وزير دفاع بريطانيا: كيف نفهم أقواله؟
أنا ممن يؤمن أن من حق كل دولة أن تدافع عن مصالحها، وإذا كان العرب دائماً ما يتحدثون عن الجرائم التي ترتكبها أميركا وإسرائيل بحقهم، فإنني أعتقد أنه لولا تخاذلهم وتفريطهم بحقوقهم ما كان بإمكان تلك الدولتين أن تفعلا شيئاً ضدهم، فالتفريط أو التخاذل هو السبب فيما يصيب بعض بلادنا من الآخرين وليس السبب هم الآخرون الذين يبحثون عن تحقيق مصالحهم بأي وسيلة مهما كانت.
من هذا المنطلق قرأت تصريحات وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون التي أطلقها في كلمة له في البحرين أثناء انعقاد فعاليات حوار المنامة قبل بضعة أيام، فالوزير البريطاني قال: «إن بريطانيا تنوي توسيع وجودها في البحرين»، ولعله كان يقصد توسيع القاعدة البحرية البريطانية في البحرين لتضم عدداً من بحرية الأسطول البحري البريطاني، وعلل الوزير أن أسطول بلاده البحري سيساعد على تعزيز الاستقرار في المنطقة، وأشار إلى الوضع في العراق كما حث على إجراء مصالحة بين السنة والشيعة والأكراد، وذكر أن بلده قد تتدخل عسكرياً وبشكل مباشر في المنطقة طالما اقتضت مصالحها ذلك، وكذلك مصالح حلفائها، وفي نهاية كلمته خاطب الحاضرين بقوله: «ادرسوا التاريخ ففي التاريخ تجدون أسرار بناء الدولة كافة».
بريطانيا كما نعرف كانت تحتل عدداً من دول الخليج هذا إضافة إلى احتلالها عدداً من الدول العربية وغير العربية، بل إنها كانت تحتل أميركا وأجزاء واسعة من كندا والهند وغيرها، ولكن هذه الدولة التي كانت لا تغيب عنها الشمس شاخت بفعل أسباب كثيرة واضطرت للانسحاب من كل الدول التي استعمرتها بما فيها دول الخليج، ولكنها - فيما يبدو - مازالت تحن إلى التوسع وإن كان بطرق مغايرة وأساليب ملتوية شأنها شأن القوى الكبرى المتواجدة على الساحة الآن.
في دول الخليج أكثر من قاعدة أجنبية ولأكثر من دولة، وتذكر بعض الإحصاءات أن عدد الجنود الأجانب في الخليج نحو خمسين ألفاً معظمهم من الأميركان، ويبدو أن تعليل تواجدهم في المنطقة كما يقال هو الحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها، ثم برزت أخيراً فكرة محاربة الإرهاب بكل صورها وأشكالها.
تصريحات وزير دفاع بريطانيا تحتاج إلى وقفات لعلي أشير إلى بعضها، فقضية وجود قاعدة في البحرين أمر قد يكون في صالح البلدين؛ فالبحرين تتعرض لتهديدات إيرانية بين وقت وآخر؛ صحيح أن ايران لم تقم بأي عمل على الواقع ضد البحرين، ولكن بعض قادتها مازالوا يطلقون تهديدات مسيئة ومزعجة للبحرين، هذا إضافة إلى الصناعة النووية الإيرانية والتي يرفضها الغرب إلى جانب أميركا وإسرائيل ومعهم الدول الخليجية - قناعتي أن من حق إيران امتلاك سلاح نووي حربي مادامت إسرائيل تملكه - وأيضاً الإرهاب المنتشر في المنطقة ومحيطها قد يصل إلى البحرين ولهذا فمن حق البحرين حماية أمنها واستقرارها ووجود قاعدة بريطانية ضمن اتفاق يضمن مصالح الطرفين قد يساعد على تأمين هذه الحماية، ولكن تمادي الوزير في الحديث عن حق بلاده في التدخل العسكري المباشر في المنطقة طالما اقتضت مصلحة بلاده ذلك أمر يدعو إلى العجب والاستغراب؛ فعن أي حق يتحدث؟ ومن يحدد هذا الحق وكيف؟ وهل ستكون هذه القاعدة منطلقاً للتدخل في الشأن الخليجي أو العربي؟ هذا التصريح بحاجة إلى إيضاح دقيق من الوزير أو سواه.
أما حديث الوزير عن أهمية الصلح بين مكونات الشعب العراقي فهو مثير للسخرية؛ فالشعب العراقي قبل الاحتلال كان شعباً واحداً بكل مقوماته ولم يفسد تماسك هذا الشعب إلا الاحتلال الأميركي والاحتلال البريطاني على حد سواء، ولو كان هناك عدالة في هذا العالم لتم التحقيق مع مسئولي هاتين الدولتين عن الجرائم الرهيبة التي حدثت في العراق، ولا أظن أن الوزير يجهل ذلك، وعليه أن يدرك أن خروج المحتل هو الذي سيعيد الشعب العراقي إلى ما كان عليه قبل الاحتلال، فهل يستطيع الوزير إقناع الأميركان بالخروج الكلي من العراق؟ الوزير البريطاني طالب الحضور بدراسة التاريخ لمعرفة أسرار بناء الدولة، وظني لو أنهم درسوا التاريخ لعرفوا حجم الجرائم التي ارتكبها قومه في حق العرب والمسلمين ومن الخير له أن لا يدرسوا ذلك التاريخ المرعب، ويكفي أن بلده هي التي سلمت فلسطين لليهود، ثم سكتت ومازالت تسكت عن جرائمهم البشعة ضد الفلسطينيين.
حوار المنامة حضره الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني، وقد تحدث الزياني عن لم شمل دول الخليج وأهمية ذلك، وبطبيعة الحال كلنا فرحنا بذلك الصلح، وكم كنت أتمنى لو أن الزياني عمل على وضع خطة عملية تجعل دول الخليج تستغني عن القواعد الأجنبية كلها وتؤسس لها جيشاً قادراً على حمايتها بدلاً من الاعتماد على غيرها مهما كانت درجة هذا الاعتماد، وقطعاً دول الخليج قادرة على ذلك لو توافرت النية لأن الامكانات متوافرة. عندما نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع ونعتمد على ذواتنا في الدفاع عن أوطاننا، عندها نستطيع القول إننا تحررنا من عبودية الغير واستغلاله.