الناس أولى بأموالها
جمن الصعوبة التكهن بالسبب الجوهري الذي يجعل رئيس جمعية المنبر الإسلامي النائب صلاح علي رافضا لاتفاق
وقد وصف رئيس جمعية الأصالة، في الاجتماع ذاته، ملاحظات علي بأنها كلام "يهال"، معتبرا الحكومة "غبية" حين أخرت درس المقترح الذي تبناه النواب في وقت سابق من العام الماضي، وهو في الأصل مقترح برغبة قدمته "الأصالة" السلفية مطلع العام ،2003 بعد نحو شهرين من انطلاق البرلمان.
وأزيد على كلام المعاودة أن غباء الحكومة أخرج الملف من يدها، ونقله إلى الديوان الملكي، الذي تعاطف مع طروحات النواب، في ظل إصرار المنتخبين على عدم تمرير الموازنة إذا لم تتم زيادة الرواتب.
إن ممانعة رئيس "المنبر" خطأ غير مبرر، قد تدفع ثمنه الكتلة في وقت لاحق، كما دفعت ثمن أخطاء سابقة حين ضربت بعرض الحائط جملة اعتبارات، تتعلق بالصدقية أساسا، ما أضعف مواقف كتلة الإخوان المسلمين في البرلمان، وجعلهم أقل الكتل قبولا، وأضعفها تنسيقا مع الآخرين، على رغم الرصيد الهائل والتراث الغني الذي يقف خلف "المنبر"، ويميزه عن غيره من الكتل التي تشكلت داخل البرلمان.
وعلى رغم أن النزاع الحزبي أحد معطيات اللعبة السياسية، فإنه سيكون معيبا معارضة الزيادة لكونها مشروعا في الأصل تزعمته "الأصالة"، التي يعدها "المنبر" منافسه الرئيسي لكسب الأصوات السنية. وفي كل الأحوال، فإن مد زيادة الرواتب ماض فيما يبدو، والتخلف عنه، عمليا، شبيه بتخلف المقاطعين عن الحضور في ساحة البرلمان، ولعل من المناسب أن يراجع صلاح علي مواقفه بشأن ذلك، الآن قبل الغد، وهو ما نعتقد أنه سيقدم عليه مع تزايد الضغوط الشعبية، وشعوره بالعزلة.
إلى ذلك، خلال اجتماع الاثنين الماضي، أبدى وزير الديوان الملكي تعاطفا مع طروحات الكتل الأربع أكثر مما أبداه صلاح علي، ونقل أن الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة أكد أن الموازنة للزيادة ستكون في حدود 18 مليونا، سائلا رؤساء الكتل عن كيفية صرفها على البونس أيضا، الذي سيكلف نحو 12 مليونا، والزيادة التي ستكلف نحو 16 مليونا، ما يعني أن الموازنة الكلية ستكون في حدود 30 مليونا.
وجاء الرد من أحد النواب بأن البونس سيمضي كما هو، ليكلف نحو 12 مليون، على اعتبار أن عدد الموظفين في القطاع المدني والعسكري يبلغ نحو 60 ألفا، كل موظف سيستحق 200 دينار بالتساوي، على خلاف المشروع الذي كانت عرضته الحكومة، ويصنف الموظفين إلى درجات.
هذا بشأن البونس، أما بشأن زيادة الرواتب، فقد أوجد النواب مخرجا بأن تسري الزيادة بدءا من شهر يوليو/ تموز المقبل، وليس من يناير/ كانون الثاني 2005 كما أراد النواب ابتداء، وبذلك فإن كلفتها ستكون في حدود 8 ملايين، وليس ،16 ما يعني أن الموازنة ستكون في حدود 20 مليونا، وقد تزيد قليلا إذا شملت الزيادة موظفي الكوادر التخصصية في القطاع العام والمتقاعدين، كما تطالب بذلك الكتل. وقد دفع ذلك المعاودة إلى الطلب من وزير الديوان بأن يخصص جلالة الملك بين 3 و4 ملايين لتحقيق هذا الغرض، وهو ما اعتبره الشيخ خالد طلبا معقولا.
لقد بذل النواب جهدا طيبا في سبيل الحصول على الزيادة، فبدءا من "الأصالة" التي كانت قدمت المقترح مطلع العام ،2003 مرورا بـ "الإسلامية" التي دعمته، و"الديمقراطيين" الذين قربوا بين الكتل، وقبل ذلك "المستقلين" الذين قادوا تحركا وجمعوا 27 توقيعا للمطالبة بزيادة الرواتب في جلسة 27 مايو/ أيار الماضي، وهو المقترح الذي كان سيموت لو رأس الجلسة خليفة الظهراني، ولكن المقترح غير الملزم تحول إلى قرارات عملية، يقضي بعدم تمرير الموازنة إذا لم تتم الزيادة، وعقد جلسة استثنائية لمناقشة ذلك، "وهي الجلسة التي أجلت وكان مقررا عقدها اليوم"، ويعود الفضل في ذلك إلى النائب الأول عبدالهادي مرهون الذي كان رئيسا للجلسة، وقيل حينها إنه ارتكب شبهة قانونية في اللائحة الداخلية، حين أعطى النواب فرصة الكلام بعد أن طلبت الحكومة تأجيل النقاش في الزيادة، وهذا أمر يحتاج إلى تدقيق، ويبدو لي أنه فعل ما كان يجدر فعله.
أخيرا، ترى هل ما أنجزه النواب يبدو مقنعا، وهل درس بالشكل بالكافي؟ الإجابة قد تكون بالنفي. ولكن ما العمل؟ هل نظل ننتظر إلى ما لا نهاية، والناس تموت حسرة... التأييد للمشروع ينطلق من كون ما يسمى بالحلول الجذرية غير متوافرة، فالحكومة لا تملك مشروعا، ولا يمكن التفاؤل بأن في الأفق ما يفرح، فقد خبرناها طويلا، معنية بنفسها، كما شبع الناس توجيهات... أليس الأولى أن تذهب الأموال إلى الناس بدل ذهابها إلى ما يقال إنها مـشروعات نسمع عنها ولا نراها؟
كما أن هناك القطاع الخاص المنسي، وكأن الدولة غير مسئولة عنه، ولعل من المناسب تأكيد أهمية صرف علاوة اجتماعية لكل العاملين في القطاع الخاص الذين يتقاضون أقل من 300 دينار، لأنه من غير المعقول أن يكون الواحد آدميا وهو يتقاضى ثمانين دينارا في الشهر يصرفها البعض على عشاء في أحد الفنادق، علما بأن الحكومة الكويتية تدفع نحو 200 دينار لكل من يعمل في القطاع الخاص.
فبدل أن تشمل الزيادة في القطاع العام المواطنين والأجانب، فليتم حصرها في المواطنين، على أن يذهب جزء من الزيادة المقترحة إلى المواطنين العاملين في القطاع الخاص على شكل علاوة شهرية... ولكني أكاد أجزم هنا بأن الحكومة سترفض هذا المقترح، وسيناصرها المستقلون والأصالة، وربما المنبر الإسلامي، ولكم أن تدققوا في الخلفيات