العادة تُفقد الدهشة
عندما نعتاد على أمرٍ ما أو خبرٍ ما، فإننا نتقبّله، فلا نعود نندهش منه كما نندهش من الأمور المفاجئة أو الجديدة التي تطرأ على حياتنا. وهناك كثيرٌ من الأمور التي أصبحت عادةً ونراها يومياً ولا نندهش لحدوثها، ولنا من الأمثلة الكثير والكثير.
فعلى سبيل المثال، أمس سمعنا عن حل جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، وأيّاً كانت أسباب الإغلاق، فإنّنا لم نندهش أو نستغرب من هذا الأمر، ذلك أنّ العادة تخلق لدى الإنسان قبولاً (وإن كان غير راضٍ عن الحوادث التي حوله).
ليس هذا فقط، فأيضاً عمل مجلس النوّاب أصبح عادةً عندنا ولا نندهش مما يقومون به، سواءً كان الأمر لا يصب في مصلحة النّاس الذين انتخبوهم أو كان بعيداً عن طموحات وآمال النّاس، كالتحدّث عن سعر «قواطي الطماطم»!
لا ندري هل هذه بلادة في المشاعر التي تؤدّي إلى عدم الدهشة من الأمور العظيمة، أم هي الطبيعة البشرية التي ما أن تعتاد على أمرٍ لا تستغربه ولا تندهش منه؟ أم أنّ الترويض لقبول العادة هو السبب؟
اليوم نحن تعوّدنا على المناوشات التي تحدث بين المعارضة والشرطة، وتعوّد أهل شارع البديّع على رائحة مسيّل الدموع والإطارات المحروقة، على رغم أنّ هذا الأمر يجب أن يستدعي الدهشة وليس التعوّد والعادة!
ما بالنا يا أهل البحرين؟ لماذا أصبحت العادة تُفقدنا الدهشة؟ ولماذا لا نجنح عليها ونثور؟ ولماذا لا نُرجع الأمور إلى نصابها ونبدأ حواراً وطنياً حقيقياً ومن ثمّ مصالحة؟ فالكلمة الطيّبة صدقة، وللأسف هي التي أصبحت مثار الدهشة هذه الأيام!
ولا نتكلّم عن الأمور السياسية فقط، فالأمور الاجتماعية هي الأخرى أصبحت عادةً بعد أن كانت في يومٍ من الأيام أمراً يثير الدهشة، فلو وجدنا ابناً لا يبالي بأمّه ولا يقوم بواجبه تجاه والديه، ولا يلبي أو يستجيب لطلباتهم، نسمع مقولة «أولاد آخر زمن» من دون أن تحرّك فينا ساكناً!
أصبحنا نعتاد على الفوضى ولا نندّهش منها، وقد يكون العامل السياسي هو السبب، أو ربما العامل الاقتصادي المؤّثر في حياة النّاس هو السبب، أو قد يكون العامل النفسي والإنكسار هو السبب. أيّاً كان السبب، لابد أن نُغيّر ما بداخلنا من تعوّد على أمور لا يجب أن نتعوّد عليها، بل يجب أن نندهش ونحاول أن نُعدّل!
العادة تُفقد الدهشة، فلذلك لا تجعلوا حياتكم في رتابة وعادة مقيتة، بل حاولوا تغييرها بما يجعلكم سعداء. ونحن لسنا سعداء اليوم، ولكنّنا نريد الحصول على السعادة، فمن سيضع الأيادي من أجل سعادتنا؟ ننتظر هذه اليد الذهبية التي حتماً ستثير الدهشة.