العدد 2142 بتاريخ 17-07-2008م تسجيل الدخول


الرئيسيةالأعمدة
شارك:


الإمام علي (ع) بين شورى النخبة وشورى الأمة

مازال العطاء الفكري للإمام علي بن أبي طالب (ع) يثير المفكرين في شتّى الساحات، ومن الأسئلة المثيرة في مجال نظام الحكم في فكره (ع): هل كان الإمام (ع) يرى اشتراك الناس جميعهم بشكل مباشر في اختيار الخليفة كما يذهب إلى ذلك البعض؟ فقد كتب أحدهم مؤخرا مقالا بمناسبة حلول ذكرى مولده (ع) (13 رجب) رأى فيه أن الإمام علي (ع) دعا إلى إشراك كل الأمة في انتخاب الخليفة لا الاقتصار على النخبة، مشيرا بذلك إلى تفاخر الإمام بكثرة من بايعوه وازدحموا حوله حين قال: «فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي، ينثالون (يتتابعون مزدحمين) علي من كل جانب. حتى لقد وطئ الحسنان. وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم (القطعة الرابضة من الغنم)».

النقطة الأولى، أن الإمام في النص السابق يصف ما حدث أثناء مبايعته وليس في النص تقرير على صحة الكثرة أو القّلة. وبجانب صعوبة تحقيق إشراك الأمة وبشكل مباشر خاصة في تلك الظروف من ترامي البلاد الإسلامية، وعدم تحقق ذلك حتى فيما يتعلّق بتنصيب الإمام خليفة للمسلمين، فقد كان الإمام (ع) واضحا جدا منذ البداية وذلك حين قدِمَ عليه الثّوار من أجل تنصيبه ومبايعته، إذ رفض طلبهم ونفى عنهم حق المشاركة المباشرة في الشورى المتعلقة بتنصيب الخليفة، وقد حصرها في النخبة ممثلة في المهاجرين والأنصار فقط، يقول الإمام (ع) في هذا الشأن: «... فإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضى»... إذن الإمام حصر حق اختيار الخليفة في المهاجرين والأنصار، وهذا النص طالما تعامى عنه بعض الكتّاب.

مثل هذا الطرح للإمام يحوي نقطة في منتهى الأهمية - من دون الجزم بصحتها - فقد كان المهاجرون والأنصار آنذاك الأكثر قدرة دون غيرهم على إعطاء الرأي الأقرب لمقاصد الشريعة الإسلامية، وكانوا المؤثرين في طول البلاد الإسلامية وعرضها دون سواهم من المسلمين، وهم فقهاء الأمة والأقدر على فهم الإسلام، وهم بمثابة نوّابها وقلبها النابض، حتى أن أحد الخلفاء منع خروجهم من المدينة لإمكانية تأثيرهم على عامة الناس أينما حلّوا.

وكما لا يحق لكل أحد الترشح للخلافة الكبرى إلا وفق اشتراطات معيّنة، كذلك لا يرى الإمام اشتراك الناس كلهم بالتساوي وبشكل مباشر في اختيار خليفة المسلمين، فلم يكن من المقبول في فكر الإمام (ع) التسوية في التصويت بين من كان دخوله الإسلام مازال قريبا غضّا لا يفقه منه ومن مقاصده إلاّ قليلا ويتأثر برأي زعيم القبيلة والعشيرة وبين المهاجرين والأنصار الذين اختلط الإسلام بدمائهم والذين شكّلوا مرجعية للأمة.

ما سبق يوحي بأن الاختيار للخلافة بما هي أكبر مقام في الأمة يتم من خلال ممثلي الأمة من ذوي المواصفات العالية والتأثير الكبير على الناس، وليس بالمشاركة المباشرة من كل الناس. فإذا لم تُجرَ على المستوى العملي انتخابات تُظهر من هم ممثلو الأمة آنذاك، ولم يكن ذلك ممكنا، وإذا افترضنا عدم دقة حصر كلام الإمام لتلك الفترة، ومع انتفاء وجود مهاجرين وأنصار بعد فترة من غياب رسول الله (ص)، فلا يخلو الميل للتفسير السابق لكلمة الإمام من مبرر يمكن الركون إليه.

أخيرا، ينبغي ملاحظة أن كل ما سبق طرحه حتى من قبل الإمام قائم على افتراض انتفاء وجود المعصوم وفكرة العصمة في المجتمع، إذ لم يتعامل الإمام عليه السلام مع الناس بعد اختياره خليفة على أساس أنهم اختاروه كإمام معصوم وإن كان يذكّر بمقامه هذا بين فينة وأخرى، ولكنه تعاطى مع الناس وفق ما تعاقدوا معه عليه، أي بما هو خليفة لهم، فقد تم اختياره دون الاعتبار لكونه معصوما، ولهذا علّمهم مراقبته ومساءلته ونصيحته، حتى تكون سيرة يتعاطونها مع كل حاكم يأتي بعده.



أضف تعليق