دلالات استقالة الوزير
استقالة وزير الداخلية العراقي نوري بدران جاءت لتؤكد أن الشرفاء يرفضون هذا الشكل الدموي الانتقامي من المدنيين من أجل الثأر لعدد من الذين قتلتهم عناصر غير معروفة بإلقاء اللوم على مقتدى الصدر.
صحيح أن السيد مقتدى الصدر قد يكون تخطى الخط الأحمر بخلق جيش منظم في ظل وجود الغزاة الأميركان الذين يعتبرون أنفسهم منقذي الشعب العراقي من أكثر أنظمة العالم دموية، لكن أن يصل الوضع إلى استخدام الجيش الأميركي الطائرات الحربية والقنابل التي تزن أكثر من 200 كيلو من المواد المتفجرة على منازل ليس بها سوى الشيوخ والنساء والأطفال وتحرق المئات فهذا يعني فجورا ما بعده فجور وطغيانا ما بعده طغيان، وهو أسلوب يجب أن يرفضه الرأي العام العالمي، إنه تأكيد أن الولايات المتحدة تستخدم شريعة الغاب في ما تريد تنفيذه، وما أبعد هذه الأمم عن الحضارة، فهي متقدمة في المدنية وليس في الحضارة، عكس الأمة الإسلامية التي يأمرها دينها من دون أن يعطيها خيارا آخر من منطلق الآية الكريمة: «ألا تزر وازرة وزر أخرى»(النجم: 38)، إذ يحرم على المسلمين الاعتداء الجائر ويفرض عليهم في أقصى الدرجات الاعتداء بمثلما اعتدوا عليهم.
وعلى حد تعبير المطرب العراقي المرحوم ناظم الغزالي (الزين يعرف واجبه) ولأن نوري بدران عرف واجبه استقال احتجاجا على شراسة عدوان الجيش الأميركي على الفلوجة بكل ضواحيها واتساعها، بعد أن فرض حصارا عليها بحجة أن أهالي الفلوجة لم يكشفوا عن المعتدي، فمن أين لهم أن يقدموا أو يكشفوا عن مجهول لا يعرفونه؟
أما مجلس الحكم الانتقالي فموقفه بعدم الاستقالة ليس مخجلا فحسب، بل مخزيا كذلك. إن مجرد التلويح باستقالة أعضائه كان يمكن أن يغير الوضع ويتراجع الأميركان من القيام بالحصار والهجمات الشرسة، لكن الأعضاء لم يشذوا عن قاعدة المسئولين العرب، فصاروا يبررون في الهوائيات عملية الاعتداء المشينة.
وزير الداخلية العراقي هو النموذج المطلوب الذي يدرك بعمق أن الواجب يملي عليه إن لم يستطع القيام بعمل إيجابي يضع حدا للمأساة فلا أقل من أن يستخدم أضعف الإيمان، وهو الاستقالة. فهل هناك نماذج أخرى في الخليج أو الوطن العربي مشابهة، وخصوصا ان الأسباب التي تستدعي المحاسبة كثيرة جدا، وخصوصا حين يتورط المسئول في وحل الفساد والتجاوزات المالية