غرابيب سود!
نجح الإخوة في مسلسل «غرابيب سود» في جذب المشاهد العربي في أرجاء المعمورة، منذ الحلقة الأولى، ويظهر الإبداع لدى القائمين على المسلسل في عنوانه بالتّأكيد، فالغرابيب السود ذُكرت في القرآن الكريم، عندما قال المولى: «ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ» (سورة فاطر، الآية 27)، والمقصود بالغرابيب السود هي الصخور أو الجبال شديدة السواد.
المسلسل منذ بدايته يناقش مأساة يعيشها المجتمع العربي والعالمي مع «الدواعش»، الذين استفادوا من الإعلام في ترهيب النّاس أو حثّهم على القتال، فانشغل من انشغل بهم، وانتقدهم من انتقدهم، وحرّمهم من حرّمهم، وهناك من ذهب إلى نظرية المؤامرة وأنّ الغرب هو من صنع «داعش» بمعاونة إيران.
إذا أردنا فعلاً القضاء على «داعش» لابد لنا أن نبدأ بتوعية الأبناء وجيل الشباب المتحمّس، فهناك من يحاول إغواء الشباب العربي وخاصّة الخليجي الى هذه الماكنة المدمّرة السوداء، فهم لا يعلمون خطورة الدواعش ولا فكرهم.
سبي النساء من باب «ما ملكت الأيمان»، ترهيب النّاس من باب «وقاتلوهم حيث ثقفتموهم»، والإنتاج الإعلامي على أنّهم في أفلام «رامبو» التي ضربت حدّها غير الطبيعي في الثمانينات، جميعها أمور يستلذ بها البشر في صناعة البطل، ولكن للأسف هي ليست أفلاماً بل حقيقة مرّة، فكم بحرينياً على الأقل توجّه إلى «داعش» تاركاً حياته الطبيعية باسم الجهاد في سبيل الله.
محاربة هذا الفكر لا تتم في الخارج فقط، بل لابد أن نركّز على محاربته في الدّاخل، فهناك مجموعة ما زالت تؤمن بأنّ «داعش» هي جماعة الحق، وأنّها ستقضي على الطغيان، ومُغيّب دور مؤسسات المجتمع المدني والنّاس والدولة عن هذا الفكر الشنيع المنتشر بين البعض.
يكفي أن تقوم إحداهن وهي لا دخل لها في التعصّب أو السياسة بالمدافعة عن «داعش»، لنعلم بأنّ هناك خللاً إجتماعياً وفكرياً خطيراً، يكفي أن يقول أحدهم بأنّ «داعش» على حق لكي ننهض من الغفلة ونحاول تكوين البصيرة الصحيحة لهؤلاء، وتكوين البصيرة لا يتم عبر أشخاص فقط، بل عبر الجميع وأوّلهم أئمة المنابر الذين يستطيعون الوصول إلى العامّة والتأثير فيهم، وما دمنا في رمضان لابد أن نختم الدعاء بمحاربة «داعش» وفكرهم المتطرّف.
لقد خسرنا خيرة الشباب من طبيب وضابط وعالم في سواد «داعش»، وهي سوداء بهذا الفكر الشاذ، ولكن دعونا لا نخسر أكثر، ولنجعل أجندتنا واضحة في محاربة هذا الفكر التكفيري الذي يريد الخراب بأمنّنا جميعاً، فإن نجحت «داعش» في بلاد دجلة والفرات فاعلموا بأنّها قادمة إلى الخليج لا محالة، وهذا ما لا نرضاه جميعنا. لنعمل على محاربة الفكر من الداخل، ونكرّرها دائماً (من الداخل)، لأنّ الوقاية من الداخل خير من العلاج ألف مرّة.