بين هدم البيوت وهدم النفوس!
هدم بيوت الآخرين دعوةٌ غير إنسانية، فهدم البيوت يسبقه ويعقبه هدم النفوس. والمجتمعات المستقرة تقوم على نفوس قويّة ومتراصّة وذات معنويات مرتفعة... فما أهمّية البيوت، إن وجدت أم لم توجد، عندما تكون النفوس محطّمة وضعيفة؟
هناك من يُطالب بهدم البيوت على بعض أبناء الشعب وتغيير الديموغرافيا الموجودة حالياً، وهذا مطلبٌ ناقشناه في مقالات أخرى ولكن بنَفَسٍ وطني بحت، فإدماج المجتمع مع بعضه البعض لا يؤدّي إلى هدم البيوت ولا هدم النّفوس، بل يُذيب الطبقية والفئوية والعنصرية، ولكن هناك من يطالب به مطالبة حق يراد به باطل.
هدم البيوت ليس مهماً عندما تريد النفوس المطالبة بالخير، وهدم البيوت ليس مهماً عندما يطالب الوطني بالإصلاح والمصالحة، وأيضاً هدم البيوت ليس مهماً إذا كان الهدف سامياً ويُحقّق الإستقرار في الوطن. فالنفس البشرية متعلّقة بالأمل وأغلب النفوس تريد الخير، وقلّة من تلك النفوس المريضة التي تحاول وضع السم في العسل من أجل مآرب أخرى.
من يسعى إلى هدم أي مجتمع تراه يركّز على هدم النفوس، ويضع العالِم في مكان الجاهل، والجاهل في مكان العالِم... والجميع يعلم ما يحدث بعد ذلك، إذ لا يحتاج الأمر إلى سنوات كثيرة، بل هي فترات معدودة جداً ويتحوّل المجتمع إلى كيان متخلّف ومُحطّم نفسياً، وهذا ما لا يريده وطني ومخلص في أي مجتمع، لا سيّما أن النفوس البشرية خُلقت من أجل البناء وليس الهدم!
إنّ أي مراجعة جادّة في بناء النفوس لا تتم إلاّ عبر المصلحين التنويريين، ولا يقوم المجتمع إلاّ بتعدّد فئاته ومذاهبه وطوائفه وألوانه وبتعايشهم معاً، أي هو نوعٌ من العَقْد الإجتماعي الذي لا يخالف السليقة.
قبل الخوض في غمار التعايش والسلام والمصالحة، لابد لنّا من إيقاف الأصوات النشاز والشاذّة، والعمل على إبعاد الكلمات التي تحمل في طيّاتها خبثاً وكراهية لأي مكوّن من مكونات المجتمع... فالحقد يؤدي إلى الدمار وإلى إحلال ثقافة الكراهية وشيوعها بين الناس.
لا نريد هدم البيوت، ولا نريد هدم النفوس، بل نريد إعمار البيوت وبناءها، والأهم من ذلك إعمار النّفوس وبناؤها، لأنّنا عندما نقوم بذلك نحن نؤكّد على ثقافة التعايش والسلام والمصالحة والحوار والتوافق. وما أجمل ذلك اليوم الذي سيقدم علينا بهذه الثقافة، فلا الحقد ولا الكراهية عبر العصور بنت أمماً، بل الحب والسلام والتعايش هي التي تبني المجتمعات المتماسكة.
وعطفاً على هذا كلّه، ننصح الجميع بضرورة الإلتفات الى المصالحة الوطنية، وإلى التعايش والحوار والتوافق، لأنّ الكتابة عن هدم البيوت وهدم النفوس ليس صعباً، ولكن الكتابة عن بناء البيوت والنّفوس هو الأمر الصعب، ولا سيما على بعض النفوس المريضة والمعقّدة نفسياً.
إنّ بناء البيوت والنفوس يتم عبر جهود وطنية راشدة، تدفع نحو استقرار الأرض والبشر، وهو ما نأمله لبلادنا... وجمعة مباركة.