أرقام الوزير عطية الله... كيف ضحكنا على البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة؟
فعلا كانت إجابة الوزير الشيخ أحمد بن عطية الله في منتهى السخرية من عقول الناس، فعندما وُجّه له أحد النواب سؤالا عن عدد السكّان، طرح عليه الوزير خيارين: على أيّ منهْج تودّ معرفة عدد السكّان، على منهْج السجّل السكّاني أو منهْج التعداد والإحصاء.
فأيّ سخرية واستخفاف في إجابة وزير لنائب للشعب يوّجه سؤالا للحكومة؟
وحين شبّه النائب المزعل جواب الوزير بتهكم بالقول (مضمونا): كيف؟ هل نحن في صدد بيع «سنبل»؟ والسنبل باللغة الدارجة هو الفول السوداني. والنائب كما يبدو يقصد العادة التي كانت موجودة في ذلك الزمان من وجود مكيالين عبارة عن فنجانين بحجمين مختلفين لبيع الفول السوداني المحمّص، أحدهما بسعر يختلف عن الآخر... وهذا بالفعل تشبيه بليغ عن إجابة الوزير. فطبقا لمنهْج التعداد والإحصاء يبلغ السكّان ما يُقارب من 744 ألف نسمة وبموجب ما أسماه الوزير السجل السكّاني فإن عدد السكّان يفوق المليون نسمة.
المسألة المهمة التي بصدد إثارتها في هذا المقال يتعلّق بالمركز الذي حازته البحرين في تقرير التنمية البشرية من حيث توفير الرفاهية للبشر.. فالمعلوم أنّ البحرين كانت الأولى عربيا في سنة 2004، وفي العام 2006 جاءت في المرتبة الثانية بعد الكويت، متفوقة بذلك حتى على قطر والإمارات العربية المتحدة وبدرجات عديدة، فالبحرين كانت في المرتبة 39 من بين دول العالم في التنمية البشرية المرتفعة، وقطر كانت في المرتبة 46 أمّا الإمارات فجاءت في المرتبة 49.
ومن المعروف أنه وفقا للأرقام الرسمية التي توفرها الحكومة، يتم تحديد مرتبة الدولة على مستوى تحقيق التنمية البشرية في التقرير السنوي الذي يصدر عن البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة.
ومستوى التنمية البشرية يتم حسابه على أساس ثلاثة مؤشرات وهي كالتالي: العناية بالصحة عن طريق حساب العمر المتوقع عند الولادة، وحساب دليل التعليم متمثلا في نسبة البالغين الذين يلموّن بالقراءة والكتابة، بجانب نسبة الالتحاق بالمدارس.
البعد الثالث هو محل الإثارة الحالية التي نحن بصددها وهو متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالي سنويا بالدولار بحسب تعادل القوّة الشرائية. هذه الأبعاد الثلاثة مقسّمة على ثلاثة أثلاث، فكلّ واحد منها له ثلث العلامة، فتصبح العلامة الكلية واحدا صحيحا.
في تقرير التنمية البشرية للعام 2007 جاءت البحرين في المركز 41 على مستوى دول العالم والرابعة عربيا بعد الكويت وقطر والإمارات. غير أنّ الحقيقة الغائبة، وبعد كارثة أرقام الشيخ عطية الله بشأن العدد المليوني للسكّان، فإن مركز البحرين في الحقيقة متأخر عن ذلك بكثير، والسبب هو أنّ الذي رفع مركز البحرين في السنوات الأخيرة ليس مؤشر الارتقاء بالتعليم أو الصحة، بل أنّ البحرين تراجعت في مستوى التعليم في تقريري 2006 و2007 .
المفاجأة التي نحن بصدد إثارتها الآنَ، أنّ الذي رفع مركز البحرين هو الارتفاع الكبير - وبا لشدّة السخرية - في مستوى معيشة الأفراد وذلك لارتفاع متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي... هذا طبعا بحسب أرقام الحكومة التي تم تزويد الأمم المتحدة بها.
الآنَ أصبحت كلّ الأرقام التي على أساسها تفوقت البحرين وحازت مراكز متقدّمة من بين الدول العربية مطعون فيها بعد أنْ اتضح بانّ الرقم الذي اعتمدته الأمم المتحدة لعدد السكّان هو ما يقارب الـ 743 ألف نسمة وليس الرقم الدقيق وهو ما يُقارب من مليون و خمسين ألف نسمة كما قال الوزير أحمد عطية الله. وبذلك فإن العناية بالصحة والتي تحتسب من خلال عدد الأطباء لكل ألف فرد أو عدد الأسرة وعدد الممرضات لكل ألف فرد في البحرين، كلّها أصبحت في مهب الريح. ولكن سنعتبر الأرقام صحيحة؛ لأنّ المنوط به هو العمر المتوقع عند الولاة.
غير أنّ الكارثة التي ستبين أنّ المركز الذي حازته البحرين على الأقل في العامين 2006 و2007 متأخر جدا عن المعلن عنه، هو متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالي. الأرقام التي زودت بها حكومة البحرين الأمم المتحدة توضح أنّ نصيب الفرد في البحرين يفوق كلّ الخليجيين بما فيهم الكويتي والقطري باستثناء الإماراتي. ففي العام 2006 تفوّق ناتج الفرد في البحرين (20758 دولارا سنويا) على الفرد في الكويت (19384 دولارا سنويا). وفي تقرير التنمية البشرية لعام 2007 بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي 48.21 ألف دولار سنويا للفرد الواحد، وهذا رقم كبير جدا، وهو ما رفع مؤشر البحرين.
ولكن المفاجأة التي غفل عنها البعض، أنّ هذا الرقم تم أخذه من خلال تقسيم إجمالي الدخل المحلي على عدد السكّان البالغ 744 ألف تقريبا، فهذا هو الرقم الذي تم اعتماده من أجل معرفة متوسط نصيب الفرد في البحرين من الناتج المحلي. ولكن حين يُقسّم إجمالي الدخل المحلي على عدد السكّان الحقيقي والدقيق (باعتراف الحكومة) وهو مليون وخمسين ألف نسمة، فإنّ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي يصبح أقل من 16 ألف دولار سنويا للفرد الواحد. وهكذا نلاحظ الفرق الشاسع جدا بين الرقم الذي قفز بالبحرين لمرتبة متقدّمة من بين دول العالم في العناية بالبشر في تقرير التنمية البشرية ألا وهو ما يُقارب 21 ألف دولار سنويا للفرد وبين الرقم الحقيقي وهو أقل من 16 ألف دولار سنويا للفرد.. بذلك فإن مركز البحرين الحقيقي في تقرير التنمية البشرية الذي يصدر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، ووفقا للأرقام التي اعتبرها الوزير عطية الله أرقاما دقيقة لعدد السكان (مليون وخمسين ألف)، فهو متأخر كثيرا عما اعتمدته الأمم المتحدة ونشرته في تقاريرها.
يعني ضحكنا على الأمم المتحدة.. عفوا ضحكنا على أنفسنا وما زلنا نضحك بجنون، وسنبقى هكذا في ظل الغلبة العددية الزائفة لمقبّلي (لخشوم).
نتمنى من البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إبداء رأيه، والاستفادة من المنهْج الجديد (السجّل السكّاني) بدلا من منهْج التعداد والإحصاء، خصوصا مع الفرق الشاسع بين نتيجة المنهجين والتي بلغت - ويا للهول - أكثر من 300 ألف نسمة تقريبا لصالح المنهْج الجديد.!
أي أنّ الفرق ما يُقارب من 25 في المئة بين المنهجينِ!