العدد 3233 بتاريخ 14-07-2011م تسجيل الدخول


الرئيسيةالأعمدة
شارك:


الذكرى الأولى لرحيل المرجع الكبير

عامٌ مضى على رحيل المرجع الدِّيني الكبير آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله قدّس الله روحه الشريفة، ولا زال الحزنُ يسكنُ في قلوب المحبِّين والعاشقين.

عامٌ مضى ولازال هذا الرجلُ العظيمُ حاضراً في ذاكرة الأمَّة بكلِّ فكره وعلمه وتقواه وخلقه وسيرته وعطائه وجهاده.

لقد شكَّل تاريخاً لا يمكن أن يُمحى في مسيرة الزَّمن. كان عنوانَ مرحلةٍ سوف يبقى متميِّزاً وبارزاً، هكذا عَبْرَ التاريخ هناك رجالٌ يمثِّلون عناوين مرحلة عاشوها وطبعوها بكلِّ وجودهم وعلمهم وعطائهم، فالشيخ الطوسي يُمثِّل عنوانَ مرحلة، والعلاّمة الحلِّي يُمثِّل عنوانَ مرحلة، والشيخ الأنصاري يُمثِّل عنوانَ مرحلة والسَّيد الإمامُ الخميني يُمثِّل عنوان مرحلة، والسَّيد الشهيد محمد باقر الصدر يُمثِّل عنوانَ مرحلة، فكذلك السَّيد محمد حسين فضل الله يُمثِّل عنوانَ مرحلة.

وحينما نتحدَّث عن هذه النماذج، كونها تُمثِّل عناوين مرحلةٍ لا يعني أنَّها مِلكٌ لتلك المرحلة، بل مفتوحة على حركة الزَّمن والتاريخ والأجيال.

ما كان السيد محمد حسين فضل الله رجلَ فقهٍ فحسب بل كان رجلَ فكرٍ، ورجلَ أدبٍ، ورجلَ قلمٍ، ورجلَ منبرٍ، ورجلَ سياسةٍ، ورجلَ حوارٍ، ورجلَ جهادٍ، ورجلَ تجديدٍ.

لكي نقرأه هناك منهجان، المنهج الأول: القراءة المجزَّأة، أن نقرأه فقيهاً، أن نقرأه أصوليّاً، أن نقرأه مُفسِّراً، أن نقرأه مُفكِّراً، أن نقرأه مُربِّياً، أن نقرأه داعيةً، أن نقرأه أديباً، أن نقرأه سياسيّاً، هذا المنهج يحاول أن يعالج عنواناً خاصّاً، ممَّا يعطيه عمقاً ودقَّةً، واستيعاباً، بما لا تتوفَّر عليه القراءة العامَّة.

المنهج الثاني: القراءة الشموليَّة، وهي قراءةٌ لا تُعنى بعنوانٍ خاصٍّ، بقدر ما يهمُّها الشخصيَّة بكلِّ مكوِّناتها، وهنا تتزاوج العناوين من أجل إنتاج منهج واسع وشامل بما لا تقدِّمه القراءة التجزيئيَّة. وكلا القراءتين ضروريَّتان، فالأولى تمنحنا العمق والخصوصيَّة، والثانية تمنحنا التكامل والشموليَّة.

الفقيه المرجع السَّيد محمد حسين فضل الله غاب شخصاً وهو باقٍ مدرسةً، ومنهجاً، ومساراً، وهنا يجب على كلِّ المنتمين إلى هذه المدرسة، وهذا النَّهج، وهذا المسار، أن يُمارسوا دورهم في الحفاظ على استمرار السَّيد لا في شخصه، وإنِّما في مدرسته، ونهجه، ومساره.

صحيحٌ أنَّ ما خلَّفه سماحتُه من ثروةٍ كبيرةٍ ممثَّلةٍ في نتاجاته المطبوعة، وفي محاضراته المسموعة، وفي مشروعاته الشاخصة، وفي عطاءاته الوافرة، وفي أخلاقه، وهديه وروحانيَّته وتقواه وورعه وسلوكه المتميِّز هو التعبير الصادق عن هذه المدرسة وهذا النَّهج.

غير أنَّ هذا لا يعفي رموز هذا الخطِّ، وتلامذة هذا النهج من العمل الجادِّ على الدفع بمعطيات هذه المدرسة خشية أن تغيب بفعل الغفلة عن ذاكرة الأجيال، وعن حراك المسيرة، ويبقى الكتاب جامداً إذا لم تحرَّك مضامينه، ويبقى الخطاب راكداً إذا لم تفعَّل أفكاره، وتبقى المشروعات معرضاً للاستهلاك إذا لم يُجدَّد عطاؤها، وتبقى السِّيرة في حاجة إلى تحريك دائم.

كم من العلماء الكبار بقوا مدفونين في كتب التراث، وبقوا محنَّطين في متاحف التاريخ، وإذا كان أعدادٌ كبيرةٌ من الفقهاء والمفكِّرين قد بقوا في ذاكرة الحوزات العلميَّة، وفي ذاكرة الجامعات، وفي ذاكرة الدارسين والمتابعين فإنَّهم غائبون عن ذاكرة أجيال الأمَّة، وعن وجدانهم، وعن حركتهم، فكم هي الحاجة كبيرةٌ إلى استحضار هؤلاء الكبار من أجل أن يكونوا صنَّاعاً لمسيرة الأمَّة.

عامٌ مضى على رحيل العَلَم الكبير والأب المربِّي، والمجتهد الصَّامد، والعامل الصابر السَّيد محمد حسين فضل الله، ولا زالت اللوعة تملأ كلَّ القلوب التي عشقت هذا الرجل، وأحبَّته، وترسَّمت خطاه، وكيف لا وقد ملأ كلَّ المشاعر، وكلَّ العقول، وكلَّ الواقعِ بما يصعب أن يمارسه إلا الأفذاذ الكبار الاستثنائيُّون وهو واحدٌ من أبرزهم، هذا ما يفسِّر لنا هيام العشَّاق والمحبِّين والعارفين.

وحتَّى الذين ناصبوه العداء، وحاربوه، وشتموه، وقذفوه، وملأوا الدنيا ضجيجاً ضدَّه، قد بهرهم صدى رحيله، وأذهلهم حضوره بعد الرحيل، فما كان للهِ يبقى ذِكراً جميلاً، وثناءً عطراً «وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ» (الشّعراء: 84) قد أخلص - رضوان الله عليه - كلَّ الإخلاص لله تعالى، وذاب فيه، وأعطى حياته له، هكذا عرفتُه عن قُرب، ومن خلال تاريخ طويل، ما كان يسمح لنفسه أن يستريح، ما دامت الرَّاحةُ على حساب العمل والعطاء، والجهاد، كان يقول:

«الراحة عليَّ حرامٌ ما دمتُ قادراً أنْ أعملَ، أنْ أُعطيَ، أن أُجاهدَ». ورغم أنَّ المرض قد حاصره في أيّامه الأخيرة، إلا أنَّه كان يُصرّ أن يُصارع المرضَ ليبقى في خطِّ الجهاد، وفي خطِّ العطاء، وظلَّ ماسكاً القلم ليوصل الكلمة حتى الرَّمق الأخير. أراد للكلمة أن تحمل رسالته، وأن تبقى تتابع العطاء: «أحبَّتي، إخوتي، أبنائي تابعوا المسيرة». وهكذا ودَّع الدنيا وهو يجاهد من أجل الله.

رحمك الله - أبا علي - نم قرير العين، فأحباؤك وإخوتك، وأبناؤك وتلامذتك، سوف يبقون أوفياء لخطِّك ونهجك ومدرستك



أضف تعليق



التعليقات 12
زائر 1 | ابداع 12:55 ص الى جنان الخلد مع النبيين والشهداء الصالحيين وحسن اولئك رفيقا . وشكراً سماحة السيد الغريفي على هذا المقال وانمنى ال تتحفنا بمفالات عن هذا الرجل الرمز رد على تعليق
زائر 2 | فضل من الله حقا 1:45 ص نحن جيل تربى تحت منبر سماحتة عرفناه موسوعة متكاملة واعتقد ماعرف به في حياته سيكون اقل مما سيعرف به الان فالسلام عليه يوم ولد ويوم توفى ويوم يبعث حيا رد على تعليق
زائر 3 | العالم الجرئ 1:59 ص نعم سماحة السيد المرحوم كان جرئ في طرحه وتحمل كثيرا وصمد في وجه من عارضه في اطروحاته ولم تأخذه في الله لومة لائم00 وكم نتمنى من علماءنا في البحرين أن لا تأخذهم في الله لومة الناس وإبتعادهم عنهم لمجرد البوح بالحكم الشرعي الذي ينقذ الناس من الأضرار إقتداءا بالعالم الخالد السيد فضل الله والماضين من العلماء الأتقياء. رد على تعليق
زائر 4 | لا زلت فضل الله....... 2:22 ص سيدى سماحة آية الله العضمى..لقد رحل الجسد وبقيت الروح فينا وبقى تراثك العلمى والفكرى ولادبى منار لنا فى ظلمة الوادى السحيق فلقد احببناك فى الله ولله ولم تزلزلنا فيك اقوال المغرضين بل زادتنا فيك ايمانا وبقينا تحت رايتك البيضاء ننهل من علومك وفكرك الغنى ومعينك الذى لا يجف ولاينضب..سيدى لقد حارت فيك العقول وتحيرت الانامل وخاننا التعبير حينما اردنا الكتابة فيك ،فلا يسعنا الا ان نقول لقد رحل الجسد وبقيت الروح فينا رد على تعليق
زائر 5 | رحمه الله وجعل الجنة مثواه 2:29 ص هذا العالم ترك من الآثار المادية التي تشهد له على بذله وعطائه وتسخير الأموال الشرعية في أفضل الأماكن فبني الكثير من المبرات الخيرية والحوزات العلمية وساهم في كثير من المشاريع
جعلها الله في ميزان حساناته وجزاه بها خير الجزاء
هكذا يحيا العالم وهو ميتا يخلد ذكره عن الأحياء
وله المكانة العالية عند ربّ السماء رد على تعليق
زائر 6 | السيد فضل الله ( ق ) 3:18 ص مثل هذا الأنموذج الصالح لا تمتحى ذكراه و لا ينسى فضله مثل هذا المؤمن يتمنى الكل لو ىعيشوا دوما. رد على تعليق
زائر 7 | رحمك الله يا سيدنا بواسع رحمته 3:24 ص اتقدم لسماحتكم بوافر التحية والاجلال يا سيدنا السيد عبدالله الغريفي وابارك لكم مولد أمامنا الحجة(عج) ولامتنا الاسلامية جمعاء وانار لنا دروبنا وخطانا بهداكم ياسيدي وأسأل الله العلي القدير أن يمن عليكم ياسيدي بموفر الصحة وأدام الله فى عمركم ويمكنكم ذخرا وحصنا منيعا لخدمة الامة وجعل الله مساعيكم الخيرة النبيلة موطن عزا وفخار وسدد على دربكم وخطاكم كل السؤودد والخيرات والبركات رد على تعليق
زائر 8 | مدرس ثانوي 4:32 ص ....... جزاه الله ألف خير على ما قدمه طوال حياته و تنوير بصيرتنا و توجيهنا للدين الحق . ألف شكر للسيد الغريفي دام ظله على هذا المقال و على وفائه للراحل الكبير و نسأل الله أن يجمعنا مع السيد فضل الله في الآخره تحت مظلة الرسول ص و أهل بيته ع . رد على تعليق
زائر 9 | تحية للسيد ولعبيدلي 8:22 ص تحية حارة للسيد عبدالله الغريفي على هذا المقال الرائع واستفدنا منه صراحة استفادة ليست بالسهلة

وتحية لرئيس التحرير العبيدلي علي ضم مثل هذه الأقلام للصحيفة التي ستنورها أكثر بمقالاتها الرائعة رد على تعليق
زائر 10 | من أقوال المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله الساكن في قلوب المحبين والعاشقين ...... ام محمود 9:11 ص * غيِّرْ نفسك تغيِّرِ الواقع؛ لأنَّ الواقع هو صدى لما في نفسك، وصورة فكرك وإحساسك وشعورك وحركتك .
* المسألة هي أن يبقى الإسلام في قوّته وفاعليّته في مواقع الصّراع، حتى يتمكّن من اقتحام الحياة، لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الشّيطان هي السّفلى.
* إنّ التّكريم الإلهيّ ليس مختصّاً بالرّجل، بل هو شاملٌ لكلّ بني آدم على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وأنواعهم، ذكوراً وإناثاً، بيضاً وسوداً، عرباً وعجماً .
__
أشكر سماحة السيد عبدالله الغريفي على المقال الرائع نعم نفتقد وجود أبا علي بيننا خاصة الآن رد على تعليق
زائر 11 | ya 12:33 م يا سيدنا صدقت والله

لو في منه عشره كان الكون احلى

الى جنة الخلد يا ابا علي رد على تعليق
زائر 12 | ونعم الخلف يا اية الله الغريفي 2:15 م رحمك الله يا سيدي يا فضل الله فانت نعم العالم العامل وبالفعل ما قلته يا سيدي الغريفي
عامٌ مضى على رحيل المرجع الدِّيني الكبير آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله قدّس الله روحه الشريفة، ولا زال الحزنُ يسكنُ في قلوب المحبِّين والعاشقين. رد على تعليق