الشفافية بين الحلاوة والمرارة
أحلى ما في الشفافية والديمقراطية أن المواطن يشعر بالارتياح حين يتم التعرف على أولئك الذين كانوا يعتدون على حقوقه، ما يفرض عليه على أقل تقدير أن يتوقف عن احترامهم حتى لو لم يتمكن أحد من استرجاع ما نهبوه. ثم لأن هذه الاكتشافات تجعلهم لا يستطيعون أن يسيروا كالطواويس في الشوارع وكأنهم خرقوا الأرض أو بلغوا الجبال طولا، ويشعر المواطن البسيط حين يراهم في أي مكان بأن هؤلاء من طبقة الملائكة وليسوا من طبقة الشياطين.
ولكن أسوأ ما في الشفافية والديمقراطية أن هؤلاء المتجاوزين الذين كان كثير من البسطاء يعتبرهم قيمة عليا وأناسا خلقهم الله لخدمة الوطن تكشَّف لهم أنهم خيّبوا ظنه، ولهذا فإنه في مرحلة الشفافية والديمقراطية يشعر هؤلاء الطيبون بأنهم فعلا كانوا مغفلين وجهلة.
لكن للشفافية والديمقراطية مخاطرها وآلامها، إذ إن القانون الحالي يمنعه من المساس ببعض الفاسدين وهم كما قال أبوفراس الحمداني: «فهُم كُثُر». ولهذا يصاب الإنسان احيانا بالكآبة، فإن كانت كآبته السابقة تأتي من العمل في تلك البحار المرعبة من أجل الحصول على رزقه عندما كان يعمل في صيد اللؤلؤ بحيث كان يغنى ويثرى الطواويش والنواخذة على حسابه فإنه يموت اليوم قهرا لأن الشفافية تجعله يعرف من ينهبه ويحرمه من الحياة الكريمة من دون أن يتمكن من محاسبته، ولهذا فإني أرى أن أي وزير لو لم يوفق في محاسبة من نخروا الوزارة فسيصاب بكآبة مضاعفة.
وأرجو ألا «ينبر» ويحفر المزيد حتى لا يحدث له ما حدث لوزير ياباني سابق حين تولى الوزارة وقرر أن يكشف الأوراق كلها لينهي عصر الفساد، وقد أعطيت له كل الصلاحيات لأنه لم تكن هناك خطوط حمراء سوى على الامبراطور، وبعد فترة من «النبر» والحفر والبحث اكتشف أن ابن عمه ووالد زوجته كانا يقفان في الصف الأول من المتجاوزين قبل تقاعدهم، ما اضطره إلى تقديم استقالته.
إن إيقاف الفساد خير وبركة، ومع أني لست مع المثل القائل «طارت الطيور بأرزاقها» لأن ذلك هو الذي أوصل بلادنا إلى هذا المستوى من الفساد والتخلف، فإن قدرنا هكذا؛ إذ يكفي أن يضع أي وزير شريف يريد تطهير وزارته من الفساد أن يستمع إلى إشاعات المواطنين عن المرتشين ويأخذها مأخذ الجد ليبدأ عصرا جديدا