زمن المأمون في عهد محمّد بن راشد آل مكتوم
أهم فترة تاريخية حضارية مرّت على المسلمين وعلى العرب كانت فترة الخليفة العبّاسي عبدالله المأمون ابن هارون الرشيد، حيث اهتمّ بالعلم والعلماء، واهتمّ بالكتاب والترجمة، وكان معجباً بالفكر الإغريقي وخاصّة فكر «أرسطو».
في زمن المأمون أصبح العلم أولوية، ولم نجد في كتب التاريخ أي حوادث للطائفية أو العنصرية أو الفئوية أو المذهبية، بل وجدنا التاريخ يسرد الآلية التي اتّبعها المأمون في تطوير الدولة العبّاسية، وكانت عاصمته بغداد تعج بالعلماء والمفكّرين وأصحاب الحكمة، والحكمة دوماً ضالّة المسلم والجميع، ما إن تكون لدى إنسان حتّى يبلغ أقصى درجات النضج.
ولا نخفي عليكم بأنّ عهد محمد بن راشد آل مكتوم يذكّرنا كثيراً بزمن المأمون، فهذه الشّخصية المحبّبة لدى جمهور الإمارات كافّة ولدى جمهور الخليج والوطن العربي بشكل عام، هي شخصية استقرّت على أهمية العلم في تطوير الدولة، فلم يتوقّف آل مكتوم في نشر العلم والاهتمام به على رغم الظروف الصعبة والتحدّيات التي تواجه الخليج.
10 ملايين طفل استفادوا من مبادرات التعليم التي أطلقها محمّد بن راشد آل مكتوم، 3.2 ملايين كتاب تمّ طبعه وتوزيعه، مليار درهم من أجل الاستثمارات التي تخلق بيئة متكاملة للمبدعين والمبتكرين، ناهيك عن الجوائز القيّمة التي أطلقها هذا الرجل من أجل تشجيع العلم والعلماء، منها على سبيل المثال: جائزة محمّد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، وجائزة محمّد بن راشد آل مكتوم لداعمي الفن، ولا ننسى جائزة «تحدّي القراءة» و «صنّاع الأمل».
آل مكتوم والمأمون وجهان لعملة واحدة، النهضة الفكرية والعلمية والقادم أعظم، فما أن يترفّع البشر عن العنصرية والتلوين ويركّزوا على العلم والثقافة والترجمة، حتى نشهد زمناً غير الزمن الذي نحن فيه، وحتى نشهد تطوّراً اقتصادياً ما بعده تطوّر، فالعلم يرفع المجتمع ويزيد من تقدّمه، ويكفينا فخراً وجود الإخوة الإماراتيين في جميع المحافل بثقافة رفيعة وعلم متقدّم وراحة تشهدها على الوجوه.
وفي وطني البحرين التي كانت منارة للعلم في الستّينات والسبعينات الذهبية، نجد البعض يبتعد عن العلماء، ونجد البعض يهمّشهم ويُقرّب المنافقين، وأيضاً نجد الفجوات تزيد بين طوائف المجتمع، فلماذا لا يكون العلم قبلة لنا ووسيلة أساسية من أجل تجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية؟
لا تتقدّم المجتمعات بالغضب ولا بالعنف والعنف المضاد، بل تتقدّم المجتمعات عندما تستقر اقتصادياً واجتماعياً، وعندما يستثمر المجتمع الطاقات البشرية التي في جعبته، وعندما يحل السلام والأمن والأمان، وعندما يقبل الجميع بالآخر، نبدأ مرحلة المعرفة، التي ذكرها سقراط وأفلاطون وأرسطو.
لنزِد من موازنة التعليم، ولنعطِ خيرة الأبناء البعثات التي يريدونها، ولنبعثهم خارج الوطن، فيتعلّموا التعايش قبل العلم، فيرجعوا لنا بفكر جميل راقٍ يزيد من رقي المجتمع، ولنذِب الطائفية والعنصرية والفئوية والتلوين على أشكاله، عندها فقط ستتقدّم الدولة وستتخطّى العوائق والعوالق والأزمات. محمّد بن راشد آل مكتوم خير مثال لأهل هذا الزمان، وإن واصل على منهجه فهو ودولة الإمارات العربية المتّحدة سيصلون إلى القمّة، ونتمنّى له المزيد من العطاء، فالعطاء يرجع على صاحبه بالرضا والسعادة، وهل هناك أفضل من هاتين القيمتين لدى البشر؟!
يقول حاكم دبي: «التغيير يبدأ دائماً بفكرة ورؤية وإيمان، يتبعه تنفيذ وإخلاص وتفانٍ»... فعلاً التغيير لا يبدأ بالتّمني ولكن بالفعل والإخلاص والتفاني من أجل التحسين وإذابة المجتمع في مكوّن واحد، وهويّة واحدة وهدف واحد.