الحضن الإعلامي الذي آوى «داعش وأخواتها»
عندما تصل بلغة خطاب إقصائية، ترفض الاعتراف بوجود الآخر، بل تعمل على تخوينه، وشيطنته، ورميه بكل التهم، فاعلم بأن صاحب الخطاب بلغ حد الإفلاس، وأنه يسير على ذات نهج الجماعات التي تكفر الآخرين، ولا ترى إلا نفسها هي الصواب، وأنها من تمتلك الحقيقة الكاملة، ومن يختلف معها مجرد مجموعات «إرهابية»!
ليس صعباً أن تتهم أحداً بـ «الإرهاب» أو العمالة أو الخيانة، أو أي تهمة، فهي كلمة سترمى، سواء كانت مسئولة أو غير مسئولة، من شخصية عامة أو مجهولة أو من جاهلة أو كاتبة، أو من أي شخص آخر، ولكن من الصعب عليك أن تثبت ذلك على أرض الواقع بعيداً عن الترهات والمهاترات والاسترسال في الكلام والإنشاء.
من المعيب أن يصل الخطاب لحد وصف كل من له خطاب آخر أو لغة أخرى أو رأي مختلف بأنه «إرهابي»، من المعيب أن يسمح لهذه الخطابات الإقصائية الرافضة لوجود الآخر، أو حتى للتعبير عن رأيه بهذه الطريقة العنصرية والطائفية.
من يمجد الإرهاب؟ من يتستر عليه؟ لن نمل من إعادة هذا الكلام، حتى تكون الأمور واضحة، والصورة مكشوفة، والحقيقة ناصعة، بالدليل وليس بالمهاترات والافتراءات، لكي نوضح بما لا شك فيه من هو الحضن الذي آوى وتستر على خلايا «داعش»، ومن هو الذي هدد بـ «القاعدة» واستدعائها إلى البحرين؟
من برر للإرهاب؟ ومن هدد بـ «القاعدة»؟ ومن رفض الحديث عن وجود «داعش» في البحرين؟ ومن حذر المسئولين من مغبة الوقوع في «فخ» الحديث عن وجود «داعش» في البحرين للتستر عليهم، وشغل الرأي العام والجهات الأمنية عن حقيقة وجودهم؟ من يخلط الأوراق ويسعى لتحقيق المكاسب الشخصية على حساب المصلحة العامة؟ من يرفض الإصلاح وإعطاء كل ذي حق حقهم، ومن يرفض الآخر مهما كان لمجرد الاختلاف معه؟
هل «القاعدة» ليست إرهابا، وهل التهديد باللجوء لها وتخويف الناس منها ومن استدعائها، لا يعد إرهاباً، من لجأ إلى ذلك التخويف، ومن تحدث عن قبوله بالتغيير في حال «وجدت معارضة وطنية لبناء التجربة الديمقراطية الحقيقية»، هي ذاتها التي كانت تقول في مارس/ آذار 2013 من خلال التخويف بـ «القاعدة وأخواتها» إن «التطرف السني الذي بدأ ينشط مؤخراً سيتسيد هو الموقف لا في مواجهة الشيعة فقط بل حتى في مواجهة المصالح الأميركية»، عبارة واضحة المعالم في رسالة دقيقة ومقصودة، وهي جاءت في سياق التهديد بـ «القاعدة» لمواجهة أي مطالب اصلاحية في البحرين، فتم استخدام اللغة الطائفية والتهديد بـ «الإرهاب» و «القاعدة»، لرفض أي اصلاح.
ما قيل في ذلك الوقت ولحظته لم يستوعب ثقله لا مجتمعياً ولا سياسيّاً سواء محليّاً أو حتى دوليّاً حتى من قائله لسذاجته، إلا بعد نشره، لنجد أنه في يوم واحد طرح تبريراً مطوَّلاً جداً لم تستوعبه المساحة المعتادة، بل تجاوز لتفاصيل مطولة في محاولة عبثية لتفسير ما هو مفسر، ولتبرير ما هو مبرر، وللتراجع عن التحذير والتهديد بـ «استخدام تنظيم القاعدة» في حال فرض الاصلاح على البحرين!
ذلك التفكير الإقصائي واضح من قبل ومستمر حتى الآن، لم يتغير، ولم يتعلم، ولم يستوعب الدرس، لذلك كان ولايزال لب الكلام إما ما نريد وما نقول أو مصيركم هو «القاعدة وأخواتها»، وحالياً التهديد بهدم منازل القرى وإبادة أهاليها.
الإرهابي، هو ذلك الذي حاول التستر على «داعش»، وحذر من الوقوع في فخ وجودها في البحرين، ليس لعدم قناعته بوجودها، بل للتستر عليها، ولإبقائها كأداة يمكن استخدامها في حال تطلب الأمر ذلك، فلم يكن التهديد باستجلاب «القاعدة» عبثي بل كان واقعي، وما كان التستر على خلايا «داعش»، إلا لتحقيق ذلك الهدف وعندما تسير الأمور عكس ما كان يريدون.
من يتهم الأخرين بـ «الإرهاب»، لا يهدد به! من «لا يكيل بمكيالين» كما يقول، لا يتستر على خلايا «داعش» في البحرين، ويحذر المسئولين في الأجهزة الأمنية من الوقوع في «الفخ» و «الانسياق والانجرار إلى الحديث عما لا وجود له في البحرين»، حتى افتضح أمرهم، وكشف عن نواياهم.
الفكر الإقصائي الأحادي الرافض لغيره، هو الذي يجعل من البعض أن يرفض وجود الآخر ويهدد بإزالته وهدم منازله، وهي السمة الأبرز والمشتركة بين هذه عقلية والفكر الداعشي اللذين يلتقيان في رفض وجود أي فكر يختلف معهما، وبالتالي لا يتوانيان عن إسقاط ما بهم على غيرهم، كعادة قياداتهم في «القاعدة» و «داعش»، ولذلك تحولوا إلى حضن إعلامي حاضن لـ «القاعدة» و «داعش».