قانون الذمة المالية وضعف الإجراءات التنفيذية
أحال مجلس الوزراء إلى المؤسسة التشريعية في الأسبوع الماضي مشروعا بقانون بشأن كشف الذمة المالية، الذي يلزم غالبية المسئولين في الدولة، بتبيان ما يملكه كل منهم وزوجه وأولاده القصر من أموال عينية أو نقدية، عقارية أو منقولة، في الداخل والخارج، بما في ذلك الديون التي عليهم، والحقوق التي لهم، وذلك خلال ستين يوما من التعيين، ثم كل ثلاث سنوات أثناء الخدمة، ثم خلال ستين يوما من تاريخ تركه لمنصبه، على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، وبغرامة بين ثلاثة إلى عشرة آلاف دينار كل من تخلف عن تقديم إقرار الذمة المالية في الموعد المحدد، أو قدم في الإقرار معلومات خاطئة.
المشروع المحال لم يتم الاطلاع عليه بعد، وهو في الأصل مقترح مقدم من كتلة المنبر الإسلامي، ولا يستبعد أن يكون مجلس الوزراء أجرى تعديلات على المقترح المرفوع، وإذا أدخلت تعديلات فعلا أو حذفت عبارات على المقترح، فإن ذلك يعد مخالف للدستور واللوائح، علما بأن الحكومة لم تكن متحسمة للمقترح، وكانت دعت إلى تأجيل النظر فيه، وهو أمر متوقع من سلطة كانت حصنت نشاطاتها السابقة من المساءلة، عبر تثبيت المادة "45" في قانون المجلسين، التي تمنع محاسبة المسئولين في أمور سبقت انعقاد المؤسسة التشريعية نهاية العام ،2002 وتأمل أن ينسحب عدم المحاسبة فيما هو آت من أيام، غير مدركة أن أمورا "وإن كانت متواضعة" قد استجدت.
ومع ذلك، فإن أمام المجلسين فرصة كافية لضبط صياغات المشروع وجعلها واضحة، وتسد الفراغات الموجودة في المقترح الأصلي، وإذا ما تم إقرار المشروع خلال الفصل التشريعي الحالي، الذي ينتهي قبيل صيف ،2006 تكون البلد خطت خطوة معتبرة إلى الأمام في سبيل مكافحة الفساد والرشا والكسب غير المشروع، الذي أرهق البلاد والعباد طوال العقود الثلاثين الماضية.
النص الذي كان مقدما من طرف المنبر الإسلامي، يبدو نسخة قريبة جدا من قانون الذمة المالية الكويتي. وهو يلزم ست فئات بتقديم إقرار الذمة المالية، هم: أعضاء مجلسي الشورى والنواب، من يشغل وظيفة وزير، أعضاء المجالس البلدية، العاملون الذين تنظم شئون توظيفهم قوانين خاصة، شاغلوا الوظائف العامة بدرجة مدير في المؤسسات الرسمية والشركات التي تملك فيها الحكومة أكثر من 50 في المئة من رأس مالها، وأعضاء مجالس إدارة المؤسسات التي تملك الحكومة أكثر من خمسين في المئة من رأس مالها.
وإذا قارنا النص البحريني، بالصيغة التي أقرها المجلس التشريعي الفلسطيني، تحت مسمى "قانون الكسب غير المشروع"، يمكن ملاحظة أن النص هناك يشمل أيضا رئيس السلطة الوطنية ونوابه ومستشاريه، ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء ومن في حكمهم، أما النص الكويتي فإنه يضيف رئيس مجلس الوزراء إلى قائمة الملزمين بتقديم إقرار الذمة المالية.
كما يلزم القانون الفلسطيني بتقديم الإقرار لكل من أعضاء السلطة القضائية والنيابة العامة، "يبدو أنهم مشمولون في النص البحريني ضمن قائمة العاملين بلوائح خاصة"، ورؤساء وأعضاء إدارة الشركات العامة ومديروها التنفيذيون، بغض النظر عن النسبة التي تساهم فيها الحكومة الفلسطينية في هذه المؤسسات "النص البحريني يشترط أن تكون مساهمة الحكومة 50 في المئة فما فوق"، ومأمور التحصيل والمندوبون له والأمناء على الودائع والصيارف ومندوبو المشتريات والمبيعات وأعضاء لجان الشراء والبيع في القطاعين العسكري والمدني، وهو ما لا يبدو أن المشروع البحريني يتضمنه بصورة واضحة على رغم الظروف التي تتهيئ للمشتغلين في هكذا مواقع للوقوع في إرباك ما. والنص الفلسطيني يدرج ضمن من هم مدعوون بكشف الذمة رؤساء الأجهزة ومديري الدوائر ونوابهم في قوات الأمن والشرطة، فيما لا يشير المشروع البحريني إلى القطاع العسكري، وهو أمر لا يبدو مقنعا في ضوء أكثر من حادثة فساد في الأجهزة الأمنية، آخرها في إدارة المرور والترخيص، حين أعلن أن ضابط وعدد من رجال الأعمال شكلوا عصابة لسرقة السيارات، وكلف الضابط باتلاف ملفاتها القديمة، وإعادة تسجيلها، ومن ثم بيعها في السوق. كما يعطي النص الفلسطيني فسحة أخرى حين يعطي مجلس الوزراء الحق في إضافة أي شخص لقائمة المطلوبين بتقديم الإقرار، وهو ما يهمله النص البحريني.
وفيما يخص الهيكل التنفيذي والآليات، فإن النص البحريني يقترح أن يتولى فحص إقرار الذمة المالية "جهاز"، يتبع الملك، برئاسة مستشار من محكمة التمييز يعاونه عدد كاف من رجال القضاء بدرجة رئيس نيابة على الأقل، يتم ندبهم لهذا الغرض بناء على ترشيح المجلس الأعلى للقضاء، ويتم تعيينهم لمدة سنتين فقط. أما الصيغة الفلسطينية فتبدو متقدمة خطوات، إذ ينص القانون على إنشاء "هيئة مكافحة الكسب غير المشروع"، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي ولها موازنة خاصة، وليس مجرد "جهاز" غير محدد المعالم ولا توجد له موازنة خاصة، كما في الصيغة البحرينية.
أما رئيس الهيئة الفلسطينية، الذي يكون مسئولا أمام المجلس التشريعي، فيعينه رئيس السلطة بناء على اقتراح مجلس الوزراء، لمدة سبع سنوات غير قابلة للتجديد، على أن يصادق على تعيينه أعضاء المجلس التشريعي بالغالبية المطلقة، ولا يجوز عزله أو تغييره إلا بغالبية المجلس التشريعي. ويتمتع رئيس وموظفو هيئة الكسب غير المشروع بالحصانة عن كل ما يقومون به من أعمال تتعلق بتنفيذ مهماتهم. ومن دون تقليل من أهمية المشروع البحريني، فإن عدم تقوية الجهاز الإداري الذي سيتابع الإقرارات، قد لا يمكن من جني الثمار المأمولة من هكذا قوانين. لذلك يفترض أن يستفيد مجلسا الشورى والنواب من الصيغة الفلسطينية، وان يسعيا لتثبيت جهاز فاعل، يكون مسئولا أمام المجلس المنتخب، له صلاحيات واسعة ويتمتع بالاستقلال الإداري والمالي، ليكون قادرا على تحقيق النصوص على أرض الواقع، وإلا فإنها ستبقى حبرا على ورق كما هي نصوص الدستور عن المساواة وتحقيق العدالة الاجتماعية وحرمة المال العام... كما أنه من المهم تفادي سلبيات تشكيل واختصاصات ديوان الرقابة المالية، كي لا نعيد التذكير بالأداء الذي جاء أقل من المتوقع لهذا الجهاز وغيره من المؤسسات التي استحدثها العهد الجديد