العدد 2102 بتاريخ 07-06-2008م تسجيل الدخول


الرئيسيةالأعمدة
شارك:


حين يميل جسد الوطن إلى جهة الجيوب المنتفخة

ليس كلّ شيء بيد الأكثرية، والأكثرية ليست دائما مقياسا سليما لفرض الرأي في كلّ الظروف، إذ هل يمكن للأكثرية أنْ تفرض على الأقلية العيش جياعا والصبر على البؤس الذي تعيشه؟

لو كان 90في المئة من الشعب مكتفين، لا يمكن لهذه الأكثرية أنْ تلزم الـ 10في المئة المتبقية التي تعيش العوَز والحاجة المادية الالتزام بالصمت والرضوخ لرأي الأغلبية، فكيف والحال أنّ الأكثرية أصبحت تعاني صعوبات معيشية جمّة، إذ أنّ ما يقارب من خمسين ألفا من القوى العاملة البحرينية رواتبهم أقل من 250 دينارا؛ وهؤلاء يشكلون ما نسبته حوالي 50في المئة من القوى العاملة الوطنية. ويكفي أعداد المستحقين لمعونة الغلاء دليلا على التردي الحاصل في المعيشة، فأكثر من 70في المئة من العائلات البحرينية ضمن المستحقين لعلاوة الغلاء.

وبغض النظر عن هذه النسبة أو تلك، فسواء شكّل الفقراء أقلية أم أكثرية في المجتمع، فما لم يتم إشباع حاجاتهم المادية، فإنّ مصير المجتمع سيظل على كف عفريت. وسيبقى ملف الفقر والحاجة المادية هو الأخطر من بين الملفات، ولا منافس له على إقلاق مضجع المجتمعات جميعها، ولهذا «لو كان الفقر رجلا لقتلته» كما يُنسب القول لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع). ولماذا قيل «إذا ذهب الفقر إلى بلد، قال له الكفر خذني معك» وهي كلمة منسوبة لأبي ذر الغفاري(رضي الله عنه)

إقران الفقر بالكفر هنا ربما بسبب اشتراك الاثنين من حيث الآثار العملية على سلوك الفرد المحروم، ألم يقل أمير المؤمنين (ع) «الفقر هو الموت الأكبر».

إنّ الحرمان يقود للثورة على السلطة. ولكن اذا ما تم قمع حركة المحرومين بالقوّة، فإنّ المجتمع هو الذي سيُعاني مستقبلا من أفراد يبحثون عن حقوقهم وإشباع حاجاتهم عن طريق السرقات والسطو ومختلف أشكال الجريمة والرذيلة، وهذه الجرائم كلّها من آثار الكفر بالله وضعف الإيمان بالآخرة.

ومن خلال ما أوجبه الفقهاء المسلمون على الدولة من توفير الحدّ الكافي (حد الكفاية) لإشباع الحاجات المادية لأفراد المجتمع فردا فردا، سواء بطريقة مباشرة كما في حالة العاجزين من أيتام ومرضى أو بتوفير فرص الكسب الملائمة للقادرين، يمكن من خلال ذلك استيعاب خطورة الجانب المادي في حياة الإنسان، وإنّ النقص الذي يصيبه في هذا الجانب قد يكون سببا لانحراف تفكيره ومن ثم انحراف سلوكه عن سلوك الأسوياء.

وكيف لا يسخط الناس على الدولة، والدخل الكبير مكدّس في جيوب فئة قليلة؛ ليظل أكثر المواطنين يُكابدون قلة الرزق وشظف العيش، حتى أطلق عليهم بعض الخليجيين لقب «هنود الخليج»، إذ يجولون في تلك البلدان بحثا عن وظائف في وقت يبلغ عدد الأجانب لدينا ما يُقارب من 50في المئة من السكّان. ويخطئ مَنْ يظن أنّ الفقر هو درجة الجوع، بل التفاوت الفاحش في المستوى المعيشي في المجتمع يقود للأزمات والسخط.

ولم يكن الفقر ليحصل لولا الاستحواذ على الثروة الذي تمارسه قلّة في سيطرتها على الأراضي اليابسة والبحار. ومع كل تلك الممارسات في مصادرة الثروات الطبيعية من أراضٍ وغيرها، إلاّ أن مجرد المدخول الهائل الحالي من النفط، كفيل بإنشاء مشروعات تنموية تستوعب أعداد العاطلين وذوي الدخل الضعيف... فأين هذا المدخول وآثاره العملية؟!

ولنقارن ما حدث في أعقاب حرب رمضان/ أكتوبر سنة 73 مع الوضع الحالي، ففي تلك الفترة حين ارتفع سعر برميل النفط وتم فيما بعد حل المجلس الوطني سنة 1975 وفُرِض قانون أمن الدولة غير الشرعي، ولكن قامت الدولة بإفاضة شيء من هذا المدخول الكبير والمفاجئ على الناس، فوّفرت الوظائف ذات الأجور المجزية والبيوت الإسكانية للمواطنين. أمّا الآن فقد بلغ سعر البرميل ما يقارب من 130 دولارا بعد أن كنّا نعيش على سعر للبرميل في سنة 1998 قبل أي عشر سنوات بما يقارب من 18 دولارا فقط.. ولكن ما الحاصل حاليا؟

الحاصل أنه حتى الغذاء أرتفعت أسعاره لدرجات مرهقة، ثم يتعذرون بأنّ المشكلة عالمية!

ونسأل: أينَ إذا أثر نسبة النمو الحقيقي للاقتصاد الذي تتحفنا بها الجهات الرسمية وتتبجح بها الحكومة كدليل على نجاحها؟ فبما أنّ النمو لدينا نموا حقيقيا، بمعنى أنّ نسبة التضخم قد تم حذفها عند احتساب نسبة النمو، بالتالي فإن زيادة الأسعارعالميا لا ينبغي أنْ تشكّل مشكلة مطلقا. غير أنّ هذا صحيح لو كان أفراد الشعب يستفيدون من هذا النمو بشكل منصف، أمّا حين يزداد الاقتصاد نموا في حين يزداد المستوى المعيشي للناس ترديّا، فذلك مؤشر على وجود إعاقة أصابت العدالة الاجتماعية في مقتل، ولا ندري أين ستأخذ بهذا البلد ومن فيه مستقبلا حين يميل جسده بحدّة إلى حيث الجهة التي انتفخت فيها جيوب الأقلية المتخمة فأعاقته عن السير الطبيعي



أضف تعليق