العدد 5377 بتاريخ 27-05-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةالأعمدة
شارك:


رفاهية المواطن الخليجي إلى أين؟

الشعوب الخليجية على موعدٍ العام المقبل مع ضريبة القيمة المضافة، وهي أول ضريبة فعلية سيدفعها المواطن الخليجي للدولة منذ الطفرة النفطية بداية العقد السابع من القرن الماضي، وبذلك ستكون أول مساهمة فعلية للمجتمع الخليجي في الموازنة العامة، والتي كانت ولا تزال تستمد قوتها من الإيرادات النفطية. ومن المتوقع أن تكون حجم تلك المساهمة 25 مليار دولار سنوياً (2% من إجمالي الناتج المحلي الخليجي)، حيث تقدّر قيمتها في المملكة العربية السعودية بنحو 35 مليار ريال، في مملكة البحرين ما بين 300 إلى 400 مليون دينار، في الإمارات 12 مليار درهم، وفي قطر 8 مليارات ريال.

لقد عاش المجتمع الخليجي ولسنين طويلة في اقتصاد ريعي ذي سيولة هائلة، وفي ظل دول غنية وهي من أكثر الدول إنفاقاً على الرفاهية، فالدولة هي التي كانت تدفع للمواطن من خلال الدعم المالي والهبات والمكرمات والمنح المباشرة والتوظيف في المؤسسات الأمنية والعامة. الدعم الحكومي كان عنصراً مهماً في الموازنة العامة، ولعب دوراً هيكلياً بارزاً في استقرار المستوى المعيشي، وأصبح سمة من سمات الاقتصاد الخليجي، فكثير من السلع الضرورية كانت وبسبب الدعم الحكومي تباع بأقل من سعرها الحقيقي، كما أن الدولة ولأسباب اجتماعية سياسية -وبنسب متفاوتة بين هذه الدول- حرصت على توفير الخدمات التعليمية والصحية والبنية التحتية والإسكانية من دون عائد اقتصادي فعلي. فلم تكن الانتاجية في عملية توفير تلك الخدمات معياراً لجودتها وتحسينها، كما أن قاموس الاقتصاد الخليجي وبشكل متعمد، كان يفتقر إلى مصطلح الضرائب المباشرة، حيث كانت شبه محرمة اقتصادياً واجتماعياً. كانت هذه الدول تتباهى في أدبياتها الاقتصادية وسياساتها الترويجية والتسويقية بغياب هذه الضرائب.

ولذلك فإن دول المنطقة كانت تعتبر من الملاذات الضريبية (Tax haven) التي يبحث عنها أصحاب رؤوس الأموال والشركات الدولية. بالإضافة إلى ذلك وبسبب القوة الشرائية العالية ووجود العدد الهائل من الأثرياء، كانت الشركات الانتاجية العالمية تتسابق لعرض وبيع منتجاتها الفاخرة ذات الأسعار العالية في الخليج.

إن وفرة السيولة الناجمة عن البترو دولار ووجود مخزون نفطي هائل، قد أقنع متخذي القرار في هذه الدول بعدم الجدوى من فرض ضرائب مباشرة على مواطنيها، كما أنه ليس هناك حاجة ضرورية آنية لتنويع مصادر الدخل. لقد كان غياب النظام الضريبي يشكل جزءاً من السياسة العامة للدولة، وحافزاً لجذب الشركات والمصارف ورؤوس الأموال الأجنبية. أما الآن وبعد تدهور أسعار النفط وانخفاضه من 140 دولاراً للبرميل في العام 2014 إلى ما دون 35 دولاراً، وبعد الصعوبات والضغوطات التي أفرزها على الموازنة العامة، حيث أدّى تراكم العجوزات المالية إلى ارتفاع الدين العام إلى مستويات خطيرة، (في البحرين مثلاً تجاوز الدين العام العشرة مليارات دينار وفي السعودية بلغ العجز في الموازنة العامة 98 مليار دولار العام 2016) فأصبحت هذه الدول غير قادرة على تقديم الدعم وتمويل برامجها التنموية والاجتماعية؛ بل تبنّت سياسة تقشفية صارمة.

لقد أدركت هذه الدول خطورة الوضع وعدم جدوى الاستمرار بالسياسة الاقتصادية الريعية، وضرورة تنويع إيراداتها من خلال اللجوء إلى ما كان يعتقد أنه من المحرمات، وهو فرض الضرائب على مواطنيها. فالمواطن لم يعد مدللاً اقتصادياً كما كان سابقاً؛ بل أصبح مجبراً على التخلي عن الرفاهية التي كان يتمتع بها. لقد أيقنت هذه الدول أن الاعتماد المفرط على قطاع النفط والغاز قد أوقعها في وضع اقتصادي حرج للغاية، وجعل الاقتصاد الخليجي معرّضاً إلى حالات عدم الاستقرار نتيجةً لتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية. والأهم من ذلك فإن الهيبة الاقتصادية للدولة قد تضرّرت كثيراً، فأصبحت ملزمةً بالتخلي عن سياسة التدليل والمكرمات والهبات غير الاقتصادية.

إن تطبيق ضريبة القيمة المضافة لا يمثل فقط حاجة هذه الدول لزيادة إيراداتها لاحتواء العجز المرتفع والمستمر في الموازنة العامة، وإنما أيضاً هو مدخل لفرض نظام ضريبي أوسع، ما قد ينجم عنه هيكل اقتصادي مختلف تماماً، وكذلك دور اقتصادي جديد للدولة، حيث ستتقلص هباتها وكرمها وقدرتها على تمويل النشاط الاقتصادي.

إن كل هذا سينعكس سلباً على المستوى المعيشي للمجتمع، وسيكون بدايةً لانتهاء الرفاهية التي كانت تتغنّى بها شعوب المنطقة لعقود من الزمن.



أضف تعليق



التعليقات 10
زائر 1 | 11:35 م المقال بعيد كل البعد عن الواقع وكل ما تم ذكره أستند على معلومات من الحكومات ...والدليل أنه لا يمكن لدول تتقشف وتتدين من جهة وتنفق المليارات على أمور أخرى من جهة أخرى ولكن يراد للمواطن أن يقلد ...كل ما يسمعه للأسف حتى لو كان غير حقيقي.. رد على تعليق
زائر 2 | 11:39 م أي رفاهية ألي كنا نتغنى أبها يا حضي لا شفنا رفاهية ولا هم يحزنون أما وأذا المئة دينار بدل الغلاء وبدل السكن رفاهية حسبتونها ! رد على تعليق
زائر 3 | 12:39 ص مواطنين الخليج بيتأثروا ماعدا المواطن البحريني الأصيل ما بيتغير عليه شي اول شعب تاثر هو الشعب البحراني تم قصف راتبه من كل الجهات رد على تعليق
زائر 4 | 12:46 ص .
لو كانت دول الخليج بلا نفط لأصبحت دول صناعية تصدر بدلا من ان تستورد، النفط نعمة وسوء التصرف فيه جعله نقمة . رد على تعليق
زائر 5 | 1:41 ص صباح الخير دكتور العزيز شكرا لعطائك المتدفق . لدينا عدة تساؤؤلات هل هناك قانون واضح لحساب ضريبة القيمة المضافة ؟ هل انسئت هيئة متخصصة من الخبراء الاقتصاديين والماليين تدير هذه الهيئة وتكون جهة مسئولة عن إيرادات الضرائب رد على تعليق
زائر 6 | 2:08 ص ولاننسى ان التجنيس لعب دور في استنزاف اقتصاد البلد

وللاسف لازال الجديد مدلل وعايش افضل من المواطن

ولازالت الدولة تستجلب موظفين من جنسيات ثانية حق يشغلون مناصب بدل المواطن رد على تعليق
زائر 7 | 2:49 ص معلومة خطيرة اذا ما قارنا البحرين بالسعودية من حيث الناتج المحلي من النفط خصوصا ان دين البحرين بالدينار البحريني
في البحرين مثلاً تجاوز الدين العام العشرة مليارات دينار وفي السعودية بلغ العجز في الموازنة العامة 98 مليار دولار العام 2016 رد على تعليق
زائر 8 | 3:57 ص الضرائب في الدول الاجنبية تمنح مميزات للمواطن من انتخابات ومحاسبة الحكومة ومعرفة أين تذهب الأموال
أما في دولنا يريدون جمع الضرائب بدون اعطائنا مميزات كالدول الاخرى رد على تعليق
زائر 9 | 5:46 ص لا ضرائب من غيرمشاركه في صنع القرار رد على تعليق
زائر 11 | 2:34 م سرف وترف فاين الرفاهيه?¿ رد على تعليق