العدد 1006 بتاريخ 07-06-2005م تسجيل الدخول


الرئيسيةالأعمدة
شارك:


أخيرا... الجمعيات السياسية مغطاة قانونيا

على رغم الملاحظات هنا وهناك، يفترض ان يكون إقرار قانون الجمعيات السياسية، الذي ينظره مجلس النواب الأسبوع المقبل، خطوة أخرى نوعية في مسار إصلاح طويل، ذلك أنها المرة الأولى في البحرين والخليج التي يؤسس فيها العمل السياسي الأهلي، الذي ظل محظورا طوال العقود الماضية.

ومعلوم أن النشاط السياسي الحالي للتنظيمات القائمة، وعددها نحو ،14 لا ينسجم وقانون الجمعيات الأهلية رقم "21" لسنة 1989 الذي تحظر المادة "18" منه على مؤسسات المجتمع المدني تعاطي العمل السياسي. فهذه الجمعيات ظلت تشتغل منذ العام 2001 بضوء أخضر من جلالة الملك، وواجهت صعوبات كثيرة، لعل أبرزها تلك المتعلقة بمنع دعمها مترشحين في الانتخابات النيابية الماضية، تحت مبرر "الاشتغال والانشغال" الذي ابكرته السلطة التنفيذية قبيل السباق الانتخابي في العام ،2002 وساهم حينها في تعزيز نفوذ المتشددين في المعارضة، وهو المبدأ الذي ألغي لاحقا، بعد أن أدى الدور المطلوب منه في رجحان كفة المقاطعين.

يعطي القانون الجديد الحق لخمسين بحرينيا بأن يتقدموا بطلب تأسيس جمعية سياسية، وهذا العدد أقل مما اقترحته الجمعيات السياسية في مشروعها البديل، وهو مئة مؤسس، كما أنه أقل من العدد الذي نقل أن الشيخ علي سلمان يراه أنسب، وهو خمسمئة شخص.

أما بخصوص العمر، فينص القانون أن المؤسسين عمرهم 21 عاما فأكثر، على أن الانضمام للعضوية يحق للبحرينيين البالغين 18 عاما. ويبدو انها صيغة لا تستحق كثيرا من الجدل، إذ لا يبدو الدخول في عراك للاصرار على أن يكون أعمار المؤسسين 18 عاما أولوية، على رغم عدالته كمطلب. ولعل من الأنسب تركيز الجهد للعمل على تخفيض سن الناخب إلى 18 عاما، بدل 21 كما هو النص الحالي، لإتاحة الفرصة لأعضاء الجمعيات السياسية للمشاركة في الانتخابات، باعتبارها أبرز محطات الفعل السياسي، فعبر الوصول إلى المؤسسات التمثيلية يمكن ترجمة البرامج السياسية على أرض الواقع.

وتدعو نصوص القانون وزير العدل إلى البت في طلب التأسيس خلال 30 يوما "بدل ستين كما هو النص المقدم من الحكومة"، على أن "يعتبر فوات الموعد من دون الإعلان عن تأسيس الجمعية أو إخطار وكيل المؤسسين برفضه قرارا بالموافقة على التأسيس"، بعكس النص المقدم من الحكومة التي يعتبر عدم الرد رفضا. ولم تؤخذ اللجنة التشريعية التي يترأسها النائب السلفي حمد المهندي، برأي الجميعات السياسية، بأن يكون الإخطار بمثابة إشهار، دونما حاجة إلى انتظار رد من السلطات.

وفي الواقع، فإنه لا معنى لانتظار الموافقة من طرف السلطات، فذلك قد يعني استمرار "اللامنطق" في قبول الطلبات أو رفضها. إذ من المهم أن يكون النظر في الطلب "فنيا"، من دون أن تعطي الحكومة لنفسها الحق في درس ما يمكن تسميتها "أبعاد سياسية". وإلا فإن الدخول في أتون ذلك قد يعني تكرار سيناريو اشهار "الاتحاد النسائي" أو غيره من المنظمات التي تعتقد السلطات أن تشكيلها قد لا يكون مفيدا.

ويمكن القول، في هذا الصدد مثلا، إن أي طلب يقدم في الوقت الراهن لتأسيس منظمة لحقوق الإنسان سيواجه بالرفض إذ جاء من طرف من تعتقد السلطات أنهم يعارضون توجهاتها، فيما يفترض في القانون أن يكون "محايدا"، والإجراءات "شفافة"، تنظر في اكتمال البيانات، لا خلفية مقدميها، بالضبط كما هو إجراء تصحيح الامتحانات، حين يغض الطرف عن مقدم الامتحان، بوضع رقم سري بدلا عنه، لتحييد المواقف المسبقة.

وإذا علمنا أن وزير العدل الحالي محسوب على المحافظين، وقد تفنن في إيذاء المجالس البلدية المنتخبة، بدعوى دعم القانون له، فإن سلوكه قد لا يكون أحسن مع الجمعيات السياسية، خصوصا تلك التي يعتبرها منافسا له في الساحة الشيعية. وبالتالي، فإن ما قد يعد إيجابيا، من نواح نظرية، والمتمثل في تحويل مسئولية متابعة "وليس تبعية" شئون التنظيمات السياسية إلى وزير العدل، وذلك تمييزا لها عن الجمعيات الدينية والخيرية والاجتماعية التي ستظل متابعة شئونها "وليس تبعيتها" من مسئولية وزير الشئون الاجتماعية، قد لا يكون إيجابيا في واقع الحال، إذ المطلوب ضبط إيقاع السلطات التنفيذية، كي تمارس نشاطها ضمن نسق إصلاحي، لتستخدم النص للارتقاء بالعملية السياسية.

إلى ذلك، تنص مواد القانون على أن حل الجمعية يتم عبر القضاء، وليس من صلاحيات الوزير المختص، كما هي نصوص قانون الجمعيات الأهلية الذي سيظل مفعوله سار على الجمعيات الأهلية "غير السياسية"، ولعل من المناسب هنا أن تعلن وزارة الشئون الاجتماعية التزامها اللجوء إلى القضاء في حال أرادت اتخاذ قرار بحل جمعية أهلية، التزاما منها بالمستجدات التي فرضتها معطيات المشروع الإصلاحي، وإلا كانت المعطيات القديمة مسيطرة على الواقع الذي ينشد مزيدا من الإصلاح.

وفي شأن التمويل، فإن القانون يعطي الحق للجمعيات بقبول التبرعات غير المشروطة للمواطنين والمؤسسات العاملة في البحرين، من دون أن يلزمها بإعلان اسم المتبرع، كما كان النص المقدم من الحكومة، وفي ذلك يأخذ القانون برأي الجمعيات السياسية التي قدمت مشروعا بديلا للجنة التشريعية، شارك في إعداده فرقاء العمل السياسي، من موالاة ومعارضة.

وعلى رغم أن مثل هذا الإجراء قد لا ينسجم ومبدأ الشفافية، فإن عدم وجود تقاليد في العمل السياسي، والقلق من أن تحارب السلطات، بطريقة أو أخرى، داعمي نشاط الجماعات السياسية، خصوصا المعارضة منها، فإن التوافق على عدم إعلان اسم المتبرع يبدو ملبيا لجزء من ارباكات الحال السياسية. لعل هكذا نظرات تقود إلى توافقات أوسع، في المجالات كافة، فمن يعتقد أن الصورة المثالية يمكن أن تحقق بالسرعة المطلوبة، ربما يتناسى شروط اللعبة.

ومع ذلك، فإنه يفترض أن يكون عدم الإعلان إجراء مؤقتا، ذلك أن الإعلان هو الأساس. وتلك النقطة ليست إلا واحدة من بين نقاط أخرى يتوقع أن تثير جدلا صاخبا بشأن التمويل، ولعل النقطة اللافتة الأخرى، تلك المتعلقة بحق قبول التبرعات الأجنبية، على أن تكون غير مشروطة وأن توجه لأغراض التدريب، بحسب الصيغة التي عدلتها اللجنة التشريعية. والجدل هنا قد يكون مبررا، بالنظر إلى حساسية التمويل الأجنبي المباشر الذي يفترض أن يكون استثناء، لأنه في الأساس قد يكون مدخلا لزيادة التعقيدات متى ما أرادت السلطات ذلك.

ومن هنا، فإن الزام القانون الدولة بتمويل الجمعيات يعتبر أمرا مهما، وذا دلالة بالغة، يمكن أن تعكس في جانب منها رغبة في وضع أسس أكثر متانة للتنظيمات السياسية. بيد أن نص القانون لا يتضمن مبلغا محددا، بعد أن كانت اللجنة التشريعية اقترحت 200 ألف دينار لكل تنظيم. كما لا يتضمن القانون معايير لحجم الدعم الحكومي الذي ستتلقاه كل جمعية، وفي ذلك يمكن الاستفادة من مقترحات جمعية البحرين للشفافية. وربما يكون مهما إضافة نص في القانون يلزم وزير العدل بإصدار معايير للدعم خلال ستة أشهر من إقرار القانون، ضمانا لتطبيق بند الدعم الحكومي، الذي يأمل أن لا يكون بمثابة عصا وجزرة.

والقانون يحظر على المنتسبين إلى أجهزة الدفاع والداخلية الانضمام للجمعيات السياسية، وهي نقطة تبدو محل توافق عام بين السلطات والجماعات السياسية، المعارضة خصوصا، لأهداف مختلفة. فالسلطة لا تود زج العسكر في أتون السياسة، كما تدعي، وإن كانت تود استخدامهم وقت الحاجة، كما حدث حين دفعتهم للمشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات البلدية الماضية "مايو/ أيار 2005"، في مناطق النزاع الطائفي، وكذلك في الانتخابات النيابية، حيث المقاطعة على أشدها في مناطق كثيرة، بل والتصويت لصالح مترشح معين، كما حدث في الدائر الرابعة في محافظة المحرق إبان الانتخابات النيابية الماضية "أكتوبر/ تشرين الأول 2002"، حين دعي العسكريون للتصويت ضد عبداللطيف الرميحي، الذي خسر السباق لصالح النائب عيسى ابوالفتح، كما نقل حينها شهود عيان.

أما المعارضة، فهي تؤيد تحييد الجهاز العسكري، ذي الثقل العددي "أكثر من 30 ألفا"، لأنه يتشكل من موالين للنظام من ناحية، في ظل طبيعة التوظيفات التي لا تلتزم الضوابط المتعارف عليها في تكافؤ الفرص، بدعوى تفادي تسييس المؤسسة العسكرية الغارقة في التسييس عمليا، والأهم من ذلك وجود أعداد غفيرة داخل هذا القطاع أعطيت الجنسية بحق أحيانا، ومن دون وجه حق، في غالبية الأحيان.

وعلى الأرجح ستظل مشاركة العسكريين، خصوصا في اللعبة الانتخابية، محل أخذ ورد، وستتفادى السلطات أن يكون ذلك محسوما في القانون، مفضلة أن تظل السلطات الإدارية صاحبة القول الفصل في منع تصويت العسكريين أو الموافقة عليه مايعطيها مجالا أرحب في ضبط ايقاع اللعبة.

إن إقرار قانون الجمعيات السياسية من قبل الغرفة الأولى من المؤسسة التشريعية، لا يعني أنه سيطبق حالا، إذ لا بد من إقراره من طرف الغرفة المعينة "مجلس الشورى"، وهو الإجراء الذي يتوقع أن يتم في الدور الأول من الفصل التشريعي المقبل، في ظل وجود معلومات تؤكد أن الطرف الإصلاحي في النظام ضغط على مجلس النواب لإنجاز القانون قبل نهاية الدور الحالي، ومن المؤكد أن يصل هذا الضغط إلى مجلس الشورى ايضا. على أن رفض الحكومة في وقت سابق قانون الأحزاب الذي قدمته كتلة "الديقراطيين" بدعوى بث " الفتنة"، قد يضع شكوى بشأن مدى المساحات التي ستمارس فيها الجماعات السياسية نشاطها، وفي ذلك يسجل سلبا على القانون عدم وجود ما يعطي الجمعيات حق إصدار الصحف والمطبوعات خارج سياق قانون الصحافة المعقد للإصدارات الجديدة



أضف تعليق