«مع وقف التنفيذ»
من سخرية القدر أن يكون البعض «مع وقف التنفيذ» على رغم ما يُعطي ويُقدّم للآخرين، فتجده يعمل ويعمل دوما، وفي النهاية هو في آخر الصف، لا أحد يريده في منصبه المناسب، إمّا لغيرة أو لكراهية أو لإهمال أو لاستصغار، وتُعطى له أكثر الأعمال، والسبب أنّه قادر على إنجاز المستحيل، بمعنى أصح «جوع وضرب جموع».
لا تستغلّوا هؤلاء الأشخاص، فهم بالطّبع سيعطون ويعطون، ولكن سيأتي ذلك اليوم الذي سيتوقّفون فيه عن العطاء، أتعلمون لماذا؟! لأنّ التقدير ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب والمنصب اللّائق به هو ما يزيد الإنتاجية، أمّا إهماله ومحاولة «تكسير مياديفه» فأمر لن ينفع أحدا، وخاصة أهل الشأن.
أهل الشأن هم أوّل من سيخسر عندما يُقرّر الكريم التوقّف عن كرمه، وعندما يُقرّر صاحب العطاء المتواصل التوقّف عن عطائه، وذلك الذي لا يبخل بوقته أو بحياته من أجل قضيّة يؤمن بها! هذا الشخص بالذّات أعطوه وقدّروه فهو يحوّل التراب الى ذهب، ومن يساعد في التنمية والتقدّم إلاّ أمثال هؤلاء؟!
يعمل ويعمل، يبني ويبني، يعطي ويعطي، كم شخصا يا تُرى يشعر بهذا الشعور؟! وكم شخصا يشعر بالتهميش والإحباط؟! لا تحبطوا ولا تهمّشوا من يُقدّم الكثير لكم، فغضبه سيغيّره للأبد.
للأسف أمثال هؤلاء مع وقف التنفيذ، هؤلاء المخلصين للوطن والكرماء له، هؤلاء الذين لا تهمّهم المادّة بقدر ما يهمّهم إنجاز العمل، هؤلاء الذين ليس لديهم حضور في أهم الأماكن التي يجب أن يتصدّروها ويجلسوا في أوّل صفوفها!
الدنيا تعطينا دروسا بأنّها بالمقلوب في أغلب الأحيان، هي بالمقلوب على أولئك الذين يرفعون من شأننا ولا يعجبهم الروتين ويرفضون كلمة مستحيل، هم أولئك المبدعون الذين يسبحون دوما عكس التيّار، ولا يخافون ركوب الأمواج، وينجحون وينجحون وينجحون من أجل الآخرين، ولكن في النهاية التقدير «صفر».
أهل الشأن، اسألوا أنفسكم: هل يستحق هذا الشخص المنصب؟! هل هناك أشخاص يعملون بإبداع وتميّز وبعمل حر مغاير للآخرين وهو في الرف مركون؟! هل يُعقل ذلك؟! لا والله لا يُعقل، فمن أعطاني 100 فلس أُعطيه 10 دنانير، ومن قدّم لي ابتسامة في الصباح أقدّم له قبلة في المساء، ومن يحبّني ويعطيني بصدق لا يمكن أن أساويه مع من ينافقني ويتمصلح عليّ من أجل غرض آخر.
لننظر من يقف معنا في الأزمات، ومن يحبّنا بصدق، هو اختبار بسيط ولكنّه عميق جدّا لمن يهمّه هذا الأمر، ودعونا لا نخسر أكثر ممّا خسرنا، ولا نضع من يستحق مع «وقف التنفيذ».