وجدوه ميتاً في (خيشة) على الكورنيش
سؤال مهم: هل هم بشر أم وحوش؟ هل هم مواطنون أم غرباء؟
السؤال لا يشمل فقط مدمني المخدرات، أو المتعافين منهم، وانما حتى أصحاب الإعاقات الخاصة، الصم والبكم، وكذلك من يعيشون تخلفاً عقلياً، أو المصابين بمرض التوحد. بالأمس دعتني سوسن الشاعر لزيارة مركز الرحمة لرعاية الشباب، وهناك التقيت أيضاً بمديرة المركز نادية البكر (قمة في العطاء الإنساني ومثال حي للمرأة البحرينية المجاهدة لأجل هؤلاء الأطفال المحرومين). شعرت هناك بأن الحياة مازالت بخير ونحن نرى أناسا يسعون لخلق ابتسامة على محيا المعذبين في هذه الأرض وسأتكلم عن ذلك لاحقاً وأهمية دعم هذا المركز العظيم.
أقول: هل هؤلاء بشر؟ ان كانوا بشرا فهل هنالك موازنة ترصد لهم، أم كل ما يعطون هو من موازنة الاستثناء وليس القاعدة والأصل؟ هل فتات الموازنة تكون لصالح المعوقين والمدمنين والمتخلفين عقلياً؟
بالنسبة للإدمان على المخدرات فارجعه إلى عدة أمور. مسئولية تقع على الحكومة بسبب بعض الفقر المتكدس في القرى والمدن، وجزء منه يقع على الأسرة، إذ غياب الوعي التربوي، وجزء على الخطاب الإسلامي الذي مازال خطابه لم يتغير منذ 500 عام على رغم تغير الوسائل والعالم. الخطاب ما عاد يستثير أهمية الشباب لرتابته، ولركاكته، وغياب المادة العلمية والبرنامج المتغير فيه. كفاية تبرعات لبناء مساجد، إننا بحاج إلى بناء مركز لتأهيل هؤلاء.
بالأمس مكثت أقرأ بعض الأرقام والإحصاءات عن عدد الموتى من الشباب البحريني بسبب المخدرات فشعرت بالحزن لأننا كلنا هرولنا للسياسة ونسينا الاقتصاد وآلام الناس وأوجاعهم.
في قرية واحدة فقط توفي عدد كبير من الشباب البحريني. م عمره 24 عاماً، ح 26 عاماً، ص 28 عاماً، ب 35 عاماً، م 35 عاماً، ج 36 عاماً ،ر 40 عاماً وب 40 عاماً ،من قرية شمالية توفي شاب عمره 19 عاماً تعاطى حبوبا بكمية كبيرة ففارق الحياة. هؤلاء زهور قطفت بسبب الإدمان والاهمال العام. اهمال أحياناً بسبب الإعلام وأحياناً بسبب الأسرة وتارة بسبب المجتمع، وأحياناً لغياب المنابر الجادة والواعية والعلمية، وأحياناً تشترك كل هذه المواقع في اهمال هؤلاء الشباب. انها قضية تستحق الدراسة والوقوف بحزم لمعرفة حجم الخطر الذي يحدق بأبناء البلاد.
صور مؤلمة متناثرة في طول البحرين وعرضها، زهور تذبح بسكين الإدمان كل صباح، وقناديل ملقاة بلا ضوء، تارة امام شارع مهجور أو خربة بلا سكني، بعضهم يرحل تاركاً وراءه أطفالاً يسألون عن آبائهم فيجيبهم الزمن المر: كتب الله عليكم اليتم فعيشوا بؤساء. من هؤلاء؟ انهم شباب انجبتهم أرض البحرين نخيلاً وأشجاراً لكن شبح الفقر، وسكين المجتمع، وخنجر الخديعة احتوشتهم جميعاً، انهم من ذات الأرض، وذات التاريخ بيد أنهم اقتطعوا اقتطاعا ودسوا في حفر الاهمال.
كيف تكون حال أم ترى ابنها مغلفا في (خيشة) عند الكورنيش؟ ما حال اب يسمع عن ابنه ان شبابا جاءوا بابنه وألقوه ميتا عند (باركات) مجمع السلمانية الطبي، وآخر ملقى على شاطئ بلاج الجزائر، وآخر عثر عليه ميتا في خربة وآخر في بستان. متعاطٍ مات شنقا، تاركا وراءه زوجته المسكينة ذات التاسعة عشر ربيعاً. أم بحرينية عندما يمر عليها العيد يبدأ ألم الحزن يخيم عليها لأن ولدها مات في يوم عيد. لا أحد من أبنائها يستطيع أن يهنأها بأي عيد حتى لا يذكرها بالمصاب. هؤلاء هم أبناؤنا شئناً أم ابينا، ان أخطأوا يجب أن نساعدهم لنردهم إلى طريق الهداية والإصلاح، ان لا نكون نحن والزمان عليهم. بعضهم ضحايا أنفسهم والكثير منهم ضحايا للفقر والاهمال وقساوة ورعونة المجتمع. أعرف شابا انحرف بسبب قساوة المجتمع اكتشف عنده راديو قبل 30 عاماً فطرد من منزله إلى أن سقط ضحية إدمان الكحول وضاع مستقبلة الدراسي. سؤال نقدمه للجميع: هؤلاء رحلوا من لأبنائهم، لأمهاتهم، لزوجاتهم؟ أتمنى من المجلس الأعلى للمرأة أن ينظر إلى البحرينيات أزواج هؤلاء والأرامل ويدعمهم في كل شيء بتشريع القوانين، وباقتطاع حصص لهم من الموازنة العامة بالنسبة للوحدات السكنية. وأنا من مؤيدي اشراك الزوجة في ملكية الأرض الإسكانية، فالأرض لا تعطى له الا لكونه متزوجاً. علماء النفس يقولون: إن من الأسباب التي تدفع الطفل للانحراف: الفقر، التفكك الأسري، العنف الأسري، الحرمان العاطفي، عدم شعور الطفل بالانتماء، الكبت. دعونا نوقد شمعة بدلاً من لعن الظلام