كيف تأكل لحم أخيك وتلوك كبده؟
تعيد التلفزيونات العربية سنوياً الفيلم العظيم «الرسالة»، للمخرج الراحل الكبير مصطفى العقاد، الذي قُتل في تفجير انتحاري بأحد فنادق العاصمة الأردنية عمّان قبل عشرة أعوام.
الفيلم يحكي قصة الجهاد الكبير الذي قاده النبي محمد (ص) مع صحابته الكرام (رض) لتحقيق العدل والمساواة بين الناس، ويصوّر مشاهد من بدايات الدعوة وتعذيب المسلمين على يد المشركين، والهجرة والاستقبال في المدينة، وصولاً إلى المعارك والغزوات الكبرى، مثل بدر والخندق، إلا أن أكثرها تأثيراً الاستعدادات لغزوة أحد، وما انتهت إليه من مقتل الحمزة (رض) سيد الشهداء، وما تعرّض له جسده الطاهر من انتهاكات وتمثيل.
هناك فيلم عالمي شهير آخر يتكلّم عن دراكولا، وهو شخصية رومانية من العصور الوسطى، حيكت حولها الأساطير، حيث كان يهاجم الجنود الأتراك الذين كانوا يحتلون بلاده، ويقتلهم تحت جنح الظلام، ويشرب من دمائهم. وقد كتب عنه الكاتب الإنجليزي برام ستروكر نهاية القرن التاسع عشر «مصّاص الدماء»، بعدما صوّره رجلاً ميتا يفيق ليلاً ليمتص دماء الناس، مستخدماً نابيه الطويلين الحادين كأنياب الأفاعي، وشبّهه بصورة الخفّاش الذي يتغذّى على دماء الماشية: كمية صغيرة جداً لا تتجاوز ملعقة شاي من الدم يومياً!
الثورة السورية، وقبل عسكرتها وتحويلها إلى محرقة، ساهمت لقطةٌ صغيرةٌ مصوّرة لأحد الوحوش الآدميين، في تشويهها وحرق ملفاتها، حين قام بشق صدر أحد الجنود، وإخراج كبده والتباهي بمضغها، كما حدث في فيلم العقاد.
مثل هذه الصور تكشف عن شخصيات شاذة، مشوّهة نفسياً وأخلاقياً، تحتاج إلى دراسات سيكولوجية، لكشف العقد النفسية التي تستبطنها، وما تختزنه من خبرات سلبية وانفعالات وحرمان، أو التجارب الجنسية والعاطفية المحبطة. كما تكشف عن الشره والجشع وعقدة حبّ التملك والنزعة السادية. وهي رغبةٌ شاذةٌ في تعذيب الآخرين وإيذائهم، وقد تتطوّر إلى الرغبة في القتل. وإذا تفاقمت ووصلت إلى الحالة القصوى، يطالب المريض بهدم المنازل فوق رؤوس أصحابها وتدمير القرى والمدن، كما فعل نيرون في روما قبل قرون، حين أحرق المدينة عن بكرة أبيها، وجلس على التل يرقص ويعزف، ويحتسي الخمر!
هذه الشخصيات المريضة، كلها تحوّلت إلى أفلام، ليس لأنها نماذج صالحة أو شخصيات تحب الوطن كما تدّعي، وإنّما لأنها شخصيات متطرفة تمثّل قمة البربرية، لا تتحكّم في مشاعرها وأحقادها، فتُخرِجُها أضغانها عن الحالة الطبيعية وتحوّلها إلى مسخ، فتتجاوز كل القيم والحدود، وتتحوّل إلى حيوانات نابحة. وإلا هل هناك كاتبٌ أو كاتبةٌ اليوم في العالم كله، يمكن أن يدعو علانيةً في صحيفة رسمية، إلى هدم منازل المواطنين فوق رؤوسهم... إلا أن يكون به مسٌّ من الجنون؟ وإذا وُجد مثل هذا المجنون، هل يمكن أن تمر هلوساته وأحلامه المريضة دون حساب من جهات الرقابة الرسمية؟ بل وكيف تمر مثل هذه الدعوات الحاثة على الكراهية والمجرّمة دولياً، على الصحيفة نفسها، وهل يكفي التبرير بأنه لا سلطة لرئيس التحرير عليها وأنها تتصرّف كأنها فوق سلطة الدولة والقانون والأعراف بين البشر؟
الكل يتفهم وجود عقد نفسية ومرضى سيكوباثيين وحتى مجانين، ولا يخلو منهم مجتمع ولا بلد، لكن البلدان كلها تحتاط لنفسها بإيداعهم في المصحات العقلية، لتمنعهم من إيذاء الآخرين وتدمير المجتمع وهدم بيوت الناس على رؤوسهم.
هؤلاء مرضى نرجسيون، مهارتهم الوحيدة أن يقدّموا محاضرات بعنوان: «كيف تأكل لحم أخيك وتلوك كبده»؟ وهم مستعدون كالعقارب والحيات، لحرق مجتمع وتدمير وطن، من أجل الحصول على المزيد من المال.