العاطلون البحرينيون يريدون خدمة بلدهم وعدم إدخالهم في جدال مع ديوان الخدمة المدنية
لن ندخل في جدال عقيم مع ديوان الخدمة المدنية على ملف العاطلين الجامعيين البحرينيين، ولن نطلب منه أن يقول لنا أن الأصل في التوظيف وفقاً لتشريعات الخدمة المدنية هو توظيف البحرينيين، ولن نريد منه أن يقول يجب النظر إلى عملية توظيف غير البحرينيين كوسيلة لسد العجز في الكفاءات من المواطنين، إلى حين أن تتهيأ القدرات الوطنية لملء الفراغ والإحلال محل العمالة المهاجرة تدريجياً، وذلك وفق خطة واضحة المعالم... وإنما نريده أن يقول: هل هناك خطة فعلاً بهذا الخصوص أم لا ؟ وإذا كانت هناك خطة متى سنجد أثرها على أرض الواقع؟ وإذا لم توجد خطة لتأهيل البحرينيين حتى الآن، كيف سيكون حال الوظائف الحكومية في المستقبل القريب؟
ما أردنا قوله لديوان الخدمة إن ملف العاطلين البحرينيين آخذ في التوسع والتفاقم وأنه بحاجةٍ إلى حل ناجع وسريع، ولا يحتمل أن يبحث ديوان الخدمة المدنية عن أية مبررات أو ذرائع لعدم حله، لأن ليس للعاطلين الجامعيين وطن آخر يقدّمون له خدماتهم غير البحرين. فتأمين العمل المناسب لتخصصاتهم لا مناص منه، فهم لم يدرسوا ويتخرّجوا من الجامعات من أجل أن يجلسوا في بيوتهم، واضعين أيديهم على خدودهم، وليس من أجل أن يحصلوا على مبلغ زهيد من مشروع التأمين ضد التعطل، الذي لا يُسمن ولا يغني عن جوع، فماذا يفعل العاطل بمبلغ لا يتجاوز الـ 150 ديناراً بالنسبة للعاطل الجامعي ولا يتجاوز الـ 120 ديناراً للعاطل غير الجامعي في هذا الزمان الملتهب بغلاء الأسعار؟
إن هؤلاء الخريجين إنما سهروا الليالي وبذلوا الجهود الكبيرة طوال دراستهم الجامعية من أجل أن يثبتوا لوطنهم أنهم قادرون على تحمّل المسئولية في مختلف المجالات والتخصصات، وأما كلام ديوان الخدمة المدنية الذي يؤكد توظيفه الأجانب، بحجة أن التخصصات المطلوبة غير متوفرة في العاطلين البحرينيين، إذا سلمنا بهذا الكلام، فهل الحال الذي يتحدث عنه الديوان يتحمله العاطل أم الجهات الرسمية التي لم تخطط لتوفير التخصصات اللازمة التي يحتاجها الوطن؟ أليس توفير التخصصات المهمة في وقتنا الحاضر من مهمات وزارة التربية والتعليم؟ نقولها بكل صراحة: لو كانت الوزارة تمتلك رؤية مستقبلية لخريطة الوظائف التي يحتاجها الوطن، لما وجدنا ديوان الخدمة هذه الأيام يشكو من عدم توفر التخصصات المطلوبة .
ليس معقولاً إطلاقاً أن بلداً صغيراً في مساحته الجغرافية ومحدودية عدد مواطنيه الذي لا يتجاوز 700 ألف نسمة، كبلدنا البحرين، أن يوجد فيه أكثر من 8450 عاطلاً عن العمل. وليس معقولاً أن يبقى الحال يتفاقم ويكبر أكثر ما هو عليه الآن، وليس معقولاً أن العاطل البحريني في كل شهر يذهب إلى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، لكي يثبت لها أنه مازال عاطلاً، ومازال يعيش في بؤس شديد، وأنه مُجِدٌّ في طلب العمل، وبعد ستة أشهر من المعاناة، يتوقّف عنه دفع مبلغ التأمين ضد التعطل، ومن أجل الاستمرار في دفعه عليه أن يتقدم للوزارة بطلب جديد، يطلب من خلاله مواصلة دفع التأمين له، الذي لا يسد رمقه.
لن نتحدث عن المعاملة التي يلاقيها العاطل عن العمل عند مراجعته للوزارة، لأن الحديث عن هذا الموضوع يحتاج إلى مساحات واسعة، ولهذا نقول للوزارة: بإمكان أي مسئول فيها القيام بجولة سريعة إلى القسم المخصص لمراجعة العاطلين، ومحاولة إجراء مقابلات ميدانية معهم، ليتضح لها حجم المعاناة النفسية والمعنوية، التي يعانونها في حال مراجعتهم للوزارة .
ما نراه أن حل مشكلة البطالة ليس صعباً ولا مستحيلاً، إذا ما وجدت الإرادة الحقيقية لحله، وإنهاء معاناة آلاف العاطلين، فمازلنا نقول إن التعليم الذي مضى على وجوده قرابة القرن ولا يستطيع حتى الآن توفير كل التخصصات التي يحتاجها الوطن، يحتاج إلى مراجعة حقيقية، للوقوف على الأسباب الواقعية التي أدت إلى عدم مقدرته في تحقيق تطلعات وطموحات الوطن التعليمية، رغم ما يرصد له من مبالغ ليس بالقليلة من موازنة الدولة. ولو سألنا وزارة التربية والتعليم عن إنجازاتها النوعية التي حققتها في الـ17 عاماً من الألفية الثالثة، هل ستختلف اختلافاً جوهرياً عن إنجازاتها في القرن العشرين؟
قلنا للوزارة مراراً وتكراراً، أن لا تهدر الأموال الكثيرة وتبذل الجهود والأوقات الكبيرة في إجراء الامتحانات والمقابلات الشخصية للمتقدمين لطلب الاشتغال في سلك التعليم عدة مرات من دون فائدة تعود على العاطلين الجامعيين التربويين بعد اجتيازهم كل متطلبات المهنة، واقترحنا عليها أن تعطي للمتقدمين المجتازين لكل متطلبات المهنة رخصة مزاولة مهنة التعليم، لكي يتسنّى لهم أن يعملوا في المدارس الخاصة، وأن يكون لهم الأولوية في ملء الشواغر في حال وجودها بالمدارس الحكومية، أما ما تمارسه الوزارة الآن فلا يدل على وجود خطة لديها للاستفادة من هذه الطاقات البشرية البحرينية .
بطبيعة الحال لو أخذت بهذا المقترح سيوفر على ميزانية الدولة آلاف الدنانير، فبإمكانها من الآن حصر كل المتقدمين في الخمس سنوات الأخيرة، لطلب الوظيفة في سلك التعليم ولم يحصلوا عليها رغم اجتيازهم كل متطلبات المهنة، أن تعطيهم رخصة مزاولة مهنة التعليم، وهذا أقل بكثير من حقهم الأدبي والأخلاقي والمهني والقانوني. ولا نعتقد أن هذا المطلب العقلاني لا تستطيع الوزارة القيام به، إن قالت أنها لا تستطيع تنفيذه، فهذه طامة كبرى في مجال التعليم، فلدينا ثقة لا يداخلها الشك أن باستطاعتها العمل لتحقيق هذا المطلب المنطقي والبسيط والواضح جداً، وفي أسرع من كل التوقعات، ننتظر منها أن تقوم بخطوات عملية للاستفادة بصورة كاملة من كل العاطلين البحرينيين المتقدمين للعمل في سلك التعليم.