قصة الفساد في «منتزه عذاري»
هددت وزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني بأنها ستقوم بإحالة مستثمر منتزه عين عذاري «شركة كويتية» إلى النيابة العامة، بعد أن امتنع عن سداد المستحقات المالية عليه جراء استئجاره أرض المنتزه.
الوزارة أوضحت في تصريح صحافي لها أنه «منذ بداية توقيع العقد مع المستثمر للأرض الواقع عليها منتزه عين عذاري في العام 2004 والمستأجر لم يقم بدفع أي مبالغ مالية، حيث ينص العقد على أن «العقار رقم 131 بمجمع 366 بمنطقة عذاري، أن يقوم المستثمر بدفع 9 آلاف و900 دينار شهريا عن استئجاره العقار».
وذكر البيان الصحافي أن «تاريخ العقد يبدأ في 22 سبتمبر/ أيلول من العام 2004 ويمتد لغاية 31 سبتمبر/ أيلول من العام 2036، أي أن مدة العقد تصل الى 32 عاما، وخلال السنوات الماضية ومنذ توقيع العقد قبل 13 عاما تراكمت المتأخرات عليه ووصلت إلى مليون و544 ألف دينار».
الوزارة صمتت كل هذه المدة -13 عاما- دون أن تطالب بالمستحقات المترتبة على استئجار الأرض، على رغم أن تقرير ديوان الرقابة المالية للعام 2012 – 2013 أي قبل نحو 4 سنوات أشار إلى أن «وزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني قامت بتاريخ (22 سبتمبر 2004) بالتوقيع على عقد انتفاع مع شركتين (كلاهما طرف ثانٍ)، وبمقتضى هذا العقد يقوم الطرف الثاني بتطوير واستثمار منتزه عين عذاري لمدة 32 سنة، وتبلغ قيمة الانتفاع السنوي للمنتزه 9900 دينار، وتزداد بنسبة 20 في المئة كل 5 سنوات، وتدفع مقدماً كل 3 أشهر».
وأكد التقرير عدم قيام الطرف الثاني بدفع مستحقات الوزارة بصورة منتظمة، حيث بلغ مجموع المديونية على الطرف الثاني والمتراكمة حتى 31 ديسمبر 2012 نحو 409 آلاف دينار.
وأوصى التقرير بـ «العمل على تحصيل كل المبالغ المستحقة المتأخرة للوزارة، وإلزام المستأجر بدفع مبالغ الإيجار بصورة منتظمة وفقاً لما هو منصوص عليه في العقد، وإلزام المستأجر بتنفيذ جميع بنود العقد واتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن، وعلى الخصوص تزويد الوزارة بالبيانات المالية السنوية خلال 30 يوماً من إصدارها عن صلاحية الألعاب للاستعمال».
ومع ذلك صمتت الوزارة عن تحصيل المبالغ المترتبة لها لمدة 5 سنوات، قبل أن تعلن عن نيتها رفع القضية للقضاء، ولكن قضية «الفساد» قد بدأت قبل ذلك بكثير.
القصة تبدأ منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي عندما كان منتزه عين عذاري المتنفس الوحيد لجميع المواطنين صغارا وكبارا وخصوصا عندما يكون الطقس جميلا أو في الأعياد وليالي رمضان… كان منتزه عين عذاري بحق من أجمل المنتزهات في البحرين بمساحته الواسعة وألعابه الجميلة ومسطحاته الخضراء والبحيرة الاصطناعية وسط المنتزه، حين كان أحد المستثمرين البحرينيين مستأجرا للمنتزه في ذلك الوقت.
الوزارة لم تكن راضية عن عقد الإيجار مع المستثمر البحريني، ولذلك اتخذت جميع الوسائل القانونية وغير القانونية لإجبار المستثمر على الخروج من المنتزه، فقامت برفع قضية إخلاء في المحاكم، إلا أن المستثمر كسب القضية، حينها بدأت الوزارة بأسلوب آخر من خلال قطع الطاقة الكهربائية عن المنتزه، وكان المستثمر يلجأ للقضاء لإعادة التيار الكهربائي مرة أخرى، وظل الحال بين ممارسات وزارة البلديات «حينها» والمستثمر في سجال وكر وفر، إلى أن اتخذ عدد من المسئولين في الوزارة أسلوبا آخر.
في العام 2002 وعند بداية ظهور جريدة «الوسط» كلفني رئيس التحرير بإجراء مقابلة مع المستثمر البحريني، وعندما ذهبت لمكتبه كان الرجل يضع أمامه رزمة كبيرة من الأوراق والمستندات الخاصة بالقضية، وحكى لي ما تعرض له من مضايقات من قبل عدد من المسئولين في الوزارة بهدف إخراجه من المنتزه.
يقول المستثمر: «عندما كسبت جميع القضايا المرفوعة علي في المحاكم، قام عدد من المسئولين في الوزارة بابتزازيك؛ حيث تم إجباري على توقيع تنازل عن استئجار المنتزه عن طريق التهديد والوعيد، وعن طريق هذا التنازل الذي قدم للمحكمة صدر الحكم بالإخلاء لأنني لم أستطع أن أثبت أن التنازل تم عن طريق الإكراه... ولم ينته الأمر عند هذا الحد، إذ إن موظفي الوزارة قاموا بإزالة وإتلاف الألعاب في المنتزه باستخدام آلات لقطع الحديد حولت الألعاب إلى قطع مترامية ما أفقدها قيمتها السوقية، على رغم أن لدي قرارا من قاضي محكمة التنفيذ بوقف عملية إزالة الألعاب حتى إشعار آخر، ما حملني خسارة بنحو مليون ونصف دينار قيمة الألعاب المحطمة».
خيوط قضية الفساد يمكن فكها من خلال عدد من الأسئلة هي: كيف يجبر مستثمر بحريني على إخلاء المنتزه على رغم تقيده بدفع الإيجارات أولا بأول وعلى رغم نجاحه في تطوير المنتزه بصورة جميلة؟ ومن هو المستفيد من ممارسة كافة الأساليب غير القانونية لإجباره على ترك المنتزه؟ ولماذا صبر المسئولون على المستثمر الحالي لمدة 13 عاما دون أن يحركوا ساكنا، ولم يمهلوا المستثمر البحريني ولو لمدة أسبوع واحد لكي يقوم بتفكيك الألعاب بطريقة صحيحة بدلا من إتلافها نهائيا؟