الدين فِرَقٌ ومذاهب، والدولة للعدل بينهم
مثل ما يُصَرِّح به المدنيون الديمقراطيون والعلمانيون وأنا منهم، وهناك الدولة أيضاً، بحكم أن نظام الحكم وركائزه من الدستور والقوانين والأجهزة والإدارات مساقها مدني، بأن على المؤسسات الدينية أن لا تضطلع بالقيادة والتوجيه للعمل السياسي، فلزوماً أن يُرْدَف ذلك بأن على المؤسسات السياسية أيضاً، الرسمية للدولة والمدنية، أن لا تضطلع بالقيادة والتوجيه للشأن الديني، وقد كان هذا معتبراً للفريقين منذ القدم، وقد تم تقنين ذلك حال إنشاء الدولة المدنية الحديثة في البحرين، إبان إنطلاقتها منذ 26 أغسطس/ آب العام1971، فقد نص الدستور ومازال، في سياق جميع تعاقب صياغاته، وتعديلاته وإصداراته، في عدة نصوص دستورية أساسية، متصلة بالموضوع عاليه كما التالي:
«المادة (1) د: نظام الحكم في مملكة البحرين ديمقراطي، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور.
«المادة (1) هـ: للمواطنين، رجالاً ونساء، حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشيح، وذلك وفقاً لهذا الدستور وللشروط والأوضاع التي يبينها القانون، ولا يجوز أن يحرم أحد المواطنين من حق الانتخاب أو الترشيح إلا وفقاً للقانون».
«المادة (22): حرية الضمير مطلقة، وتكفل الدولة حرمة دور العبادة، وحرية القيام بشعائر الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقاً للعادات المرعية في البلاد».
«المادة (28) ب: الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب العامة.
المادة (31): لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناء عليه، ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية.
هذه نصوص دستورية ليس لأي قانون أن ينال من جوهر مقاصدها، وواضح من هذه النصوص، حق المشاركة بالممارسة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، لكل من ينتمي للوطن كمواطن وإلى الشعب كفرد، وفي هذه النصوص تعميم بالمنح للجميع على قدم المساواة، لا اختلاف بين الديني والدنيوي.
ولكن حين الحديث عن الفتوى والقيادة والتوجيه، فيأتي هنا التخصيص، لتكون الأمور الدينية لشيخ الدين والفقيه، والأمور السياسية لرجالاتها من السياسيين، والحقوق والمهن للحقوقيين والمهنيين، بمثل ما هنالك للأطباء والمهندسين والاقتصاديين والاجتماعيين والماليين... الخ.
ومن حيث أن الدين فِرَقٌ ومذاهب، لا يمكن لدولة أن تدير بلاد على سنن مذهب أشخاصها، فمن هنا جاءت المادة 22 عاليه، لتُلزِم الدولة بكفالة وصون جميع دور العبادة على إختلاف أديان أصحابها، وضمان حرية قيام جميع الأفراد بممارسة معتقداتهم وشعائرهم وعقد اجتماعاتهم ومواكبهم الدينية، ربطاً بالعادات التي كانت سائدة ومرعية في البلاد، وهي التي لا يصدر في أمر تنظيمها أي قانون يمس جوهرها، تماماً بمثل عدم الجواز لأي قانون «أن ينال من جوهر الحق أو الحرية».
فماذا جد، واختَصَّ به الاخوة المواطنون، في إحدى شعائرهم، وهي استلام وجمع وإدارة وتوزيع الخمس، من قِبَل من يثق به المانحون منهم، بما كان متبعاً منذ قرون واستمر حتى اليوم ليُقاَضى مدنياً، من قام بحمعها ويحاكم ويصدر بحقه عقوبة السجن، عاماً واحداً مع وقف التنفيذ، تأويلاً للوصف، من تهم غسيل أموال تم جمعها من دون ترخيص، ومن ثم التصرف في هذه الأموال.
وقد كان لغيره من الاخوة المواطنين المشايخ، أن جمعوا مالاً على ذمة مذهب آخر، وحملوه عبر حدود دولة عبروها خلسة، ومن دون جوازات سفر، وسلموه لمن يستخدمه تحديداً لما أسموه تجهيز غازٍ، فهل كان فعلهم ذاك مرخصا في جمع تلك الأموال، ومرخصا في خص الجهة التي سلَّموها إياها، ومرخصا في إسناد الغرض الذي تم جمعها من أجله؟
نحن هنا لا نُحَرِّض الدولة، على النيل من مخالفينا، بمثل ما يفعل بعض الموتورين، من أجل بغيتهم إثبات الوطنية المفقودة إلا بمقابل، بقدر ما نَوَدُّ أن نرى عدلاً في الوطن، ومساواة بين المواطنين، في الحقوق والواجبات وأمام القانون.