العدد 590 بتاريخ 17-04-2004م تسجيل الدخول


الرئيسيةالأعمدة
شارك:


البرلمان الموحد

لقد عملتُ لسنوات طويلة في إحدى دول الخليج قبل قيام مجلس التعاون، وكانت هذه الدولة نموذجا راقيا في الحرية والديمقراطية العفوية من غير دستور. وكنت مسئولا في أحد الأندية المهتمة بالفكر والثقافة والذي لعب دورا كبيرا في إثراء الثقافة والفكر؛ لا لأن مجلس الإدارة كان نشطا أكثر مما يجب بل لأن سقف الحرية كان مرتفعا جدا ما يسمح لأي مركز ثقافي أن يقيم كل ألوان النشاط الثقافي والفكري دون استئذان من أية جهة. وكان بإمكانك أن تدعو أي كاتب أو سياسي أو مفكر لإحياء أمسيات ثقافية أو أيام ثقافية، وحتى لو أردت أن تستدعي لينين أو جيفارا فلا أحد يمنعك أو يسألك من هذا أو ذاك. لذلك كانت هناك مرحلة انتعاش سياسي وفكري كبير.

وعدت بعد فترة قاربت العقد من الزمان إلى الوطن قبيل إعلان مجلس التعاون بقليل، وبعد بضع سنوات زرتها لبضعة أيام مرة أخرى فسألت الأصدقاء عن أوضاع الثقافة فقيل لي انه مع قيام مجلس التعاون لم يبق سقف الحرية كما كان، بل تم خفضه ليكون في مستوى بقية أسقف دول الخليج، فكان ذلك كارثة على المستوى الثقافي. وحين تتوحد الأسقف للأسفل بحيث تهبط عن مستواها السابق يكشف لنا هذا المشهد كيف سجلت الحريات في مجال الفكر والثقافة - وربما في الصحافة والأجهزة الإعلامية - من تخلف وتراجع في عدد من دول الخليج التي كانت تتعامل مع الحريات بشكل عفوي وبراءة من منطلق الثقة بالمواطن وإشعاره بأن الوطن وطنه، ولا يمكن أن يعمل ما يضر بمصالحه، ما كان يفرض على المثقف والإعلامي أن يتعامل برقابة ذاتية وبميثاق شرف غير معلن .

وهذا المشهد يجعل الإنسان في خوف مماثل من أن تأتي الدعوة إلى قيام مجلس نيابي خليجي موحد على حساب الدول الخليجية التي خطت أشواطا بعيدة في الحياة الديمقراطية والدستورية وخصوصا دولة الكويت. وخوفي أن تأتي هذه الدعوة من منطلق الرغبة في إنزال سقف الحرية في البلدان الخليجية التي حصلت على مكاسب كبيرة، فهي بالتالي مؤامرة عليها باسم الوحدة تماما مثل المشهد السابق. أرجو أن أكون مخطئا وألا يكون شكي في محله



أضف تعليق