العدد 2123 بتاريخ 28-06-2008م تسجيل الدخول


الرئيسيةالأعمدة
شارك:


يقولون اقتصادنا مريض

يستدل بعض الاقتصاديين لدينا بنصيب الإيرادات النفطية في الموازنة العامّة والتي بلغت العام الماضي 80 في المئة من إجمالي الإيرادات حين يعقب بعضهم كلامه بتساؤل بشأن دعاوى تنويع مصادر الدخل، ويستدل بهذه النسبة على أنّ الاقتصاد مريض نتيجة تغوّل الدولة وتدخلها. والبعض من هؤلاء الاقتصاديين حين يطلق هذا التصريح ليس معارضة للحكومة هذه المرة، بل مؤيّدا للتوجه الاقتصادي الحالي بالدفع نحو تخلّي الحكومة عن التدخل في الشأن الاقتصادي. ولا يبدو في هذا الاستدلال طرحا منطقيا، وذلك لعّدة أمور أهمّها أنّ الاقتصاد مريض أم سليم لا يُقاس بمصدر الإيرادات الحكومية، وأفضل مقياس للاقتصاد كما يرى كبار علماء الاقتصاد - مع عيوبه - هو إجمالي الإنتاج القومي (يفرق قليلا عن مجمل الإنتاج المحلي).

وإذا كان النفط والغاز يشكلان 30 في المئة من إجمالي الإنتاج المحلي، فكيف صحّ الحكم على الاقتصاد بالمرض؟ والنفط حين يشكّل النسبة الأكبر من الإيرادات الحكومية، فهذا لا يعود لكون الاقتصاد مريضا، بل يرجع للأنظمة الموجودة في البلد والتي تعفي القطاع الخاص من المشاركة الفعلية في إيرادات الموازنة عن طريق الضرائب، فالبحرين حالها حال دول الخليج الأخرى كالكويت، لا تفرض ضرائب تسهم في تشكيل الموازنة العامّة بشكل كبير، بالتالي لا يُوجد تنويع في المصادر المكوّنة للموازنة.

وجه الاستغراب في طرح بعض هؤلاء الاقتصاديين أنهم في الوقت الذي يؤيدون فيه إقصاء الدولة عن النشاط الاقتصادي، يرفضون إصدار تشريعات قانونية من أجل فرض ضرائب على الاستثمارات الأجنبية وذلك خوفا من هروبها، وعلى ذلك فمن باب أولى عدم فرض ضرائب على القطاع الخاص الوطني، وفي حالة إقصاء الدولة عن الشأن الاقتصادي بجانب رفض تشريع ضرائب على أرباح الشركات، كيف نعيب على الدولة تركز إيرادات الموازنة من النفط فقط وعدم تنويع مصادر دخلها؟

فلو افترضنا أننا في حاجة حقيقية لنفس المبالغ المرصودة حاليا للموازنة العامّة والتي زادت عن سنة 1990 بمقدار أكثر من 300 في المئة، ولو اعتبرنا أنّ أسعار النفط ما زالت كما هي في بعض سنوات التسعينيات، لا تزيد عن 13 دولارا، بالتالي لا يوجد خيار لتنويع مصادر دخل الموازنة في حال إقصاء الدولة عن مباشرة النشاط الاقتصادي سوى الضرائب التي يرفض هؤلاء الاقتصاديون فرضها على المستثمرين.

الدولة في العالم الرأس مالي قامت بفرض الضرائب ولكن من أجل تقليص التفاوت الطبقي وبالذات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وما زالت هناك ممانعة ترفض إقصاء الدولة عن التصدي للرفاه الاجتماعي وإنعاش الطبقات المحتاجة، وإذا رفضنا تشريع ضرائب على أرباح الشركات وغيرها تحت دعوى هروب الاستثمارات الأجنبية، فمن أين للدولة أنْ تأتي بالمال في حال انخفضت أسعار النفط مرة أخرى؟

نقطة مهمّة أخرى، وهي أنّ رفض إصدار تشريعات من أجل هذا الغرض يدلل على أنّ الاتكاء على الاستثمارات لا تحقق تنمية مستدامة، ولكنها تنمية على وشك الاختفاء كلما عنت في الأفق ضرائب عليها.

ويبدو أنّ المشكلة تكمن في تغوّل الدولة ليس من خلال التدخل في الشأن الاقتصادي المباشر، فالدولة لا تملك في قطاع الإنتاج - باستثناء قطاع النفط والغاز - سوى نسبة ضئيلة، ولا يدّعي أحد أنّ المشكلة تكمن في تدخلها في تقديم الخدمات وإشرافها المباشر على القطاع الخدمي الذي يدعو هؤلاء الدولة للتخلي عنه تحت دعوى تخفيف تغوّلها، ولكن تغوّل الدولة سببه في السنوات الأخيرة ما يقع تحت يديها من مدخول النفط الذي أدى لزيادة كبيرة في نسبة سيطرتها على إجمالي الدخل المحلي بنسبة كبيرة جدا، وقد عادت الإيرادات النفطية لتشكل النسبة نفسها تقريباّ من الإيرادات العامّة التي كانت تشكلها سنة 1970، فقد كانت تشكل آنذاك 78.8 في المئة، وانخفضت سنة 1998 لأقل من 50 في المئة، ثم عادت سنة 2007 إلى 80 في المئة. فقد رفع النفط رفع نسبة سيطرتها من إجمالي الدخل المحلي بنسبة كبيرة.



أضف تعليق