من أين جاءت مكافأة الوزراء؟
إنه لأمر حسن أن يعترف وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة أن الوزراء منحوا خمسين ألف دينار، معتبرا ذلك "عرفا غير مستحدث"، ومقرا أن المنحة "لم تصرف من الموازنة العامة للدولة"، وذلك ردا على سؤال للنائب يوسف زينل، وجهه مطلع العام الجاري.
الموضوع أثير أكثر من مرة، آخرها بعيد التغيير الوزاري الأخير "يناير/ كانون الثاني الماضي"، الذي ترافقت معه معلومات أفادت بأن الوزراء الخارجين من التشكيلة الوزارية "عبدالله سيف، نبيل الحمر، محمد المطوع، جواد العريض" منح كل منهم 250 ألف دينار، ومنح كل وزير بقي ضمن التشكيلة المعلنة 50 ألف دينار، ولم يعرف حينها إن حصلت الشخصيات الداخلة إلى مجلس الوزراء للمرة الأولى على منحة مالية، ومقدار هذه المنحة. بيد أن تسريبات كثيرة تتحدث عن أن العادة المتبعة في هذا الشأن هي منح الوزراء الجدد دفعات مالية كبيرة، و"بشت" و"بن" "فلان بن فلتان"، فضلا عن تصفير ديونهم، بل ويبحبحون عبر منحهم أراضي وأموالا نقدية دوريا، من أموال الناس على كل حال، سواء كانت من الموازنة المعلنة، أو الموازنة غير المعلنة، مع أنه لا يعرف تبرير وجود موازنة غير معلنة، فهذا مناف لأية أصول وأعراف.
وزير المالية أجاب عن الـ 50 ألف دينار فقط، ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى الـ 250 ألفا، ولم يعط تفصيلات أخرى. بيد أن ذلك أفضل من السكوت، كما حصل في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حين وجه يوسف زينل سؤالا إلى وزير شئون مجلس الوزراء حينها محمد المطوع بخصوص المزايا التي يحصل عليها الوزراء خلاف رواتبهم، ومن بينها منحة مالية تصرف في شهر رمضان من كل عام، مقدارها 150 ألف دينار لكل وزير يحمل حقيبة، و100 ألف دينار للوزير من دون حقيبة. وهو السؤال الذي لم يتلق مجلس النواب ردا عليه، ما يثير مجددا موضوع التزام الحكومة بالإجابة على أسئلة أعضاء المؤسسة النشريعية، إذ حدث مرات أن تأخرت الردود، وفي أحيان أخرى لم تصل، بدعوى عدم اختصاص الوزير الموجه إليه السؤال، أو غيرها من الأسباب التي إذا ما محصت لا تبدو مقنعة.
بيد أن ما يثير الحيرة أن مكتب المجلس الذي يترأسه خليفة الظهراني، هو الذي يعطل أسئلة كثيرة، لأسباب لا تتعلق إلا بهوى سياسي محافظ ورغبة في كبح جماح الرقابة المقلصة أصلا بحكم الطابع المحافظ للمجلسين. فالشورى لا يسأل إلا نادرا، فيما يسأل بعض النواب، أحيانا، ومن دون أن يكون السؤال بداية تتلوها خطوات أخرى للوصول إلى معلومات أعمق، وبناء استراتيجية أوسع للرقابة، إذ نادرا ما تحول السؤال إلى استجواب أو تشكلت من بعده لجنة تحقيق.
وزير المالية أجاب على سؤال اعتبره من غير اختصاصه، وهذا يعني أن على الحكومة إيجاد آلية للإجابة على الأسئلة، فليس دور مجلس النواب أن يبحث عن الوزير المختص. ولتوجه الأسئلة التي تتحجج الحكومة بعدم وجود مختص بشأنها إلى وزير مجلس الشورى والنواب عبدالعزيز الفاضل، الذي عليه أن يشاور وزير الخارجية الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، الذي يترأس اللجنة الوزارية لمجلسي الشورى والنواب، لتكليف الوزير المختص بالإجابة.
الحكومة يجب أن تكون قدوة في الحفاظ على هيبة الدستور، الذي يلزمها بالرد على الأسئلة خلال 15 يوما، ومن دون شك فإن الرد يجب أن يكون وافيا، وإلا فإنه ليس ردا... وإذا تكرر تهرب الحكومة من استحقاقات المرحلة الإصلاحية، فإن ذلك يعطي مزيدا من الصدقية للخطاب المعارض الذي يردد أن الحكم أول من يتخلى عن الضوابط القانونية والدستورية إذا وجد أنها تحد من إطلاق يده.
إلى ذلك، فإن مضمون رد الوزير عن المكافأة غير شاف، فهو لا يوضح مبرر صرفها، وضوابطها القانونية، ولم يعط أسبابا عن تحديد مبلغ خمسين ألفا وليس أكثر أو أقل مثلا، وخصوصا في ضوء رفض الحكومة المتكرر لأية زيادة في رواتب الموظفين اللاهثين وراء زيادة هي ليست بالزيادة، واضطر نوابهم إلى لعق التراب حتى تقر بصورة أولية، فيما بدا رد الوزير باردا، وهو يقول إن مكافأة الخمسين ألفا "عرف متبع"، أي أنه موروث من دولة قانون أمن الدولة، دولة اللامؤسسات والمكافآت غير المقننة، التي من المفترض أن يكون عهدها انقضى، وتراثها إلى مزبلة التاريخ.
ورد في المادة "110" من الدستور أن "كل مصروف غير وارد في الميزانية أو زائد على التقديرات الواردة فيها يجب أن يكون بقانون"، هذه هي القاعدة، أن تحتوي الموازنة كل صغيرة وكبيرة من مصروفات وإيرادات. وأي صرف خارجها أمر مناف للدستور ومبدأ الشفافية، وتنتقده المؤسسات المعنية بذلك، مثل وكالة "ستاندرد أند بورز" التي تعنى بالتصنيف الائتماني للدول.
وفي يونيو/ حزيران ،2004 حين أرادت الحكومة صرف نحو ستة ملايين دينار لم تكن مرصودة ضمن الاعتمادات، طلبت من المؤسسة التشريعية إقرار إضافة إلى الموازنة، هذا هو السلوك الذي يجب أن يتبع، والذي تعرفه الحكومة إذا أرادت.
أما ما يسمى أعرافا متبعة، فيجب أن يقنن أيضا، وخصوصا أن المبالغ التي نتحدث عنها كبيرة، إذ يوجد نحو 40 شخصا في منصب وزير، وإذا افترضنا أن كلا منهم سيتسلم سنويا نحو 100 ألف دينار في شهر رمضان، و100 ألف عطايا أخرى، فإن ذلك سيكلف الموازنة العامة وجيوب المواطنين نحو 8 ملايين دينار، وربما أكثر مادامت الشفافية منعدمة، فما الذي يؤكد عدم وجود "أعراف" أخرى غير معلنة؟
المؤسف أن مجلس النواب، المناط به القيام بدور الرقابة، مهزوم نفسيا في هذه المسألة، إذ سبق أن قبل غالبية أعضائه مبلغ 10 آلاف دينار، مع أنها لم تكن مقننة ولا مرصودة ضمن الموازنة، وأعطيت خلسة، وكشفت عنها الصحافة.
تقنين العطايا، نقدية كانت أو عينية "أراض أو سيارات أو غيرها" أمر لا بديل عنه في دولة القانون التي تلتزم هي قبل غيرها بالضوابط لتحرج غير الملتزمين