبنان! فأين حرية الرأي التي تدعيها فرنسا؟

كاتب رواية «استسلام» اتهم الإسلام بأنه «أغبى ديانة في العالم»، وعندما رفع المسلمون دعاوى ضده لم تقبل بحجة حرية الرأي التي تكفلها فرنسا لمواطنيها، ولكن هذه الحرية تختفي تماماً عندما ينتقد الصهاينة، ولا تبرز إلا عند الإساءة للإسلام.

إساءة الصحيفة للإسلام عمل مستفز لكل مشاعر المسلمين في العالم، وحكومة فرنسا بسكوتها عنه تعد مشاركة فيه، وكان من واجبها منع تلك الإساءات في وقتها.

إن ما فعلته الصحيفة ليس مبرراً لقتل الفاعلين، فالقتل العشوائي ليس حلاً لأنه قد يتكرّر مرةً أخرى، كما أن الذين ارتكبوا تلك الفعلة ليسوا مخوّلين من المسلمين بارتكاب تلك الفعلة نيابة عنهم! بل إن فعلتهم تلك أساءت للإسلام كما أساءت للمسلمين في الوقت نفسه، خصوصاً أولئك الذين يعيشون في أوروبا، ولا أستبعد أنها قد تسيء للمسلمين في بلادهم العربية والإسلامية، هذا إذا وضعنا الجانب الاستخباراتي في العملية برمتها.

وأتساءل: هل الذين قاموا بتلك العملية هم الأشخاص أنفسهم الذين أعلن عن أسمائهم؟ إذا كانوا هم فعلاً فهل قاموا بها انتقاماً ممن أساء إلى نبيهم ومن دون مؤثرات خارجية سواء أكانوا يعلمون عنها أم يجهلونها؟

هناك مؤشرات ذات دلالات عميقة ينبغي الالتفات إليها، منها أن صحافية فرنسية ظهرت على القناة الفرنسية الثانية ونقلت عن زميلة لها كانت موجودة في الصحيفة وقت الحادثة قالت لها: إن أحد المسلحين وضع سلاح الكلاشنكوف على أنفها وطلب منها أن تقرأ القرآن كي لا تموت وأنها بدأت بتلاوته باستمرار! وقالت إن هذا الشخص عيناه زرقاوان جميلتان! مقالة الصحافية تنسف رواية الحكومة كلها؛ فالذين قاموا بالعملية ليس فيهم أحد ذو عينين زرقاوين، وليس من المعقول أن قاتلاً وفي ظروف عصيبة يطلب من امرأة قراءة القرآن كي لا يقتلها! ومنها أيضاً أن الصحيفة تخضع لحراسة الشرطة فكيف استطاع القاتلان دخول المبنى وقتل ذلك العدد الكبير من الصحافيين والإداريين ومغادرة المبنى دون أن يشعر بهما أحد؟

الصحافة المحلية ذكرت أنها اتصلت بأحد الأخوين هاتفياً وحاورته، فذكر لها أنه من «القاعدة»، وأنه أخذ مالاً من العولقي لقتل الصحافيين! كما اتصلت بالأخ الآخر فذكر أنه من أتباع «الدولة الاسلامية»، وأنه أراد الانتقام ممن أساء للرسول! نعرف أن العولقي مات منذ فترة طويلة، فلماذا تأخر القيام بهذه العملية حتى هذا الوقت؟ ثم إذا كان الأخوان ينفذان مهمة واحدة فكيف يكون أحدهما تابعاً لجهة والآخر تابع لجهة مغايرة؟

هناك مؤشرات أخرى بحاجة إلى وقفات متأنية؛ فالقاتلان مع ثالث وزوجته - كما قيل - هاجموا معبداً يهودياً، ثم استولوا على بقالة يهودية واحتجزوا عدداً من الرهائن. وعلل محتجز الرهائن فعلته بأن اليهود وراء الظلم الذي لحق بالمسلمين ومن أجل ذلك قام بدخول بقالتهم. هذه الحادثة تخدم اليهود كثيراً، خصوصاً أن فرنسا وقفت مع حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، وهذا الموقف أغضب اليهود كثيراً وجعلهم يحتجون لدى الفرنسيين، وقد رأينا كيف استغلها رئيس وزراء «إسرائيل» ودعا يهود فرنسا للهجرة إلى فلسطين. وأعتقد أن تلك الحادثة ستجعل الفرنسيين يترددون في موقفهم السابق من فلسطين، وربما يخضعون لضغوط داخلية من الأحزاب المتطرفة بدعوى كيف تقف فرنسا مع مسلمين متطرفين قتلوا أبناءها؟ فمحصلة هذه العملية غالباً ستكون في صالح «إسرائيل» والأحزاب التي تطالب بطرد المسلمين من أوروبا.

لا أريد أن أكون متشائماً، ولكن تسارع الأحداث يضع أمامي كثيراً من الأسئلة الحائرة، فالمشهد الحالي يذكّرني بما سمعته مراراً من الأمير نايف (رحمه الله)، من أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لا علاقة للقاعدة به على الإطلاق وإنما هو من تدبير الأميركان! ومع أن «القاعدة» اليوم باركت غزوة باريس، ومع أن أحد الفاعلين اعترف بتبعيته للقاعدة، إلا أننى أشك في هذه الرواية وأتساءل: هل هناك أمر مبيت لهذه المنطقة؟

وأخيراً، ومع أنني قلت إن ما فعلته الجريدة جريمة بحق كل مسلم كان يجب على حكومة فرنسا إيقافه، وأن تعللها بالحريات أمر كاذب، إلا أن قتل الصحافيين جريمة ما كان ينبغي أن تحدث، والذي أفهمه أن ديننا يحرم ذلك لأن نتيجة الفعل إضرار كبير بالمسلمين، وهو ضرر أكبر بكثير من أية مصلحة قد تتحقق.



أضف تعليق



التعليقات 5
زائر 1 | نحن سبب نشر التعصب في العالم 10:12 م تلك الدولة التي تعرفها تصرف المليارات وشعبها جائع لنشر الديمقراطية وهي لا تملك أدنى متطلباتها من حرية تعبير ومشاركة في الثروة والقرار هي من سهل للمتشددين بدء من الجهاد في افغانستان حتى تدمير سوريا والعراق وليبيا بحجة قتل مواطنين هذه الدول من قبل حكامهم وهي تنصرهم وتدعمهم لنشر ديمقراطية زائفة ونقول علاج التشدد يبدأ من تلك الدولة وتحجيم مؤسستها الدينية لكي ينشر التعايش السلمي وعدم تكفير الاخر هذه وجهة نظري قد تصيب وقد تخطأ رد على تعليق
زائر 2 | من السبب فى ذلك 11:45 م للإسف السبب التيارات والحركات المنحطة مثل داعش وأخواتها أهم السبب وهم من أعطى الاوباش حجة بالإستهزاء بالإسلام .والإسلام منهم برئ قتل تهجير قطع رؤوس هذا هو الإسلام؟؟؟؟ لعنة الله على الكافير المنافقين المستسلمين رد على تعليق
زائر 3 | كله زي بعضه 12:17 ص صاحب الجريده هو من نفس صنف المهاجمين هو سلفي لبرالي وهم سلفيون مسلمون واغلب الزعماء السائرين في المسيره هم اما ارهابيون ومجرمي حروب واما دكتتاريون ساحقين لشعوبهم اذا مالفرق ؟ الفرق فقط من يستفيد من الحدث اعلاميا وسياسيا وبدون استثناء لتنفيد اجنداتهم اما لقمع وسحق شعوبهم او الشعوب المستضعفه رد على تعليق
زائر 4 | قال الامام علي: " انما هو سب بسب أو عفوٌ عن ذنب" 12:54 ص عندما قام أحد الخوارج بسب الامام علي في المسجد بين الناس و اراد اتباع الامام قتل ذلك الخارجي رفض عليٌ ذلك و قال كلمته ( إنما هو سب بسب أو عفوٌ عن ذنب )، و هكذا يجب التعامل مع الصحيفة أن نواجه الكلمة بالكلمة لا بالرصاص و التخلف الاخلاقي.
هذه صحيفة ساخرة نالت من المسيحيين و البوذيين و اليهود و المسلمين، و لكن لم نسمع أي من هؤلاء تبنى أو برر هجوم دموي بربري على الصحفيين المدنيين الذين لا علاقة لهم بقرارت الدولة العسكرية ! رد على تعليق
زائر 5 | 7 5:11 ص بسبب افكاركم البغيضة رد على تعليق