العودة إلى مصطلح «التطهير»
كلمة «التطهير» في المعجم اللغوي تأتي من مصدر الفعل «طهَّر»، وتعني تنظيف الشيء أو الثوب أو الإنسان مما أصابه من النجاسة والقذارة، والتطهير تنقية للنفس وإزالة فساد بإزالة أسبابه. وفي الخطاب السياسي اقترن مصطلح «التطهير» بما قامت به مجموعات ضد أخرى من عمليات قتل وطرد للسكان على أساس إثني أو ديني او طائفي... مصحوبا لانتهاكات ترقى إلى مستوى «جريمة ضد الإنسانية»، كما حصل في البوسنة ورواندا في تسعينات القرن الماضي.
والبعض قد يستخدم هذا المصطلح من دون علم بأبعاده الخطيرة، او انه قد يعلم ذلك ويسعى الى تبرير منهج منافٍ للقانون الدولي الإنساني، او بدرجة اقل، قد يكون منافيا للقانون الدولي لحقوق الانسان.
ولو عدنا الى الوراء قليلا، فسنجد أن هذا المصطلح استخدم -بعلم او بغير علم - منتصف مارس/ آذار2011، نشر البعض وصفا لعرض فيلم توثيقي «بشأن تطورات الأحداث لحظة بلحظة لعملية تطهير دوار مجلس التعاون والمرفأ المالي ومستشفى السلمانية وما حولها، وإخلائها من الخارجين عن القانون الذين روعوا المواطنين والمقيمين وأرهبوهم وأساءوا للاقتصاد الوطني».
وجاء ذلك العرض والخبر، كأول مرة ترد فيها كلمة «تطهير» في ظل الأحداث التي شهدتها البحرين مطلع العام 2011.
ترافق مع مصطلح «تطهير» معانٍ عدة، ومدلولات سياسية في وقائع لا يمكن لأحد أن ينكرها، وثّقها التاريخ وتحدّث عنها تقرير لجنة تقصي الحقائق بالتفصيل.
ولوزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة تعريف أيضاً لكلمة «التطهير»، أوردها في ديسمبر/ كانون الأول 2009 أمام مجلس النواب عندما كان الحديث عن وجود تطهير طائفي في البحرين بأنه «أمر مرفوض وغير صحيح»، مؤكداً أن «التطهير الطائفي يعني قتل شخص أو مجموعة من الأشخاص بسبب قضية ما لدواعٍ طائفية، وهذا غير موجود في البحرين». وزير العدل يرفض الحديث عن وجود «تطهير» طائفي أو عرقي أو أي نوع من هذه الأنواع.
وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، تحدّث أيضاً أمام مجلس النواب في التاسع والعشرين من مارس/ آذار 2011، حيث أكد أنه «لا صحة إطلاقاً لما يسمى بالتطهير العرقي» في البحرين، وذلك بعد أحداث إخلاء دوار «اللؤلؤة».
هذا المصطلح، وبعد حملة موسعة من الشحن الطائفي والكراهية قادتها وسائل جهات مملوءة بأفكار غير قويمة، عاد في العام 2013 وعلى لسان احد الأشخاص، نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر صحف محلية في بيان منسوب لذلك الشخص، طالب فيه بـ «تطهير» مؤسسة رسمية من محسوبين على المعارضة.
هذه اللفظ عاد من جديد على صدر صحيفة محلية يوم الأربعاء الماضي (24 مايو/ أيار 2017) تحدثت عن «تطهير الدراز من العملاء»، بعد عملية أمنية قامت بها وزارة الداخلية يوم الثلثاء (23 مايو2017) أسفرت عن مقتل 5، وإصابة الكثيرين بينهم رجال أمن، بحسب بيان وزارة الداخلية.
لفظ «مقيت» يبيح ما ترفضه الإنسانية، حتى وزارة الداخلية رفضته في مؤتمر صحافي علني، عندما أكد رئيس الأمن العام اللواء طارق الحسن، رداً على سؤال «صحافي» بأن ما حدث من عملية أمنية في الدراز «لم تكن من منطلق تطهير منطقة عسكرياً باستخدام السلاح، وإنما للقبض على المطلوبين الخطرين وإزالة الحواجز والموانع»، بل وصف المتواجدين في الدراز بـ«خارجين عن القانون»، «مطلوبين»، «معتصمين» و«مواطنين»، ولم يتحدث عن «خونة وعملاء».
لغة «التطهير» ولغة «التخوين»، لغة «حاقدة» وليست ناقدة، لغة تسترخص دماء من يختلف معهم، وهي ذات اللغة التي تستخدمها تنظيمات إرهابية مثل «داعش» وغيرها.
هناك من يدعو للإصلاح والتسوية والحلول العقلانية والتوافقات الشعبية، وهناك من يدعو لـ«التطهير» والقتل والانتقام وبث السموم والاحقاد، دون ان يتعرض لأي حساب او مساءلة.
المخجل حقاً أن هناك من يفتخر ببث أحقاده التي تعبر عن مستواه في التفكير، ولكن الأكثر خجلاً ان المؤسسات التي تدعي أنها معنية بحقوق الإنسان، وقفت بعضها صامتة أمام ذلك الاستخدام والتحريض!