بين المجلس الطلابي والمؤسسة التشريعية
هنا مقال ثان، بمناسبة إجراء انتخابات المجلس الطلابي في جامعة البحرين، سيركز على إدارة العملية الانتخابية، وتشكيلة المجلس، وكيف يمكن الاستفادة منها في السياق الأوسع. وذلك استكمالا للمقال المنشور الأربعاء الماضي، والذي ركز على قراءة الفوز والخسارة للجماعات الطلابية، وموقف السلطات الإدارية من نمو هذه الجماعات وخلفياتها السياسية.
تشكيلة المجلس
يتشكل المجلس الطلابي من 22 مقعدا، 13 عضوا يتم انتخابهم بالاقتراع السري المباشر، على أساس أن كل طالب منتخب يمثل ألفا، فيما ينتخب التسعة الباقون بشكل غير مباشر من خلال الجمعيات والأندية الطلابية، فرؤساء الجمعيات الطلابية السبعة، المنتخبون من قبل أعضاء كل جمعية، يكونون تلقائيا أعضاء في المجلس الطلابي، أما الأندية "وعددها سبعة أندية أيضا"، فيختار رؤساؤها اثنين منهم ليكونا أعضاء في المجلس الطلابي.
التشكيل المذكور يعطي المنتخبين بالتصويت المباشر غالبية عددية، بنسبة 60 في المئة، فيما تمثل الجهات الطلابية الأخرى على نحو لا يخل بمبدأ كون الطلاب القاعدة لاختيار من يمثلهم. وقاعدة كهذه أساسية في عضوية المؤسسات التمثيلية، وهي شبيهة بالقول إن "الشعب مصدر السلطات".
في الأصل، يفترض أن يكون الانتخاب على نحو مباشر لكل التشكلية، لكن يمكن تفهم أن إجراءات كهذه، في ضوء التحول الديمقراطي، وهي خطوات إيجابية في طريق طويل وشاق نحو ديمقراطية أكثر تعبيرا عن الطموح الشعبي.
التشكيل المذكور يمكن أن يستفاد منه في تطوير تركيبة المؤسسة التشريعية البحرينية، التي تتكون، بحسب دستور 2002 المختلف عليه، من ثمانين عضوا، نصفهم منتخب ونصفهم الآخر معين. ومن الممكن جعل المنتخبين أكثرية، بزيادة عدد أعضاء مجلس النواب أو بتخفيض عدد أعضاء مجلس الشورى المعين. والأهم هنا هو إيجاد آلية للتعيين، بما يجعل من يتم تعيينهم ممثلين للمناطق، ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة. ومثل هذه الخطوة تبدو ممكنة وعملية، ولا تحتاج إلى تعديل دستوري يستبعده النظام، ولا يتمكن من إنجازه البرلمان.
صحيح أن قانون مجلس الشورى يضمن معايير للتعيين، لكن هذه المعايير تبدو فضفاضة، واستغلت على غير بصيرة في التشكيل الحالي للمجلس، الذي يعطي صورة سلبية للخبراء التشريعيين.
يشترط قانون المجلسين فيمن يعين عضوا في مجلس الشورى: "أن يكون ممن تتوافر فيهم الخبرة أو الذين أدوا خدمات جليلة للوطن من بين الفئات الآتية: أفراد العائلة المالكة، الوزراء السابقون، من شغل مناصب السفراء والوزراء المفوضين، أعضاء الهيئات القضائية السابقون، كبار الضباط المتقاعدين، كبار موظفي الدولة السابقون، كبار العلماء ورجال الأعمال والمهن المختلفة، أعضاء مجلس النواب السابقون، الحائزون ثقة الشعب" وليس من المبالغة القول إن غالبية أعضاء المجلس الحالي هم ممن لا تتوافر فيهم مثل هذه المواصفات، ما يعني أن التعيين لا ينسجم والنصوص القانونية والدستورية.
وبملاحظة قانون تشكيل المجلس الطلابي، فإنه يبدو منضبطا، وصارما، ولا يعطي فرصة مفتوحة في اختيار هذا الشخص أو ذاك، فرؤساء الجمعيات، واثنان من رؤساء الأندية أعضاء في المجلس الطلابي، بغض النظر عما إذا كانوا يناسبون هوى السلطات الإدارية، أو أنهم يحسبون على خط معارض لها.
أما المقياس في اختيار عضوية مجلس الشورى، كما هو متجسد في التشكيل الحالي، فهو الولاء، بالمفهوم الضيق للكلمة، ولم تستطع النصوص القانونية ضبط الاختيار. ولندع التنظير جانبا، فالواقع يتكلم بلغة أفصح. لذلك فمن المهم، خلال المرحلة المقبلة التي يسري فيها دستور ،2002 خلق أعراف بأن يتم تعيين بعض الأشخاص الممثلين لقطاعات عريضة من المجتمع، مثل الاتحاد العمالي، غرفة التجارة والصناعة، الجمعيات والاتحاد النسائي، وكذا جمعيات الأطباء والمهندسين والمعلمين وغيرهم من ممثلي مؤسسات المجتمع المدني. وهنا يمكن اختيار رئيس المؤسسة أو أن تعطى المؤسسة فرصة لاختيار ممثل عنها في مجلس الشورى، سيكون ممثلا للشعب بعد تعيينه، كما ينص الدستور.
الدوائر الانتخابية
إذا دققنا النظر في إدارة العملية الانتخابية في الجامعة، سنجد تشابها كبيرا بينها وبين إدارة اللعبة الانتخابية للمجالس البلدية والنواب، مع تسجيل أن بعض المناحي في الجامعة بدت أكثر تقدما من إدارة خارجها، ومن أمثلة ذلك "الدوائر الانتخابية"، إن صح القول.
فعلى عكس رسم الدوائر الانتخابية في انتخابات المجالس البلدية والنيابية في ،2002 التي بنيت وفق رؤى سياسية، فإن الدوائر الانتخابية في الجامعة بنيت وفق معيار واضح: كل ألف طالب يمثلهم عضو في المجلس الطلابي، على ألا يقل تمثيل الكلية عن طالب واحد.
وهذا ما يجعل كلية إدارة الأعمال تمثل بأربعة مقاعد في المجلس الطلابي، وكلية الآداب تمثل بثلاثة أعضاء، وكلية التربية بعضوين، وتمثل بعضو واحد كل من كليات الحقوق والعلوم والهندسة والعلوم وتقنية المعلومات.
وهذه الضوابط في رسم الدوائر "ألف يمثلهم واحد"، يمكن نقله إلى الواقع العملي خارج الجامعة، ربما يكون حلا لإشكالية الدوائر في الانتخابات البلدية والنيابية، ليكون عدد السكان محددا رئيسيا، لا ثانويا، في التقسيم.
لكن التشابه بين الجامعة والحكومة، هو فيما يتعلق بنقص المعلومات، فكما كان الحصول على معلومات صعبا عن الدوائر الانتخابية في الانتخابات النيابية الماضية، فقد يواجه المتابع صعوبات كبيرة أيضا في الحصول على الأرقام الدقيقة لعدد الطلبة في كل كلية، فلا الموقع الالكتروني للجامعة يضم هذه المعلومات، ولا المعنيون في العلاقات العامة تتوافر لديهم مثل هذه المعلومات التي لا يمثل "تسريبها" خطرا داهما.
إلى ذلك، وإذ عمدت السلطات في الانتخابات البلدية والنيابية إلى رسم يخل بالترابط الجغرافي أيضا، فإن الجامعة تعمد من جهتها إلى تفتيت الكتل الطلابية، كيلا يتمكن طيف واحد من السيطرة، من خلال منع الطلبة من التصويت لأكثر من مترشح في الكلية التي سينتخب فيها أكثر من شخص. فمثلا في كلية إدارة الأعمال، مطلوب انتخاب أربعة أعضاء في المجلس الطلابي، ويفترض أن يصوت كل طالب لأربعة مترشحين أو أقل، بيد أن الجامعة تمنع ذلك، وتعطي فرصة لانتخاب مترشح واحد.
ويقال إن هذا الإجراء موجه إلى قائمة "الطالب أولا" المحسوبة على "الوفاق"، ذلك أن معظم الكليات تضم غالبية شيعية، مثل كلية الآداب "65 في المئة تقريبا"، والعلوم "85 في المئة تقريبا"، والهندسة "85 في المئة تقريبا"، التربية "75 في المئة تقريبا"، أما تقنية المعلومات فتضم نسبة شبه متماثلة من الطائفتين، بينما تضم كلية الحقوق وكلية إدارة الأعمال غالبية سنية تصل إلى 60 في المئة.
ولما كان المطلوب هو التصويت لطالب واحد، فإن الجماعات الطلابية، التي أعدت قوائم انتخابية، تقسم نفسها للتصويت لأكثر من مرشح من قائمتها، عل مرشحيها يفوزون، ما يؤدي إلى تشتيت الأصوات فعلا. وهذا هو أحد أسباب فوز مرشحة "الشبيبة" زهرة الربيع، بأحد مقاعد كلية إدارة الأعمال، على مرشح قائمة "الطالب أولا" عبدالحكيم فردان، بفارق صوت واحد "116 مقابل 115".
الرقابة الأهلية
السلطات في الجامعة أدارت عملية انتخابية بصورة لم تخل من سلبيات، ويمكن تطويرها في المستقبل، بما يعطيها صدقية أكبر. وإضافة إلى ما ذكر، يمكن الإشارة إلى موضوع الرقابة الأهلية. إذ تبدو الجامعة خلف الدولة على صعيد إشراك مؤسسات المجتمع المدني في الرقابة على الانتخابات، فبينما شاركت جمعية "الشفافية" في إدارة الانتخابات النيابية الماضية، وهذا هو التوجه بالنسبة إلى الانتخابات المقبلة، يلاحظ أن السلطات الإدارية في الجامعة انفردت بإدارة اللعبة الانتخابية التي جرت منتصف الشهر الجاري، وهذا ما يجعل اللجنة العليا للانتخابات في الجامعة خصم الطالب محمد ثامر، الذي أسقطت ترشيحه، وهي الحكم أيضا، وهذا موقع غير مقبول لجهة الأصول والأعراف، إذ من غير المتوقع أن تحكم اللجنة التي شطبت اسم الطالب لصالح خصمها!
هناك نقاط كثيرة في انتخابات الجامعة، يمكن أن يستفاد منها لتطوير العملية الانتخابية في البلد. فالجامعة مختبر مصغر، يمكن للدولة "السلطات الإدارية"، والتجمعات الطلابية "السياسية" وكذا الناخبين "الطلاب"، الاستفادة منها لتطوير أدائهم المقبل