جريمة الاحساء... فشل للإرهابيين ونجاح للوطن
كان حادثاً مأساوياً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فقد هز الحادث الإجرامي الذي قام به عددٌ من الإرهابيين ليلة الثلثاء الماضي ضد مجموعة من أهالي الأحساء... وأسفر الحادث -وقت كتابة المقال- عن مقتل ستة من أهالي الأحساء وجرح عدد آخر قيل إن جراح بعضهم خطيرة.
رواية الناطق الرسمي لشرطة المنطقة الشرقية ذكرت أن الشرطة قبضت على المجرمين في صبيحة اليوم التالي، كما أن الشرطة قبضت على مجموعة أخرى في شقراء. وفي الخبر قالت إن لهم علاقة بحادث الأحساء، وهذا العمل يحسب بصورة جيدة لشرطة الداخلية ورجال أمنها بصورة عامة، حيث أثبتوا قدرتهم الفائقة على الحفاظ على الأمن لكافة المواطنين في كل أرجاء البلاد.
هذه الجريمة البشعة لابد أن تقود إلى مجموعة من الأسئلة والوقوف عندها ملياً، لكي نحاول إيجاد إجابات لها، لعل ذلك يقود إلى القضاء على هذا النوع من الجرائم أو التقليل منها على أقل تقدير. وقبل ذلك لابد لي من القول: إن هؤلاء المجرمين أخطأوا الطريق وأثبتوا أنهم أغبياء إلى حد كبير، فالإحسائيون ومنذ زمن طويل عاشوا معاً وبكل طوائفهم بصورة مثالية، لا تجد بينهم عداء أو حقداً، بل إن التعايش والتعاون والمحبة كانت هي عنوان حياتهم وعلى مدى قرون عديدة. ولهذا فإن هذا الحادث لن يغيّر هذا الواقع على الإطلاق، وهذا ما ثبت منذ الدقائق الأولى من ارتكاب الجريمة، وما ظهر بصورة أكثر وضوحاً وجلاءً بعد ذلك.
فعلى المستوى السني أظهر المواطنون السنة وبكل فئاتهم تعاطفاً مع أهالي الضحايا؛ قالوا ذلك وفعلوه أيضاً، ولا شك أن الأيام القادمة ستظهر مناحي متعددة من المحبة بين السنة والشيعة في المنطقة. كما أن هيئة كبار العلماء وعلى لسان أمينها العام، وبعد زمن قصير من الحادث الإجرامي، أكّدت أن ذلك الحادث يعد حادثاً إجرامياً آثماً، وأنه اعتداء آثم وجريمة بشعة يستحق مرتكبوها أقصى العقوبات الشرعية، وذلك لما انطوى عليه من هتك للحرمات المعلومة بالضرورة من هذا الدين، إذ فيه هتكٌ للنفس المعصومة، وكذلك هتك للحرمات وللأمن وللاستقرار.
أما على المستوى الشيعي فقد صدر بيان من مجموعة من العلماء والمثقفين من الإحساء استنكروا فيه الجريمة، وأكّدوا أنه لا علاقة لإخوانهم السنة بها، وإنما من فعلها هم مجرمون أساءوا للسنة مثل ما أساءوا للشيعة. كما أكدوا أن تلك الجريمة لن تؤثر على علاقتهم بإخوانهم السنة الذين عاشوا معهم قروناً على أحسن حال. وهذا ما أكّده كل الشيعة في المنطقة الشرقية من خلال ما قرأته أو سمعته، وكل ذلك يؤكد على وعي الجميع لأهمية التلاحم بين كل مكونات الوطن الواحد.
وكما قلت فإن هذا الواقع يؤكد جهل وغباء المجرمين الذين ظنوا أنهم بجريمتهم سيؤثّرون على وحدة الوطن وأبنائه، لكنهم جهلوا فخابوا وخسروا، وبقي الوطن بكل أبنائه هو المنتصر، وهو الشامخ، وسيبقى هذا التلاحم هو الأبقى إن شاء الله.
هذه الحادثة أفرزت أسئلة عديدة وهي ليست كلها وليدة هذا الحادث، فبعضها كان يتكرّر كثيراً وفي مناسبات متعددة؛ فهناك من يسأل: من الذي دفع هؤلاء لارتكاب هذه الجريمة؟ هل هم بعض المشايخ المتعصبين؟ أم هي المناهج التعليمية؟ أم أن للقنوات التحريضية أثراً في هذه الحادثة؟ وهناك من يسأل: هل التحريض المذهبي الشيعي في القنوات الشيعية كان ردة فعل لهذه الجريمة؟ أم أن ما يحصل في العراق وسورية من قتل متبادل بين السنة والشيعة هو الذي أفرز هذا التطرف؟
أسئلة كثيرة يطرحها هذا الطرف أو ذاك، وفي ظنّي أنه من الصعب تحديد سبب واحد دفع لارتكاب هذه الجريمة، فمثلها يحتاج لمبررات كثيرة! ولكن علي أولاً وقبل كل شيء، أن أؤكّد أنه لا يمكن تبرير الجريمة ولا الدفاع عنها تحت أي ظرف مهما كان، ولكننا عندما نرى جريمة بهذا الحجم وعندما نخشى تكرارها لابد من التفكير في الأسباب التي قد تكون وراءها، لعلنا نحاول إزالة تلك الأسباب لكي لا تتكرّر الجريمة مرةً أخرى!
وهنا أعود إلى القول: إنني أرى أن كل ما أشرت إليه قد يكون كله أو بعضه سبباً لحدوث الجريمة؛ فالتحريض قد يكون سبباً، والتحريض هنا قد يمارسه أشخاص أو إعلام أو كتب أو ما شابه ذلك من وسائل أخرى.
وأمام ذلك كله يأتي السؤال: ماذا يجب علينا فعله في بلادنا؟ سيقول البعض: يجب إيقاف التحريض! حسناً... ولكن كيف؟ ستكون الإجابة الطبيعية: لابد من سنّ قوانين تعاقب على التحريض، وكذلك منع الكتب المحرّضة من دخول أسواقنا! هذا كله جيد، خصوصاً إذا طبّق على كل الأطراف، ولكنه في رأيي لا يكفي!
وفي رأيي أننا بشكل عام يجب أن نرفض التحريض، فإذا رأينا، سنةً أو شيعة، من يحرّض ضد أحدنا سواء من قنوات أو غيرها، أن نتحد لمقاضاة فاعله إذا كان ما يقوله كذباً وزوراً. وهنا لابد من سنّ قوانين تفرض النظر في هذه الموضوعات وتضع عقوبات على مرتكبها.
أعرف أن القوانين لا تكفي وحدها، كما أعرف أن العقوبات أيضاً لا تكفي، فالذين يرتكبون الجرائم يضعون في حسبانهم أنهم قد يعاقبون ومع هذا يرتكبونها وعن قناعة، ولهذا فإن عنصر التعليم والتثقيف وبمشاركة الأسر ودور العبادة، يجب أن يكون لها دور في تخفيف حدة الاحتقان بين طوائف المسلمين، لكن هؤلاء لن يشاركوا في تحقيق هذا الهدف ما لم يؤمنوا أن مصيرهم واحد، وأنهم يركبون سفينةً واحدة، وأن من مصلحتهم المشتركة أن لا يسيء بعضهم لبعض! لكلٍّ أن يعبد الله كما يحب، لكن على كل أن لا يفعل ما يسيء إلى شريكه في الدين وفي الوطن.
العزاء أقدّمه لأهالى الموتى، وأسأل الله لهم الرحمة والجنة، كما أسأل الله الشفاء للجرحى، وأحمده أن جعل الجميع يتسامون على جراحهم، فالمصيبة عامة لكن الوطن أكبر، فنحن جميعاً نعيش تحت ظلاله، فلنحافظ عليه، أما المجرمون فسيلقون جزاءهم دون شك.