الإرهاب وثقافة قطع الرؤوس... الجذور!
الحديث عن الإرهاب قديم ولكنه ازداد كثيراً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة. والحديث عن قطع الرؤوس وما تلاه من تعليقات على تلك الأفعال وبشاعتها بدأ مع «داعش» (الدولة الاسلامية)، التي قامت بعدة عمليات قطع كان بعضها مصوراً وتم عرضه في بعض القنوات التلفزيونية ولقي استهجاناً كبيراً من الجميع نظراً لبشاعته، وأيضاً لمخالفته قواعد الشرع وضوابط الأعمال الإنسانية المعروفة.
حاول الأميركان وبعض مؤيديهم من الغربيين ومن العرب أيضاً، ربط هذه الثقافة المتوحشة (ثقافة قطع الرؤوس) بالمسلمين، وادّعوا أن المسلمين وحدهم هم من يمارس هذه الأعمال الوحشية، وقد استغلوا ما قامت به «الدولة الاسلامية» عندما قطعت بعض الرؤوس علناً أسوأ استغلال، حيث ربطوا الإرهاب بكل مساوئه بالمسلمين. وأعتقد أن قطع تلك الرؤوس هو الذي ساعد أميركا كثيراً على حشد عدد كبير من الدول لحرب «داعش» كما قالوا!
لكن التاريخ ووقائعه وأحداثه تؤكد أن الأوروبيين والأميركان هم من بدأ ومارس تلك العادات السيئة، وهم أيضاً من مارس الإرهاب بكل تفاصيله وأنواعه؛ وقد أشار نعوم تشومسكي، وهو واحد من أكبر علماء أميركا وفلاسفتهم، بل هو ظاهرة عالمية بحسب وصف «نيويورك تايمز»، وهو أميركي يهودي ولكنه يميل إلى الانصاف والواقعية ولهذا فهو غير محبوب في بلده وأيضاً في «إسرائيل»، يقول تشومسكي إن أميركا بلد إرهابي بحسب تعريفها للإرهاب، فهو «التهديد أو استخدام العنف لتحقيق غايات سياسية أو دينية أو غير ذلك من خلال تخويف الناس ونشر الخوف في صفوف المدنيين وما إلى ذلك». ويضيف: «عندما نقارن بين ما تفعله أميركا عسكرياً في العراق وأفغانستان واستخدامها فلسفة (الصدمة والرعب) وبين ما تفعله حليفتها «إسرائيل» سنجد أنهما يمارسان الإرهاب بطاقته القصوى ضد المجتمعات والشعوب في العالم».
والمعروف أن أميركا مارست حرباً شرسة ضد الفيتناميين وقتلت منهم عشرات الآلاف. وفعلت الشيء نفسه في العراق وفي أفغانستان، كما أنها ساهمت مع «إسرائيل» في قتل آلاف الفلسطينيين، ومازالت تدعمها لقتل الشعب الفلسطيني وقلعه من أرضه! وأميركا فعلت كل ذلك بحجة محاربة الإرهاب والعنف في العالم. والكل يدرك أن ما تقوله أميركا لا صحة له على الإطلاق؛ وإلا لماذا صمتت عن جرائم بشار الأسد وكذلك جرائم الصهاينة في غزة وغيرها من الجرائم التي يتعرض لها المسلمون في أماكن كثيرة؟
ويروي جون سمث، وهو واحد ممن ترجم ما كتب عن أفاعيل الأميركان بالهنود الحمر (سكان أميركا الأصليين) وذلك خلال معركة «ساند كريك»، فقد ارتكب الجنود الأميركان أفظع مجزرة في الهنود الحمر حيث هشموا جماجمهم وسلخوا جلودهم وقلعوا أدمغتهم، كما بقروا بطون الحوامل وعذّبوا الأطفال وفصلوا الرؤوس عن الأجساد! ومع هذه الوحشية فقد احتفل الأميركان بهذه المجزرة وأشاد بها الرئيس الأميركي تيودور روزفلت وأثنى على شجاعة جنوده، واعتبر أن القضاء عليهم ضرورة ملحة!
وكما تحدث التاريخ عن فظائع الأميركان فقد تحدّث أيضاً عن فظائع الفرنسيين زمن احتلالهم للمغرب العربي، فعندما دخلوا قرية اكواري في إقليم مكناس قطعوا رؤوس الأهالي وكانوا يضعونها على شاكلة رؤوس الحيوانات التي يصطادونها، وقد عملت فرنسا من صور هذه الرؤوس طابعاً بريدياً، وكان ذلك في العام 1949، وفي العام 1957 كرّر الفرنسيون فعلتهم الشنعاء ولكن هذه المرة كانت في الجزائر حيث كانوا يقطعون رؤوس الجزائريين ويلتقطون صوراً لهم وهم يحملون بعض تلك الرؤوس! وقد شارك الأسبان في حفلات قطع الرؤوس وكان ذلك مع المغاربة وكانوا يحملونها بأيديهم بعد قطعها!
إذاً ثقافة قطع الرؤوس بدأها الأميركان والغربيون وعلى نطاق واسع وبتشجيع من حكوماتهم، وأما الدواعش فقد كانوا تلامذة صغاراً على موائد الأميركان والغرب، كما أن أفعالهم وجدت استنكاراً كبيراً من المسلمين بعكس ما كان موجوداً عند دعاة حرب الإرهاب قديماً وحديثاً؛ فقد توغل أولئك في الإجرام وبكل صنوفه؛ قتلوا وقطعوا الرؤوس وبقروا بطون الحوامل واغتصبوا النساء وفعلوا أكثر من ذلك؛ ولم يتوقفوا عن ارتكاب فظاعاتهم حتى الآن. إن حصار العراق زمن صدام تسبّب في موت حوالي مليون طفل، كما أن حصار غزة حالياً تسبب وسيتسبب في موت الآلاف، فوق أن الأمراض والفقر والبطالة ستصبح هي الأصل في غزة، يحدث كل ذلك برضا ومساعدة الأميركان وبعض دول الغرب! ألبس هذا إرهاباً بكل معنى الكلمة؟ أليس قتلاً للأبرياء؟ هو كذلك كما قال نعوم تشومسكي: «إن القتل الغاشم للمدنيين الأبرياء هو إرهاب وليس حرباً على الإرهاب».
الأميركان وحلفاؤهم بيدهم مكاييل عدة، وهم يكيلون بحسب أهوائهم؛ فالذي لا يوافق أهواءهم فهو إرهاب يجب محاربته وحشد الآخرين ضده، أما الذي ينسجم مع مخططاتهم وأهوائهم فهو عمل جليل يستحق الإشادة والتبجيل، وذلك على غرار دفاعهم عن جرائم الصهاينة في غزة، وصمتهم عن جرائم بشار الأسد وما شابه ذلك من الجرائم التي يغضون الطرف عنها أو يقفون مع فاعليها. أما الحجج والتبريرات فهي جاهزة، وما على الآخرين إلا القبول والسير في ركاب الأميركان!
لا نعذر «الدواعش» على ارتكاب المجازر بأي صورة، ولكننا لا نقبل القول بأن الإسلام دين الإرهاب، ولا بأن المسلمين أرهابيون، لأننا لو أجرينا مقارنة سريعة بين ما فعله الغرب والأميركان وبين ما فعلته «داعش»، لوجدنا أن الفارق هائل بين الاثنين؛ ستكون «داعش» مجرد تلميذ صغير مبتدئ أمام الإرهاب الغربي والأميركي! ومع هذا كله لم يقل المسلمون إن الديانة النصرانية ديانة إرهابية، ولم يقولوا أيضاً إن كل الغربيين وكل الأميركان إرهابيون، وهذا يؤكد أن المسلمين أكثر إنصافاً واعتدالاً من غيرهم.