جدار عزل المالكية
بدأت المخالفات في جدار عزل المالكية في الثالث من شهر مايو/ أيار الماضي، ولم تنته بعد، في انتهاك صارخ لحرمة المال العام، وترسانة القوانين، لجهة البناء غير المرخص، على أرض هي ملك للدولة ومواطنيها، في منطقة يقال إنها تطل على الساحل، إذ يسمع الناس عن البحر، ويشمون رائحته، لكن يتعذر عليهم رؤيته والاستمتاع بجماله، إن بقي فيه جمال بعد حملات التدمير المنظمة. .. وهذا ما يجعل المخالفة ذات تأثير أكبر في نفوس الأهالي، إذ الجزء الأكبر من الساحل، منذ عقود، لم يعد ساحلهم، بسبب استملاكات هي أصلا تمت بحكم الأمر الواقع، أفضت إلى أن لا تملك الدولة أراضيها، فأكثر من تسعين في المئة من الأراضي العامة أصبحت خاصة! ومثل هذه الاستملاكات هي الآن ما يفاقم من أزمة السكن، مع توافر الموازنات "موازنة الاشغال والاسكان تبلغ نحو 200 مليون، وهي موازنة استثنائية بكل معنى الكلمة"، وهذا ما يلح في إعادة النظر في تلك الاستملاكات، وارجاعها للدولة بدون أن تثقل كاهل الموازنة العامة... إذ يبدو مخيبا للآمال لجهة العدالة أن تخصص وزارة الأشغال والاسكان 70 مليون دينار "نحو ثلث موازنتها" لإعادة استملاك الأراضي التي أعطيت دون وجه حق.
وفي هذا الشأن يمكن للبرلمان والمجالس البلدية ومؤسسات المجتمع المدني التحالف مع مجلس التنمية الاقتصادية الذي كان فتح ملف الأراضي في ندوة نظمها في فبراير/ شباط الماضي، وقاد ذلك إلى تكليف مؤسسة خاصة لإعادة هيكلة الأراضي. لكن يخشى أن تنحصر الهيكلة في ملف التخطيط، لضمان عدم تداخل المناطق الاستثمارية والصناعية بالمناطق السكنية، كما هو سائد حاليا، وهذا أمر مهم، لذلك يفترض أن يوسع مفهوم إعادة الهيكلة، ليشمل جوانب أخرى من بينها تقنين العطايا، والنظر بعين فاحصة للعطايا السابقة، وإيجاد حلول مناسبة لاسترجاعها، وبالتأكيد فإن إعادة استملاك الأراضي بالأسعار المبالغ فيها التي تسود السوق في الوقت الراهن أمر جائر، ويرحب به جمهور المستهلكين بغير حق.
وبالعودة إلى المخالفات في جدار عزل المالكية، فإن نمطها يبدو ضاربا الأعراف والذوق العام، حتى في طبيعة السرقات، التي تتم عادة خلسة، في الليل، مع وجود غطاء أو شبه غطاء قانوني، أو تعطل للمؤسسات التمثيلية كما كان واقعا قبل .2002 ويبدو لي أن المتجاوزين الذين تفيض بهم البلد متضايقون من الطريقة التي اتبعت في البناء المخالف، إذ في العادة تسبق مثل هذه الأفعال حملة علاقات عامة، تواكبها حملة لشراء الذمم، ذمم الصحافيين وبعض الوجهاء، وأحيانا فإن هؤلاء يتبرعون من تلقاء أنفسهم بإرجاع المصائب إلى الله... وفي العادة تتضمن الحملات المواكبة للسرقات وعودا بضمان حقوق الناس، وتمكنهم من رؤية الساحل، بل والإدعاء بأن هذا الجدار هو حفاظ على الساحل وأطفال القرية من الغرق، فضلا عن الوعود بمساعدة الصيادين في القرية... وكل هذا لم يحدث، بل حدث العكس، واستمر استعراض القوة في المنطقة من قبل المخالف وأتباعه، وهي شكوى قدمت إلى وزير الداخلية من طرف اللجنة الأهلية في المالكية.
ولعل من المناسب تقديم نصيحة لسراق المال العام، بأن يحسبوا هذه الحسابات في إعدادهم للخطط، إذ القول بأن فلان فعل وسأفعل مثله ليس مفيدا دائما، في ظل تغير الأحوال.
كان أمام أهل المالكية عدة خيارات، لعل أوضحها طريقان: طريق العنف، بأن يتصدى الأهالي بالمطارق، فيخرجون في جماعات في وضح النهار أو غطاء الليل، ليكسروا الجدار... ومثل هذا الخيار ظل يداعب فئات من الأهالي، وهو الذي اتضح بعض مفاعليه في تظاهرة أمس الأول الجمعة، وأدين مباشرة، وعلى الأرجح لن يتكرر أو لن يتحول إلى تيار عام.
الخيار الآخر الذي اتبع، يأخذ الالتزام بالضوابط القانونية، والتواصل مع المسئولين، والضغط عبر المؤسسات التمثيلية ووسائل الإعلام طريقا لاسقاط الجدار، ودون شك فإن هذا الطريق طويل، بدأ في الرابع من مايو الماضي، وتمكن بعد شهر وأربعة أيام من انطاق الجهاز الرسمي، بعد سكوت طويل، وذلك حين أعلن وزير البلديات علي صالح الصالح في الثامن من الشهر الجاري، بأن القانون سيأخذ مجراه، وسيتم إحالة الملف إلى القضاء بعد نحو أسبوعين، إذا لم يزل المواطن الجدار.
بين 3 مايو "بدء المخالفة"، و8 يونيو "يوم صدر موقف حكومي ضد الجدار"، تواصلت اللجنة الأهلية وصندوق المالكية الخيري مع جميع الجهات، بما في ذلك الديوان الملكي، وديوان رئيس الوزراء، إضافة إلى الاجتماع مع وزيري الداخلية والبلديات، مستندة إلى منطق القانون. وبالمناسبة فإن هاتين المؤسستين يترأسهما عضو مجلس الشورى حبيب مكي وتضمان في عضويتهما النائب جاسم عبدالعال وعضو مجلس بلدي الشمالية أمير سلمان، وإن شئتم أن تكون هذه التشكيلة معبرة، فيمكن عدها كذلك.
خيار العنف يبدو للوهلة الأولى أسرع، فيما ثبت عمليا أن ما أخذ بالقوة لن يسترد بالطريقة ذاتها، في ضوء تبدل مفهوم القوة أصلا. المستضعفون يستقوون بالقانون، هذا ملعبهم، ويخطئون حين يعتقدون أن القفز عليه لصالحهم، ولعل تعميم هذا النموذج هو ما يحتاجه العمل الأهلي في أشكاله المختلفة