والقبر يسأل: لماذا ماتت الأم والجنين؟
الحياة جميلة، وأجمل لحظة نعيشها عندما نزرع الأمل في عيون المعدمين من بني البشر، عندما نخلق لهم ضوءا في عتمة الاحباط والظلام، عندما نوفر لهم الخبز ساعة دقات أجراس الموت والجوع، وساعة توحش الألم، عندما ينبجس الوجع من جراحنا الساخنة. كل يوم نكتشف دمعة محبوسة في عش، أو جوعاً منتصباً في خيمة، أو آهة متدثرة في فراش جريح مكلوم أو فقير معدم.
ليس للأوجاع نهاية، وليس للآلام حدود. طبيعة الحياة تقتضي- مادام هناك جشع وأنانية - أن يكون هناك معدمون وحفاة. وهنا يجب أن يحدد الإنسان أين يكون؟ هل مع شعار الخبز، أم الخبز ونفسه، وشتان بين الاثنين. بالامس صرح جلالة الملك عن أهمية إسراع بناء الوحدات الإسكانية، والتعجيل في الأمر. هذه خطوة مهمة. إننا نستطيع أن نحاصر الجوع، والوجع كلما عملنا على تأهيل الناس اقتصاديا، لأن الجوع في بعض البيوت يقاس بالأمتار، والبحريني لا يريد إلا خبزاً وعملاً مناسباً وحياة كريمة. هذا ما أشاهده عندما أدخل بيتاً معدماً لأية عائلة بحرينية وقبل اسبوع اتصلت وزارة الأشغال الإسكان مشكورة بالعائلة التي تحدثت عنها من مني (السنابس الشرقية) كي يتم تهيئة شقة مناسبة لها، وهنا نشكر الوزارة على هذا الاهتمام، لكني اليوم أريد التحدث عن موضوع الادمان على المخدرات وعن ناقوس الخطر الذي بدأ يدق. هل سمعتم عن حادث مدينة عيسى عندما ترصد اثنان من المدمنين بامراة - وهي بالمناسبة حامل - إذ كانت بجانب الصراف الآلي، فبعد انتهائها من سحب المال جاءا إليها وانتزعا الحقيبة، فسقطت على الارض ما أدى الى وفاتها ووفاة الجنين. بعد ذلك تم القبض على هذين الشخصين.
الحوادث كثر، وهنا أناشد وزارة الصحة الاسراع في فتح الطابق العلوي لمركز المؤيد لعلاج مدمني الكحول والمخدرات لتدارك ما يمكن تداركه. الادمان نهايته لا تتغير: السجون والمصحات والموت، والشاطر هو الذي يفلت من المحطة الثالثة. بعض الشعارات التي تكتب في الشوارع العامة تحتاج إلى لغة جديدة تستخدم الآن في كثير من البحوث الدراسية المتخصصة في معالجة المدمنين سيكولوجيا. مثل «كن مع الفائزين»، «استسلم لكي تفوز»، «كل يوم بيومه»، «منشأ الضرر الجرعة الأولى»، «الادمان مرض وليس عاراً»، «فكر فكر فكر قبل أول جرعة»، «يوجد أمل لفاقدي الأمل»، «استبدال نمط قديم بنمط جديد»، «حياة ملؤها الأمل»، «أنا لا استطيع ولكن نحن نستطيع»، «جرعة واحدة لا تكفي وآلاف الجرعات لا تشبع»، «الامس ماض، الغد غيب، اليوم واقع»، «التواضع اساس التعافي».
أقول: وجدت إلحاحا كبيراً من عوائل كثيرة بحرينية على سرعة افتتاح الطابق العلوي لوحدة المؤيد، وطلبوا أيضا بناء مركز نموذجي، وهذا يعكس أهمية هذا الملف، وتفاعل الناس فيه. كلنا أمل في تحقيق ذلك. اطلب من وزارة الصحة توفير أسرة لوحدة المؤيد، فأعداد قائمة الانتظار في ازدياد، ولا نريد فقد أي شاب بحريني نستطيع أن نصنع له حياة جديدة. نتمنى النظر في هذا الأمر، والقضية لا تتحمل التباطؤ.
ختاما، بالنسبة لبعض القراء يطرحون عليّ أسئلة كثيرة عن اشكالات فكرية وسياسية أتناولها عبر عدة مواقع وقد طرحت الاجابة عليها عبر حوار صريح في قناة «الحرة»، ستعرض الليلة الساعة العاشرة وعشر دقائق. وقاعدتي في الحياة: ليس هنالك عصمة في السياسة وعالم الأفكار البشرية، ورأيي خطأ يحتمل الصواب ورأي غيري صواب يحتمل الخطأ، واختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية