قلناها من قبل لا تقسموا البلد... فالوطن للجميع
كان البعض منهم يريد للوطن أن يقسم إلى «كانتونات» محصورة على فئات، وتمنع عنها فئات. وكان البعض منهم أيضاً يريد لهذا الوطن أن يكون «فيدراليات» يسمح فيها بالبيع والشراء بحسب الانتماءات، حتى طال التقسيم كل المؤسسات!
وكان البعض منهم أيضاً في نفسه أنه أصبح يملك ويحكم في منطقته الخاصة، ولذلك أباح لنفسه طرد مواطن، ومنع آخر من دخول مناطق، وحصرها على فئته فقط.
كان تفكيرهم منحصرا هناك، واليوم أصبح تفكيرهم يتجه نحو فكر آخر، وهو الدمج وتفكيك، وإزالة بعض المناطق، وإعادة رسم الخريطة البحرينية من جديد، طبعاً فقط في المناطق التي يصنفونها على أنها مناطق «فئة معينة»، هذه الفئة تحتاج إلى إعادة هيكلة بحسب وجهة نظرهم القاصرة والجاهلة.
لم نستغرب من قبل عندما يخرج علينا مجلس بلدي، وعضو فيه، يطالب بطرد مستثمر بحريني، وعدم السماح له بالاستثمار في منطقتهم. ولن نستغرب عندما يقول عضو بلدي بمنطق «همجي» و»إقصائي» وبشكل علني «لا نريد أن يستثمروا في منطقتنا...»! ولم نستغرب أبداً أن يعود هذا الحديث من جديد عن منع أحد من التملك في منطقة أو منع أحد من الحديث فيها بدواعي وتهم «الخيانة» و«العمالة» التي يوزعها من يريد على من يريد.
ولن نستغرب أبداً في هذا الوقت أن يتحدث أحد عن إزالة مناطق واستحداث مناطق، وتغيير تاريخ، ورسم هيكلة جديدة، شبيهة بفكرة «الشرق الأوسط الجديد» أو «البحرين الجديدة»، ولن نستغرب أن يتم الحديث عن أهل مناطق معينة في البحرين بسطحية وجهالة وعدم علم وإدراك لمخرجات تلك المناطق ومستوى التعليم فيها والانفتاح، فمن تلك المناطق خرج مفكرون وعلماء وأطباء ومهندسون ومحامون ومعلمون ومن مختلف التخصصات والدرجات، كما هو حال مختلف مناطق البحرين دون تمييز.
فكرة الدمج بين المناطق، وجعلها منفتحة على الجميع فكرة رائعة تمنيناها من قبل كثيراً، ورفضنا تحويل مناطق معينة لـ«كنتونات» محصورة على فئة دون فئة أخرى، وتمنع على فئة دون فئة أخرى، كما نتمنى أن تنفتح المناطق للجميع، ويصبح الجميع قادرا على أن يختار المكان الذي يريده، وألا يمنع أحد من شراء أو الاستثمار في مكان ما بسبب انتمائه أو غيره.
لم نستغرب أن تكون تلك اللغة كانت موجودة في وطن شُحِن بـ «الحقد» و«الكره» لتقال فيه أيضاً «فليذهب ويأخذ أراضٍ في مناطقه، وهو غير مرغوب به في منطقتنا»، فقد تكون تلك المنطقة مفتوحة للأجنبي ليستثمر فيها، ولكنها ستُحرّم على البحريني، كما حُرّم الشراء والبيع من قبل على فئات من أبناء هذا الوطن في مناطق أخرى.
من يسعى لفتح المناطق وإعادة هيكلتها فليتحدث عن كل المناطق، وليعامل الناس كمواطنين بدرجة واحدة، لا مواطنين بدرجات وبحسب التقسيمات المريضة، فهذه المنطقة يجب أن تباد وتزال، وتلك يجب أن تكون حكراً على أحدٍ فقط دون الآخر.
من يريد أن يتكلم عن وطن واحد، وعن مواطنين، دون النظر لمعتقداتهم وانتماءاتهم، لا يدعو لإزالتهم، بل لدمجهم في مختلف المؤسسات بلا استثناء، ولإعطائهم حقوقهم الكاملة بلا تمييز حتى على مستوى الخدمات، ولمعاملتهم كمواطنين حقيقيين، لا من الدرجة الثالثة أو الرابعة.
لم ولن نستغرب أن تعود هذه اللغة من جديد، بمسميات كثيرة، يجيز فيها كل من يبيح لنفسه استخدامها، أن يطلق اتهاماته على من يريد، مستخدماً في ذلك ذات الألفاظ، وذات الحجج لمنع أي أحد من المطالبة بحقه في العيش والحياة بكرامة ودون تمييز.
رفضنا من قبل، ومازلنا نرفض لغة التقسيم والتمييز، ولغة هذه المستشفيات لنا وتلك لكم، والمدارس لنا وأخرى لكم، والأسواق بيننا منها لنا ومنها لكم، وأن تفصل المحلات في المجمعات بين ما هو لنا وما هو لكم. وأن تكون الشوارع ذات مسارات لنا ومسارات لكم، وأن تقسم الوزارات والمؤسسات بحيث تبنى في كل منطقة لتخدم فئةً منا وفئةً منكم.
نعم كان هناك من يريد أن يقسم البلد إلى قسمين متخاصمين، مبتعدين عن بعضهما، ليحققوا بذلك مآربهم وأهدافهم، حتى على مستوى التوظيف توجه البعض لتحصينها مناطقياً بدواعي الأولوية، فآخر تلك الإبداعات والصيحات، هي فكرة التوظيف المناطقي كون أهالي المنطقة الأكثر تضرراً، ويجب أن يكونوا الأكثر استفادة من التوظيف في تلك الجهات والمؤسسات.
هكذا عقليات، بهكذا لغات أبداً لن تتقدم البلاد، ولن تجتاز ما تعانيه من أزمات، بل بهذا التفكير سنبقى مكاننا بل سنزيد رقعة الظلام الذي نعيشه.
نعم، يجب أن يكون الوطن للجميع في كل مكان، وليس في مكان دون آخر، ويجب أن يكون جميع المواطنين شركاء في كل شيء، وألا يمنع شيء على أحد بسبب انتماء عندها فقط ستذوب لوحدها كل تلك التقسيمات، وستزول معها أيضاً الأفكار الرجعية المتخلفة التي لا ترى الحلول إلا بالإبادة والإزالة.