العدد 1162 بتاريخ 10-11-2005م تسجيل الدخول


الرئيسيةالأعمدة
شارك:


مشيراً إلى الحملة الإعلامية

الغريفي: موقف العلماء واضح بشأن ضمانات الأحكام الأسرية

تشهد الساحة هذه الأيام استنفاراً كبيراً لحملة إعلامية ودعائية من أجل الترويج لما يسمى بـ «قانون الأسرة». وفي زحمة هذا الاستنفار والإعلام والدعاية تختلط على الناس الكثير من الأمور، وترتبك الرؤى والتصورات ويتحول الباطل إلى حق، والحق إلى باطل، وقد وظفت من أجل هذا الاستنفار والتحشيد الأموال الطائلة وكل القدرات والإمكانات والوسائل والأدوات... ويبدو أن هذه الحملة الدعائية في أشواطها الأخيرة، اذ تؤكد التصريحات والدلالات أن هذا القانون على وشك الصدور.

إن هذا الاستنفار، والتسارع والاستعجال في تمرير القانون واستصداره بالطريقة التي يريدون، وبلا ضمانات ولا ضوابط يحمل تعبيرًا واضحاً عن وجود هدف يتجاوز التبريرات الإعلامية المطروحة، هذا الهدف له خلفياته السياسية، فالبحرين مرشحة لأن تكون في مصاف الدول التي حازت شهادة التقدير من قبل الدوائر الغربية في مجال تمكين المرأة حسبما تفرضه شروط التمكين التي وضعتها مؤسسات الغرب، فالاستحقاق لنيل هذه الشهادة من أميركا ومن دوائر الغرب محكوم لشروط يجب أن تتوافر من أجل أن تصاغ المرأة في بلداننا على طراز المرأة في بلدانهم، ولا يخفي الكثير من دعاة التقنين الفاقد للضمانات انبهارهم بالنموذج الغربي للمرأة، ورغبتهم في احتذاء هذا النموذج... أسألكم بالله هل ان البحرين ستنال شهادة التقدير الأميركية والغربية في مجال تمكين المرأة، لو أن هذا التمكين جاء خاضعًا كل الخضوع لأحكام الشريعة، ولقيم الدين، ولضوابط الإسلام...؟!

وأسألكم بالله هل ان هذا الاستنفار الساخن الذي تقوده مؤسسات وجمعيات واضحة القناعات هو من أجل تحكيم شريعة الله تعالى ومن أجل صنع المرأة التي تطبق أحكام الدين؟

إذا كان الأمر كذلك حسبما يقولون، وأنهم لن يخرجوا بـ «قانون الأسرة» عن دائرة الشريعة الاسلامية، فلماذا هذا الإصرار على رفض «الضمانات» التي طرحها العلماء، هل ان قانونًا محكومًا بضمانات حقيقية سوف لن يحقق الأهداف التي يطالبون بها؟ الا اذا كانت هذه الأهداف هي أهداف مناقضة للشريعة الإسلامية.

إذا كانوا صادقين في أنهم لن يتجاوزوا أحكام الدين، ولن يتعدوا على شريعة الله، فلماذا لا يقبلون بضمانات تحمي هذا القانون من أن ينحرف عن أحكام الدين وعن شريعة الله؟

هذا الإصرار على الرفض يؤكد في داخلنا «المخاوف الحقيقية» التي نطرحها، هذا الرفض يؤكد وجود نوايا مبطّنة، وأهداف متسترة.

قالوا: إن العلماء ضد التقنين.

ولمّا قلنا لهم: إننا نوافق على التقنين ولكن ضمن ضوابط تحمي التقنين من أن ينحرف عن جادة الشريعة.

قالوا: انهم يرفضون التقنين المحكوم لهذه الضمانات.

فمن الذي يقف ضد التقنين؟

هل يسمح لنا اسلامنا وديننا أن نضع «أحكام الله» في قبضة المؤسسة الوضعية؟

واذا فرضت الضرورات الحياتية أن يكون هناك «تقنين لأحكام الأسرة» فلا مشكلة عندنا في التقنين ولكن بشرط التوافر على «الضمانات».

إننا نحمل كل القناعة بأن مصادرنا الفقهية غنية كل الغنى بالمسائل المستوعبة لكل حاجات الأسرة بما لا تتوافر عليه كل القوانين المدوَّنة للأحوال الشخصية.

وثيقة مسقط للأحوال الشخصية وهي الوثيقة التي يراد لها أن تكون النموذج الذي تتبناه دول الخليج، هذه الوثيقة اشتملت على ( مادة).

بينما اشتملت الرسائل الفقهية العملية على ( مسألة) تعالج أحكام الأسرة.

سلمنا أن ضرورات الحياة - كما يقولون - تفرض ان تحول تلك المسائل الفقهية المدونة في المصادر الدينية الى «مواد قانونية» تسهيلاً للقاضي وتسهيلاً للمحامي وحماية للأحكام.

ولكن هل المطلوب منا أن نتساهل في هذا التقنين ونتركه للعبث والتلاعب والتغيير والتحريف؟

قد يقولون: لماذا تفترضون العبث والتلاعب والتغيير والتحريف مادام القانون سيضعه علماء مختصون في الشريعة؟

نجيب عن ذلك: بأنَّ كون القانون من وضع العلماء المختصين في الشريعة يشكل ضمانة واحدة وليس كل الضمانات.

لنفترض أن القانون وضعه العلماء المختصون وقدم إلى البرلمان وتم التصديق عليه بلا تعديل أو تغيير... ولكن ما الضمانة التي تحمي هذا القانون من أن يتغير أو يعدل في المستقبل؟

قد يقولون: إن وضع مادة في القانون تمنع من أي تعديل أو تغيير الا من خلال «العلماء» يمثل ضمانة.

هذه المادة لا تشكل ضمانة، لأن البرلمان يملك الصلاحية في إلغاء أو تغيير أي قانون... ما لم ينص الدستور على سحب هذه الصلاحية في مادة غير قابلة للتعديل.

اذاً وضع مادة في القانون تمنع التعديل، هي نفسها في معرض التعديل لا يشكل ضمانة، فالبرلمان الذي صدق على هذه المادة قادر على أن يرفعها.

لقد حاول البعض من اخوتنا العلماء ان يصوغ «الضمانة» التي تحمي القانون من أن يتعرض للتغيير والتعديل من خلال طرح ما أسماه بـ «القانون الدستوري»، وهذا القانون لا يمكن تغييره أو تعديله إلا وفق «الآلية» التي تغير أو تعدل بها «المادة الدستورية» وهي آلية ليست بمستوى آلية تغيير أو تعديل القوانين العادية.

ولنا تعليق على هذا الطرح:


المواد الدستورية على نحوين:

النحو الأول: مواد غير قابلة للتعديل والتغيير... وتتمثل في ثلاث مواد فقط، هي:

- المادة التي تنص على أن «دين الدولة الاسلام».

- المادة التي تنص على شكل الحكم في البحرين.

- المادة التي تنص على نظام المجلسين.

النحو الثاني: مواد دستورية قابلة للتغيير والتعديل... وهي كل المواد التي لم ينص الدستور على استثنائها ومن الواضح أن مواد الدستور قابلة للتعديل البرلماني ما عدا المواد الثلاث السابقة.

من هنا، لا تشكل صيغة القانون الدستوري ضمانة لحماية القانون.

فلا خيار الا اعتماد نص دستوري غير قابل للتعديل يؤكد مرجعية الشريعة الاسلامية وحق الفقهاء في وضع القانون وفي تعديله. من هذا المنطلق جاء تأكيد المجلس العلمائي للثوابت الآتية:

مرجعية الشريعة الإسلامية: وهذا الثابت يؤكد ان الشريعة الإسلامية هي المصدر لأيِّ حكم من أحكام قانون الأسرة، وأي حكم يخالف الشريعة الإسلامية فهو مرفوض.

وهنا لابد من التأكيد أن لكل طائفة خصوصيتها المذهبية، فيما هي رؤيتها الفقهية في أحكام الأسرة وشئونها، ولا يجوز ان تفرض رؤية مذهب على مذهب آخر.

أن تكون أحكام القانون مصدقاً عليها من قبل أحد الفقهاء المعتمدين في المذهب وقد اخترنا ان يكون «المرجع الأعلى في النجف» وذلك لاعتبارات نراها ضرورية... ومن حق الطائفة أن تحدد مرجعيتها الدينية في أي مكان في العالم، ولا يعد ذلك تدخلاً في الشئون المحلية، فكل الطوائف والمذاهب لها مرجعيات دينية وفقهية، وربما تكون في خارج البلد... ولا يعني هذا أن البلد لا يحتضن علماء أجلاء يملكون كفاءات فقهية محترمة إلا ان «المرجعية الدينية العليا» وفق منظورنا الشيعي لها مكوناتها وخصائصها وشروطها ولا يحدها موقع جغرافي معين.

ان اعتمادنا الرؤية الفقهية لهذه المرجعية الدينية في كل قضايانا الشرعية هو تكليف يفرضه انتماؤنا الى مدرسة الأئمة من أهل البيت (ع).

وفي يوم من الأيام كانت البحرين تحتضن فقهاء كبارا مثلوا «مرجعيات دينية عليا» لأبناء الطائفة ونتمنى ان يعود إلى هذا البلد تاريخه العلمي الفقهي الكبير لنجد فيه من يكون في مستوى «المرجعية الدينية العليا» وليس ذلك بعسير اذا نشطت الهمم، وأخلصت النوايا، وجدّت العزائم. المهم ان اعتماد «رأي المرجعية الدينية العليا» في خارج البحرين في شأن أحكام الأسرة، وفي شأن كل الأحكام الشرعية أمر طبيعي ومنسجم مع متبنياتنا الفقهية ورؤانا الدينية.

واننا نستغرب كل الاستغراب من بعض التصريحات التي استنكرت العودة الى مرجعية النجف الأشرف في شأن هو من اختصاصات المرجعية، واعتبرت ذلك تدخلاً أجنبياً في الأمور الداخلية الوطنية التي يجب أن تصدر من أبناء المملكة.

وتساءلت هذه التصريحات: «لماذا لم يختر عيسى قاسم الا النجف، أليس هناك مرجعيات في مصر وفي المملكة العربية السعودية، فكل هذه مرجعيات... فلماذا لم يختر الا النجف، هل البحرين كلهم سيوافقون على مرجعية النجف ورأي النجف؟ هل سنة البحرين يوافقون على ذلك؟

إن هذه الطائفية العمياء النائمة التي تدع البعض يأتي بالمرجعيات من خارج الوطن ومن طرف واحد للتدخل في الشأن».

وتابع صاحب التصريحات قوله: «فالمرجعية المطلوبة هي الكتاب والسنة وليس النجف أو قم أو السعودية أو مصر، وهذا القانون يجب أن يعرض على علماء أهل البحرين لا علماء قم أو غيرهم، فعلماء البحرين هم أعلم بحال البلد والمجتمع الذي يعيشونه وهم أولى من غيرهم في تحديد أجيال الوطن....».

انتهى ما أردت نقله من هذه التصريحات ولنا تعقيباتنا على هذا الكلام:

أولاً: يشم من هذه التصريحات رائحة تحريض السلطة ضد طائفة كبيرة في هذا البلد، ولغة التحريض لغة مقيتة، ولها تداعياتها الخطيرة على أمن هذا البلد واستقراره وكم نتمنى أن تنتهي هذه اللغة، وان يتنبه مثيروها الى حجم الأخطار التي تهدد الوطن بسبب هذا التحريض المقيت.

ثانيًا: تعبر هذه التصريحات عن حس طائفي بغيض، وإن تمترست بشجب الطائفية العمياء من أجل التستر والتمويه.

إننا نشجب بقوة أي نَغَمٍ طائفي يحاول أن يزرع الفرقة والعداوة والتمزق بين أبناء هذا الوطن الواحد، وكم طالبنا ومازلنا نطالب بإنهاء كل المظاهر التي تكرس الحس الطائفي وتغذي الصراع المذهبي وتنشر الفتنة المدمرة.

ثالثًا: وكما أكدنا أن العودة الى المرجعية الدينية في النجف أو قم أو في أي مكان من أجل استكشاف الرؤية الفقهية في أي قضية من قضايا الحياة، هي أمر طبيعي جدًّا يفرضه التكليف الشرعي بالرجوع الى الفقهاء والمجتهدين المؤهلين لمقام المرجعية العليا.

وهذا هو المسلك الذي اعتمده الشيعة عبر التاريخ بعيدًا عن كل الحسابات السياسية، فلا ندري هل يجهل صاحب التصريحات هذه الحقيقة التاريخية وهذه الحقيقة المذهبية أم هي دوافع التحريض السياسي والتحريض الطائفي - كما ذكرنا سابقًا - ؟

نتمنى أن يصحح رؤيته أو يحاسب دوافعه.

رابعاً: مَنْ قال اننا نريد ان نفرض مرجعية النجف على أخوتنا السنة



أضف تعليق